خطبة جمعة
بعنوان
( آداب تلاوة القرآن )
من خطبة الدكتور / محمد العيدي
مع بعض التعديلات والإضافات
26/7/1444هـ
عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل
الخُطْبَةُ الأُولَى
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمِنْ يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. [آل عمران:102]. ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾[النساء: 1]. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70، 71].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: القُرآنُ الكَرِيمُ هُوَ حَبْلُ اللهِ المَمْدُودُ ، وَصِرَاطُهُ المَشْدُودُ ، مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَمَنْ اعْتَصَمَ بِهِ نَجَى مِنْ العَذَابِ الأَلِيمِ ، أَوْصَانَا اللهُ بِتَلَاوَتِهِ ، وَأَمَرَنَا بِتَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ ، وَتَدَبُّرِهِ وَتَفَهُّمِهِ وتَفهِيمِهِ ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ. لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)، وقَالَ تَعَالَى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)، وَقَالَ تَعَالَى: (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ)، وَقَالَ تَعَالَى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها )، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ) . فَضْلٌ عَظِيمٌ ، مِنْ رَحْمَنٍ رَحِيمٍ ، فَهَلَّا سَارَعْنَا إِلَيْهِ ، لِنَفُوزَ بِمَا دَلَّنَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «يَجِيءُ القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ، وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً». أخرجه الترمذي، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ مَفَاتِيحِ القُبُولِ عِنْدَ قِرَاءَةِ القُرْآنِ ، إِخْلَاصُ النِّيَّة للهِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )، وقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا، وابتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ). أخرجه النسائي، وقال الحافظ في الفتح: إسناده جيد، وحسنه الحافظ العراقي.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَلِقِرَاءَةِ القُرْآنِ آدَابٌ مِنْهَا : السِّوَاكُ : لِمَا رَوَى البُخَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِ )، ولِمَا روى البيهقي في شُعَبِ الإيمان، وَصَحَّحَهُ الألباني أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( طيِّبوا أَفْوَاهَكُم بِالسِّوَاكِ، فَإِنَّها طُرُقُ القُرْآنِ ).
وَمِنْهَا : الاسْتِعَاذَةُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: ( فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) وَالمَعْنَى: إِذَا أَرَدْتَ القِرَاءَةَ.
وَمِنْهَا: تَرْتِيلُ القُرْآنِ : لِأَنَّ اللهَ قَالَ : ( وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً )، وَقَدْ وَصَفَتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قِرَاءَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهاَ قِرَاءَةٌ مُفَصَّلَةٌ حَرفَاً حَرفَاً. وَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ ، فَقَالَ : هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ». يَعْنِي: يُنكِرُ عَلَيْهِ الإِسْرَاعَ فِي القِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيلَ أَدْعَى لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّأَثُّرِ بِالقُرْآنِ . وَتَدَبُّرُ القُرْآنِ هُوَ الثَّمَرَةُ الحَقِيقِيَّةُ لِلتِّلَاوَةِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ )، وَالتَّدَبُّرُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا لِمَنْ تَفَكَّرَ فِي كَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاسْتَحْضَرَ عَظَمَتَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَتَأَمَّلَ فِي كَلِمَاتِ القُرْآنِ، وَاسْتَصْحَبَ عَقْلَهُ وَفَهْمَهُ ، وَاسْتَجْمَعَ حِسَّهُ وَجَوَارِحَهُ ، أَمَّا أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ بِلِسَانِهِ، وَقَلْبُهُ مَشْغُولٌ، فَلَا تَحْصُلُ لَهُ الثَّمَرَةُ مِنْ تِلَاوَةِ القُرْآنِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَتَابَ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وتوبوا إليه؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتباعِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ آدَابِ قِرَاءَةِ القُرْآنِ أَنْ تَكُونَ القِرَاءَةُ بَيْنَ الجَهْرِ وَالإِسْرَارِ ، فَلَا يَرْفَعُ القَارِئُ لِلْقُرآنِ صَوْتَهُ فَيُؤْذِي مَنْ بِجَانِبِهِ ، أَوْ يَتَأَذّى المُصَلُّونَ بِذَلِكَ ، حَيْثُ أَنَّهُ يُشَوِّشُ عَلَى المُصَلِّينَ أَوْ القَارِئِينَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ خَفْضُ الصَّوْتِ أَفْضَلَ حَتَّى لَا يَتَسَبَّبَ فِي أَذِيَّةِ الآخَرِينَ ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : إِعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْجِدِ ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالقِرَاءَةِ ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ ، فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ : ( أَلَا إِنَّ ُكلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَلاَ يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالِقرَاءَةِ ) . أَوْ قَالَ : ( فِي الصَّلَاةِ )
السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم : 4/134 وأخرجه أحمد (11915)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8092)
ثم اعلموا رحمكم الله أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على نبيكم ورسولكم محمد، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، ........
المفضلات