سمعنا كثيراً عن ارتفاع مبيعات الكتب التي تتحدث عن الإسلام بعد حوادث التفجير في أمريكا. كما أشارت محركات الإنترنت إلى ارتفاع معدل البحث عن كلمات مثل "إسلام" و"طالبان" و"القاعدة"...!!
ولكن من جهة أخرى ارتفعت أيضاً مبيعات الكتب التي تتحدث عن نوستراداموس، كما كشفت محركات البحث عن الاهتمام المفاجئ بهذه الكلمة (Nostradamus)!!
ـ ولكن من هو نوستراداموس وما سبب اهتمام الأمريكان به!!؟
.. نوستراداموس طبيب وفلكي فرنسي عاش بين عامي 1503و 555.وقد أبدى منذ طفولته اهتماماً كبيراً بتعلم اللغات والفلك والطب (بل إنه وضع أساليب ثورية لعلاج الطاعون الذي انتشر في عصره). غير أن الطاعون الذي ساهم في دحره خطف زوجته وابنتيه فبدأ حياة الترحال في أوروبا. وخلال سفره اشتهر كمنجم وفلكي أكثر منه كطبيب ومترجم. وفي عام 1554استقر في سايلون الفرنسية وبدأ في تأليف كتاب "القرون" أعظم مرجع في النبوءات والتنجيم. وكتب في عشرين جزءاً أهم الأحداث التي ستقع في العشرة قرون القادمة. وسرعان ما حقق الكتاب شهرة واسعة حين مات الملك هنري الثاني بطريقة تنبأ بها الكتاب.. وقد ين نوستراداموس كمستشار خاص للملك شارل التاسع، كما عُين كمسشار وطبيب في بلاط الملك هنري الثامن!!
* وبعد وفاة نوستراداموس تحول كتاب القرون إلى اسطورة وأصبح مرجعاً للنبوءات في أوروبا. ورغم أن الكتاب يضم مائة واقعة (فات أوانها) إلا أنه أصبح بمثابة "وعاء" تبحث فيه كل جهة عما يؤيدها. فبسبب ضخامة الكتاب ـ وكتابته بطريقة شعرية مبهمة ـ أصبح من السهل ادعاء أي نبوءة فيه. فهو مثلاً يضم نصوصاً تتفق مع الحرب العالمية الأولى (حيث يموت أمير الصرب فتحرق النار كل أوروبا) وظهور هتلر ـ أو هايلر (الذي يصل بجنوده إلى بلادالجليد والنار) وقصف اليابان بالقنابل الذرية (حيث يدمر طائر الظلام مدينتان عظيمتان في الشرق) وانهيار الاتحاد السوفياتي (حين يفتح الأصلع بوابة الحديد على العالم)...
وبهذه النصوص الغامضة أمكن العثور على ما يشير إلى اغتيال كينيدي ومقتل ديانا ظهور طالبان وتفجيرات نيويورك الأخيرة.. بل وصل الهوس بالكتاب حد أن محطة CBS العريقة استضافت خبراء لتحليل نص يقول "في أول عام من القرن الجديد، وفي الشهر التاسع، سيطيح الطائر المعدني بتمثالين عظيمين في يورك".
وقد بحثت شخصياً عن هذا النص في الإنترنت فوجدت (نصوصاً كثير) كل يدعي علاقته بكتاب القرون. أما الفقرة التي تحدثت عنها المحطة فقال عنها جيمس راندي (وهو متخصص في كشف زيف الظواهر الغامضة) انها مكذوبة وغير موجودة في الكتاب.. ولكن راندي عاد وقال ان أقرب نص موجود هو قول نوستراداموس "في الشهر السابع من عام 1999سيأتي ملك الرعب من السماء بطائر معدني أبيض" .. (ولكن كما هو معروف لم يحدث شيء في شهر يونيو 1999)!!
* وفي جميع الأحوال من الواضح أن شعبية كتاب القرون تعود إلى تشبث "الإنسان" بأي تلميح يخبره عن المستقبل. وحين تشتد النكبات لا يجد الغرب غير نبوءات نوستراداموس للتكاء عليها.. أضف لذلك تظهر بين الحين والآخر مصالح تجارية وسياسية تؤجج الاهتمام بهذا الكتاب، ففي الحرب العالمية الثانية مثلاً أصدرت كل من المخابرات البريطانية والألمانية طبعتها الخاصة وحشرت فيها ما يؤيد سياستها. وفي أواخر الثمانينات انتجت هوليود فيلماً ناجحاً ظهر فيه نوستراداموس وهو يتنبأ بالثورة الفرنسية وظهور هتلر وصدام حسين.. أما الحوادث الأخيرة فقفزت بكتاب القرون إلى المركز الأول في قائمة أفضل الكتب مبيعاً (حسب قائمة النيويورك تايمز وموقع أمازون). كما استفاد من رواجه عدد لا يُحصى من المفسرين ودور النشرومواقع الإنترنت ووو ... ولكن الحقيقة هي أن نوستر اداموس فشل (مثل ملايين المنجمين حول العالم) في إخبارنا بما سيحدث في الحادي عشر من سبتمبر
فهد عامر الاحمدي- جريدة الرياض
وتقبلو تحيات اخوكم
علي
المفضلات