خطبة جمعة
التشاؤم والطيرة وضدها الفأل الحسن
عبدالله فهد الواكد
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: نعمة الهداية إلى طريق الحق نعمة لا تعدلها نعمة، امتن الله بها على عباده المؤمنين فقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].
وطرق الضلال كثيرة، وسبلُه عديدة؛ بينما طريق الحق واحدة ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153]،
أيها المسلمون : من الضلال الذي يعيشه كثير من البشر : التطير، وهو التشاؤم، وسُمي تطيرًا؛ لأن العرب في جاهليتهم إذا خرج أحدهم لحاجة يريدها، قصد عش طائر فهيجه؛ فإن طار من جهة اليمين مضى في الأمر، وإن طار من جهة الشمال تشاءم منه، ورجع عمّا أراد.
ولم يكن التشاؤم حادثًا عند العرب ابتداء في جاهليتهم؛ بل أخذوه من الأمم التي سبقتهم، فقوم صالحٍ عليه السلام تشاءموا منه وقالوا: ﴿ اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ﴾ [النمل: 47]، وأصحاب القرية تشاءموا بالمرسلين إليهم ﴿ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [يس: 18]، وآل فرعون تشاءموا بموسى ومن آمن معه كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: ﴿ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ﴾ [الأعراف: 131]،
وكثيرٌ ممن انخرم توحيدُهم يتشاءمون من ساعاتٍ أو أيامٍ كيوم الأربعاء أو شهور كشهر صفر أو أصوات أو طيور أو حيوانات كنعيق البوم والغراب أو رؤية أشخاص كالعليل والمعتوه أو أرقام أو نحو ذلك.. فكثير من ضُلاَّل النصارى يتشاءمون من الرقم ثلاثة عشر، وبعضهم يتشاءم من الرقم تسعة عشر، وآخرون يتباركون به! وكثير من الرافضة يكرهون التكلم بلفظ العشرة، أو فعل شيء يكون فيه عشرة، حتى البناءُ لا يبنون على عشرة لكونهم يبغضون خيار الصحابةِ وهم العشرةُ المشهود لهم بالجنة[4].
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر))؛ أخرجه الشيخان[6].
وبعض الناس يمتنعون عن السفر في صفر، أو الزواج فيه، أو الخِطبة، أو إجراء العقد. وبعضُ التجار لا يمضي فيه صفقة؛ تشاؤمًا به. وهذا كله من الطيرةِ المنهي عنها، وهو قادح في التوحيد. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منّا من تطير أو تُطيِّر له، أو تكهن أو تُكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))؛ أخرجه البزار[9].
وذكر صلى الله عليه وسلم أن الطيرة من الجبت فقال: ((العِيَافَةُ والطِّيَرَةُ والطَّرْقُ من الجبت))؛ أخرجه أحمد أبو داود[10].
وبعض وسائل التواصل ومنصات الإنترنت اليوم تعج بالعؤافين ويصدقهم الكثير من الناس سيما إذا حدث مما يتوقعونه شيئا بالمصادفة أو إخبارا لهم من جهات مجهولة فيامن تصدقهم . هل لهم شرك في علم الغيب مع الله .
ويجب على المسلم التوكلُ على الله تعالى والمضيُّ لما عزم عليه ، والبعدُ عن وساوس الشيطان، وعدم الاستسلام لخطراته، واليقينُ بأن الأمور بيد الله سبحانه وأن القدر مكتوب لا تردُّه الطيرة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كفارتها لمن وجد في نفسه شيئًا فقال عليه الصلاة والسلام: ((من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك)). قالوا: "فما كفارة ذلك"؟ قال: ((أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك))؛ أخرجه أحمد[12]، وذكرت الطيرة عنده عليه الصلاة والسلام فقال: ((أحسنها الفأل، ولا ترد مسلمًا؛ فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك))؛ رواه أبو داود[13].
وشهر صفر وغيره من الشهور لا يوصفُ لا بالخير ولا بالشر فهو ظرف لما يقع فيه، وليس له تأثير فيما يقع فيه سواء كان خيرًا أم شرًّا؛ ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البوم ينعق قال: خيرًا إن شاء الله، فلا يقال: خير ولا شر، بل هو ينعق كبقية الطيور[14].
وقد اعتاد كثير من الناس على استعمال كلمة: خير يا طير، وأغلب من يستعملها لا يقصد بها الطيرة المنهي عنها شرعًا؛ لكن المسلم ينبغي له أن ينزه لسانه عن الألفاظ التي فيها شبهة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾ [النمل: 47].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا غضبه فلا تعصوه، ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [البقرة: 203].
أيها المسلمون: الفألُ ضد الطيرة؛ ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يتطير كما قال عليه الصلاة والسلام: ((لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح، والكلمة الحسنة))؛ فالكلمة الطيِّبة تُعْجِبُه صلى الله عليه وسلم لما فيها من إدخال السرور على النفس والانبساط والمضيّ قُدُمًا لما يسعى إليه المسلم، وليس هذا من الطيرةِ؛ بل هذا مما يشجعُ الإنسان؛ لأنها لا تؤثرُ عليه؛ بل تزيده طمأنينة وإقدامًا وإقبالاً[17].
ومما ينبغي أن يعلم: أن الطيرة لا تضر إلا المتطيّر، والشؤم لا يضر إلا المتشائم، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا طيرة والطيرة على من تطيَّر))[19].
فشؤم العبد يقعده عن العمل، ويصيبه بالإحباط واليأس، وإذا تخلف مطلوبه عزاه إلى ما تشاءم منه، وهكذا يظل أسير الأوهام والشكوك والظنون الفاسدة، ولربما استعان بالعرافين والدجالين في معرفة نتيجة أمر يريده؛ فيقع في الشرك، ولا ينفعه هؤلاء الدجالون، بل يسلبون أمواله كما يفسدون توحيده، ولن يجني إلا ما كتب الله تعالى له.
فاتقوا الله ربكم، واحذروا الشرك ومداخله، فإن العبد قد يقع في الذنوب فيغفر الله تعالى له؛ لكن الشرك لا يغفره الله تعالى ومن مات عليه فهو على خطر عظيم..
وصلوا وسلموا على نبينا محمد كما أمركم بذلك ربكم.
المفضلات