للفقد وجع كبير لا يشبهه أي وجع آخر،
وأشد ما يوجعك هو إحساسك بأنك لم تعط من فقدت الاهتمام الكافي أثناء حياته ولم تشبع نفسك من الجلوس معه والاستئناس بحديثه فتلوم نفسك على تقصيرك في حقه وتفريطك في الاهتمام به.
ليتهم يخبروننا قبل الرحيل!، لعلنا نعوضهم عن فترات انقطاعنا عنهم أو نشرح لهم الأسباب على الأقل رغم يقيننا أنه لا سبب مقنع أبدا في إهمالنا أحبابنا.
ليتهم يعودون ليسمعوا ماذا قلنا عنهم بعد رحيلهم، ليتهم يعودون ليقرؤوا ماذا كتب عنهم بعد فقدهم، ليتهم يعودون ليروا تلك الدموع التي ذرفناها بعدهم واحتلت مكان الضحكات التي كنا نقابلهم بها في المرات القليلة في حياتهم، ليتهم،،، ولكن لا أحد يعود من هناك.
لما مات أحد الأصدقاء قبل أيام وقفت على قبره طويلا وذرفت الدموع، بكيت وبكيت وبكيت، كان بعض بكائي حزنا وكثير منه ندما لكن هيهات ينفع الدم، وجدتني دون أن أشعر أردد في نفسي "اللهم لا تجعل هذا آخر العهد واجمعني به في الجنة" وكأني كنت أريد أن أقابله لأعتذر عن كل شيء حتى عن عدم الرد على رسالة التهنئة بقدوم شهر رمضان والتي أهملتها تحت ذريعة زحمة الرسائل، وهي إلى الآن تظهر أمامي كل لحظة رغم زحمة الرسائل.
قبل سنوات توفي أحد الإخوة وكان محبوبا من الجميع ومني، لم تربطني به علاقة صداقة ومع ذلك أحدثت وفاته شرخا في داخي وأخبرتني كيف تكون قسوة الرحيل المفاجئ، لم أمهل نفسي كثيرا أسرعت بالتواصل مع كل الأصدقاء فزرت من أستطيع وهاتفت الآخرين حتى أولئك الذين يعيشون خلف الحدود أردت أن أخبرهم أني أحبهم وأنني مقصر في حقهم، لم أقلها لكني أجزم أنهم فهموها. ثم...؟! عدت إلى إهمالي وتقصيري مسليا النفس بعذر انشغالي.
في الواقع إن جل محاولات الاجتماع مع الأصدقاء القدامى - إن لم تكن كلها - تبوء بالفشل والواقع أننا نستسلم سريعا لهذا الفشل على اعتبار أن الجميع واقع في هذا التقصير والجميع لا يخلو من هذا الذنب وهذه سنة الحياة والحقيقة هي أنه لا أحد لديه الشجاعة لتعليق الجرس في رقبة وحش الأعذار لنجد لها حلا.
لا تنتظر موته صل في الحياة أخا
لا ينفع الدمع فوق القبر إن سكبا
أعلم أن صديقي رحل وأعلم أنه لن يعود ليقرأ وأعتذر، ولن يعود لأعوضه عن ذلك التقصير
بل أعلم أن صديقا آخر سيرحل فجأة ليخبرني أنني مارست معه ذات الذنب وسأعود لأبكي وأكتب.
لذلك... قفا نبك... على كل الراحلين
المفضلات