خطبة جمعة
بِعِنْوَان
( عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ 41 )
كَتَبَهَا / عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخُطْبَةُ الأُولَى
الحمدُ للهِ الذي عَمَّتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ وَوَسِعَتْ ، وَتَمَّتْ نِعْمَتُهُ عَلَى العِبَادِ وَعَظُمَتْ ، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلّى اللهُ وَسَلّمَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِين
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
أَيُّهَا النَّاسُ : شَاءَ اللهُ بِحِكْمَتِهِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خلفةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ، وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ أَفْضَلَ أَيَّامِ العُمُرِ ، هِيَ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ ، الَّتِي سَيَدْخُلُ شَهْرُهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ ، وَجَعَلَ أَفْضَلَ يَوْمٍ فِيهَا هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَقِيلَ يَوْمُ النَّحْرِ ، هَذِهِ الأَيَّامُ العَشْرُ، عَظّمَ اللهُ شَأْنَهاَ ، وَرَفَعَ مَكَانَتَهَا ، وَأَقْسَمَ بِهَا فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ جَلَّ وَعَلاَ: ((وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ )) وَعَنْ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْهُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ))، قَالُوا: يَارَسُولَ اللهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: ((وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ
فَفِي هَذِهِ الأَيَّامِ تَجْتَمِعُ أُمَّهَاتُ العِبَادَاتِ، فَيَجْتَمِعُ فِيهاَ الصَّلاةُ وَالصِّيَامُ وَالحَجُّ وَالصَّدَقَةُ وَالأَضَاحِي وَالهَدْيُ وَغَيْرُهاَ ،
فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ مَوَاسِمَ الخَيْرَاتِ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ ، وَالعَمَلِ الصَّالِحِ ، قَالَ تَعَالَى: ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ))
فَاحْرِصُوا أَيُّهَا المُسْلِمُونَ عَلَى الوَاجِبَاتِ وَأَ كْثِرُوا مِنَ النَّوَافِلِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ ، فَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ : ((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ )) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ، وَيُشْرَعُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ الصِّيَامُ ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الحِجَّةِ ، فَقَدْ وَرَدَ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ ، وَوَرَدَ عِنْدَ أَبِي دَاوُودَ وَالنَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِي ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَصُومُ تِسْعَ ذِي الحِجَّةِ ، وَيَوْمَ عَاشُورَاء ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَأَوَّلَ إِثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ ، وَخَمِيسَيْنِ ) حَتَّى مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ ، يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي العَشْرِ ، لِمَا وَرَدَ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِالرَّزَّاقِ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ ، ( أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُقْضَى رَمَضَانُ فِي العَشْرِ ) ، وَعَنِ بْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : عَنْ عَطَاء ، كَرِهَ أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّجُلُ بِصِيَامٍ فِي العَشْرِ ، وَعَلَيْهِ صِيَامٌ وَاجِبٌ ، قَالَ ( لاَ ، وَلَكِنْ صُمْ العَشْرَ ، وَاجْعَلْهَا قَضَاءً ) وَذَلِكَ لِمَا لِلصِّيَامِ مِنْ أَجْرٍ عَظِيمٍ عِنْدَ اللهِ ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ قَضَاءً وَاجِباً ، وَكَانَ فِي أَيَّامِ العَشْرِ ،
وَأَماَّ صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ فَهُوَ مُتَأَكِّدٌ لِغَيْرِ الحَاجِ ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: ((يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ)) ، وَمِنَ الأَعْمَالِ المَشْرُوعَةِ ذِكْرُ اللهِ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ العَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ)) رَوَاهُ الأِمَامُ أَحْمَدُ
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَمِنَ الأَعْمَالِ المَشْرُوعَةِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ ، التَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ بِذَبْحِ الأَضَاحِي ، وَقَدْ حَذَّرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَرْكِ الأَضْحِيَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا)) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةَ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ ،
وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَضْحِيَةَ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِلْحَيِّ وَلَيْسَتْ لِلْمَيِّتِ ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ وَصَاياَ لِأَمْوَاتٍ ، فَهِيَ مِنْ السُّنَنِ المُخْتَصَّةِ بِالأَحْيَاءِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أَنَّهُ ضَحَّى عَنْ أَحَدٍ مِنَ الذِينَ مَاتُوا مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ خَصَّهُمْ بِأَضَاحِي كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلَمْ يُضَحِّ عَنْ زَوْجَتِهِ خَدِيجَةَ وَلاَ عَنْ زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ وَلَمْ يُضَحِّ عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الذِي اْسْتُشْهِدَ فِي أُحُدٍ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، إِنَّمَا كَانَ يُضَحِّي عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ ،
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ نبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَيَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ أُضْحِيَةٌ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظَفَارِهِ ، مِنْ مَغْرِبِ أَوَّلِ ذِي الحِجَّةِ حَتَّى يَذْبَحَ إِضْحِيَتَهُ ، فَلاَ يَقُصُّ مِنْهَا شَيْئًا ، أَماَّ أَهْلُهُ وَأَوْلاَدُهُ فَلاَ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّي )) أَخْرَجَهُ مَسْلِمُ
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَمْتَثِلُونَ أَمْرَكَ وَيَسْلُكُونَ دَرْبَ هِدَايَتِكَ وَشَرْعِكَ ، وَيَتَّبِعُونَ سُنَّةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى أَفْضَلِ الخَلْقِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الخطبة ملف الوورد على الرابط
https://drive.google.com/drive/folders/19K1LcjrC1OJs4HsCJtfQSf9EMpKYynPJ
المفضلات