خطبة جمعة
( نعمة الغيث وخطر السيول )
كتبها
عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ الذِي أَثَارَ السَّحَابَ وَأَرْسَلَهُ ، وَسَاقَ الغَيْثَ وَأَنْزَلَهُ ، أحمدُهُ عَدَدَ مَا هَطَلَ عَلَيْنَا مِنْ سَحَابٍ ، وَعَدَدَ مَا ابْتَلَّتْ السُّهُولُ وَالهِضَابُ ، حَمْداً يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ ، وَيَنْبَغِي لِعَظَمَتِهِ وَكَمَالِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الغَنِيُّ عَناّ ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ المَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ ، َصلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إتَّقُوا اللهَ القَائِلَ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) إِتَّقُوا اللهَ فِي أَنْفُسِكُمْ ، إِيَّاكُمْ وَالمَعَاصِي أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : فَإِنَّهَا تُفْسِدُ الدِّيَارَ العَامِرَةَ ، وَتَسْلِبُ النِّعَمَ البَاطِنَةَ وَالظَّاهِرَةَ ، إِنَّ هَذَا الزَّمَانَ ، لَهُوَ زَمَانُ الهَرْجِ وَالفِتَنِ ، كَثُرَتْ فِيهِ المَصَائِبُ فِي الشُّعُوبِ وَالبُلْدَانِ ، ذُنُوبٌ وَمَعَاصِي ، أَثْقَلَتِ الدَّانيَ وَالقَاصِي ، إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّ النَّاسِ ، كَمَا تَرَوْنَ وَتَسْمَعُونَ ، قَنَوَاتٌ فَضَائِيَّةٌ ، وَوَسَائِلُ إِعْلَامِيَّةٌ ، وَشَبَكَاتٌ مَعْلُومَاتِيَّةٌ ، جَلَبَتْ الغَرَائِبَ ، وَمِنْهَا مَا خَلْخَلَ العِفَّةَ وَالحِشْمَةَ ، وَعَصَفَ بِالخُلقِ وَالحَيَاءِ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : تَرْتَفِعُ اْسْتِغَاثَاتُ النَّاسِ إِلَى غَيْثِ المُغِيثِ ، وَفِيهِمْ أُنَاسٌ عَلَى الغِشِّ مُقِيمُونَ ، وَعَلَى الكَذِبِ مُصِرُّونَ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَرِئَ مِنْ الغِشِّ وَالكَذِبِ ، فِي صَحِيحِ مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِّيَ بِالَحَرَامِ ، فَأنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ ) فَالمَكَاسِبُ الخَبِيثَةُ تَسْتَدْرِجُ صَاحِبَهَا حَتَّى تَمْحَقَهُ مَحْقًا، وَتَنْزِعُ البَرَكَةَ مِنْهُ نَزْعًا ، فَالذُّنُوبُ وَآثَارُهَا ، وَالمَظَالِمُ وَأَوْضَارُهَا ، شَرٌّ وَبَلَاءٌ
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ المُسْلِمُونَ : فِي سَالِفِ الأَيَّامِ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ ، وَأَبْذَرَتْ الأَرْضُ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، نَسْأَلَ اللهُ أَنْ يُتْبِعَ لَهَا السُّقْيَا وَالغَيْثَ ، فَاشْكُرُوا اللهَ القَائِلَ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (7) إبراهيم
وَاحْمَدُوا اللهَ ، الذِي سَاقَ لَكُم ثِقَالَ السَّحَابِ ، وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ زُلاَلَ الشَّرَابِ ، وَأَرْوَى لَكُمُ السُّهُولَ وَالهِضَابَ ، وَأَسَالَ لَكُمْ الأَوْدِيَةَ وَالشِّعَابَ ، فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ، وَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً ، فَاجْعَلُوا ما رزقَكُمُ اللهُ عَوْناً لَكُمْ عَلَى طَاعَتِهِ ، وَاشْكُرُوا فَضْلَ اللهِ عَلَيْكُمْ ، إِذْ تَدَارَكَكُمْ بِرَحْمَتِهِ ، وَأَشْفَقَ عَلَيْكُمْ بِمِنَّتِهِ ، فَلِلَّهِ الحَمْدُ وَالثَّنَاءُ ، وَعَلَيْهِ التُّكْلاَنُ وَالرَّجَاءُ ، وَمِنْهُ الَفَضْلُ وَالعَطَاءُ ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الثانية
الحَمْدُ للهِ الذِي سَمَكَ السَّمَاءَ ، وَأَنْزَلَ مِنْهَا المَاءَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَيْرُ الرُّسُلِ وَأَفْضَلُ الأَنْبِيَاءِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِتَّقُوا اللهَ القَائِلَ ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) هَذِهِ الأَمْطَارُ وَالسُّيُولُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ ، فَلَا تَجْعَلُوا مَوَاسِمَ الخَيْرِ عَلَيْكُمْ مَصَائِباَ ، بَعْضٌ مِنَ النَّاسِ هَدَاهُمُ اللهُ ، إِذَا نَزَلَ الغَيْثُ ، وَسَالَتْ الأوْدِيَةُ تَجَشَّمَ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ بُطُونَ الأَوْدِيَةِ ، وَمَسَالِكَ الشِّعَابِ ، فَعَرَّضَ نَفْسَهُ وَأُسْرَتَهُ لِلْخَطَرِ ، قَالَ تَعَالَى ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُم إِلَى التَّهْلُكَةِ ) وَقَالَ سُبْحَانَهُ ( وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) أُسْرَتُكُمْ : النِّسَاءُ وَالأَبْنَاءُ ، أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِكُمْ ، فَلَا تَجْعَلُوهُمْ عُرْضَةً للِمَهَالِكِ ، وَلَا تَتَهَوَّرُوا بِهِمْ فِي الأَوْدِيَةِ وَالَمَسَالِكِ ،
أَيُّهاَ الأَحِبَّةُ المُسْلِمُونَ : وَيَا أَيُّهَا الشَّبَابُ خَاصَّةً : إِذَا تَلَبَّدَتِ السَّمَاءُ ، وَهَطَلَ الوَدْقُ وَالمَاءُ ، فَلاَ تَدْخُلوُا بِسَيَّارَاتِكُمْ الأَوْدِيَةَ ، وَلاَ تَغُرَّنَّكُمْ سَيَّارَاتُكْم ذَوَاتُ القُوَّةِ ، فَإِنَّ القُوَّةَ للهِ جَمِيعاً ، قَدْ رَأَيْتُمْ شَاحِنَاتٍ يَلْعَبُ بِهَا السَّيْلُ كَالدُّمَى ،
وَإِذَا خَيَّمْتُمْ فِي الخَلاَءِ ، فَاحْذَرُوا أَسْبَابَ المَخَاطِرِ وَالهَلَاكِ كَالتَّعَرُّضِ لِسَيْلِ الوِدْيَانِ وَمَجَارِى الشِّعَابِ أَوْ النَّوْمِ فِيهَا أَوْ بِجِوَارِ النَّارِ بَأَمَاكِنَ مُغْلَقَةٍ كَالخِيَامِ أَوْ الدَّفَّايَاتِ أَوْ تَرْكِ الشَّوَاحِنِ وَالتَّوْصِيلَاتِ الرَّدِيئَةِ أَوْ تَرْكِ الغَازِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الأَسْبَابِ التِي تُلْحِقُ الأَذَى أَوْ الخَطَرَ بِمُسْتَخْدِمِيهَا ، مِمَّا َيَنْتُجُ عَنْهُ الاِخْتِنَاقَاتُ أَوْ الحَرِائِقُ أَوْ الإِصَابَاتُ
أَيُّهَا النَّاسُ : كُونُوا عَوْنًا لِلْجِهَاتِ الأَمْنِيَّةِ ، وَالدِّفَاعِ المَدَنِيِ ، بِاتِّقَائِكُمْ مَصَادِرِ الخَطَرِ ، فَإِنَّ الجِهَاتِ الأَمْنِيةَ بَشَرٌ لَهُمْ طَاقَاتٌ وَ إِمْكَانَاتٌ ، وَالوِقَايَةُ خَيْرٌ مِنْ العَلِاجِ ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَفِي أُسَرِكُمْ وَذَرَارِيكُمْ ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ الجَمِيعَ وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ بِالأَمْنِ وَالسَّلَامَةِ وَالعَاِفيَةِ
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين
https://sites.google.com/view/www-al...%84?authuser=0
المفضلات