خطبة جمعة
بعنوان
( الأذان في رمضان )
كتبها
عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ القائلُ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، عدد ما كَانَ وَمَا يَكُونُ ، وَمَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا محُمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا محُمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ ، قَالَ تَعَالَى) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أَيُّهاَ المُسْلِمُونَ : هُنَاكَ مَسْأَلَةٌ رُبَّماَ تَسَاهَلَ النَّاسُ بِهاَ ، وَهِيَ الأَكْلُ وَالشِّرْبُ بَعْدَ سَمَاعِ المُؤَذِّنِ ، فَيَحْرُمُ عَلَى المُسْلِمِ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَأْتِيَ شَيْئاً مِنَ المُفَطِّرَاتِ ، وَهُوَ يُرِيدُ الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) فَإِذَا طَلَعَ الفَجْرُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ الإِمْسَاكُ ، سَوَاءً أَذَّنَ المُؤَذِّنُ أَمْ لَمْ يُؤَذِّنْ فَالعِبْرَةُ بِطُلُوعِ الفَجْرِ فِي الإِمْسَاكِ ، كَمَا أَنَّ العِبْرَةَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الإِفْطَارِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كَماَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ( إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُناَ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُناَ وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ) وَحَيْثُ أَنَّنَا فِي هَذِهِ المُدُنِ لاَ نَرَى طُلُوعَ فجَرْ وَلَا غُرُوبَ شَمْسٍ وَطَالمَاَ أَنَّ المُؤَذِّنِينَ يُؤَذِّنُونَ عَلَى مَوَاقِيتَ مَضْبُوطَةٍ أَجَازَ الإِعْتِمَادُ عَلَيْهَا العُلَمَاءُ وَأَمَرَ بِالعَمَلِ بِهَا وُلَاةُ الأَمْرِ وَهِيَ تَقْوِيمُ أُمِّ القُرَى فَعَلَى المُؤَذِّنِ أَنْ لاَ يُؤَذِّنَ إِلاَّ عِنْدَ دَخُولِ الوَقْتِ مُبَاشَرَةً لِيَعْلَمَ النَّاسُ فَيُمْسِكُونَ وَيُفْطِرُونَ وَيَسْعَوْنَ لِلْمَسَاجِدِ وَتُصَلِّي النِّسَاءُ فِي البُيُوتِ ، فَالمُؤَذِّنُ فِي عُنُقِهِ أَمَانَةٌ عَظِيمَةٌ ، فَهُوَ عُمْدَةُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ ، وَلَيْسَ الأَذَانُ هُوَ الذِي يُدْخِلُ الوَقْتَ ، إِنَّماَ الأَذَانُ إِعْلاَمٌ لِلنَّاسِ بِدُخُولِ أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ ، فَعَلَى المُسْلِمِ الإِمْسَاكُ عَلَى الوَقْتِ وَعَلَى سَمَاعِ المُؤَذِّنِ الثِّقَةِ الأَمِينِ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَّ ( لاَيَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بلِاَلٍ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لِيُوقِظَ نَائِمَكُمْ وَيُرْجِعَ قَائِمَكُمْ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ ) وَلِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ )
لِأَنَّهُ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْهَلُ هَذِهِ المَسْأَلَةَ وَيَسْتَدِلُّ بِأَذَانِ بِلاَلٍ وَهَذَا الحَدِيثُ يَحْتَاجُ لِبَيَانٍ وَتَفْصِيلٍ .
أَوَّلاً : أَنَّ بِلاَلَ بْنَ رَبَاحٍ وَابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ رَضِي اللهُ عَنْهُماَ لَيْساَ فِي مَسْجِدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إِنَّمَا كِلَاهُمَا يُؤَذِّنِانِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِلاَلٌ يُؤَذِّنُ فِي رَمَضَانَ الأَذَانَ الأَوَّلَ لِيُوقِظَ النَّائِمَ وَيُرْجِعَ القَائِمَ وَأَذَانُهُ الأَوَّلُ لَيْسَ فِيهِ جُمْلَةُ ( الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي زَمَنِ النَبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَبِّهَاتٌ وَلاَ سَاعَاتٌ وَلاَ كَهْرُبَاءُ وَالنَّاسُ فِي المَدِينَةِ آنَذَاكَ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ صَوْتِ بِلَالٍ وَصَوْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَأَذِنَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَسَحَّرُوا وَيَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ لِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِطُلُوعِ الفَجْرِ وَدُخُولِ الوَقْتِ ، وَأَمَّا الآنَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ فَإِنَّ الأَذَانَ الأَوَّلَ قَدْ تَلَاشَى إِلاَّ فِي قِلَّةٍ مِنَ المَسَاجِدِ وَالذِي يُؤَذَّنُ الآنَ هُوَ الأَذَانُ الثَّانِي المُؤْذِنُ بِطُلُوعِ الفَجْرِ وَدُخُولِ الوَقْتِ ، فَإِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ وَجَبَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُمْسِكُوا عِنْدَ سَمَاعِ الأَذَانِ وَمَنْ شَرَعَ فِي الشُّرْبِ مِنْ إِنَاءٍ وَأَذَّنَ المُؤَذِّنُ فَلاَ يَقْطَعْ شُرْبَهُ وَنِهْمَتَهُ إِنَّمَا يُتِمُّ شُرْبَهُ وَيَقْضِي حَاجَتَهُ مِنْهُ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ ) ، لِأَنَّ بَعْضَ المُسْلِمِينَ هَدَاهُمْ اللهُ إِذَا سَمِعَ المُؤَذِّنَ بَدَأَ يُؤَذِّنُ ذَهَبَ يَبْحَثُ عَنِ المَاءِ وَبَدَأَ يَشْرَبُ وَبَعْضُهُمْ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى بَعْدَ فَرَاغِ المُؤَذِّنِ فَهَذَا العَمَلُ لاَ يَجُوزُ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَفِي صِحَّةِ صِيَامِهِ نَظَرٌ وَيَأْثَمُ عَلَى فِعْلِهِ ، فَاتَّقُوا اللهَ يَاعِبَادَ اللهِ ، وَتَنَبَّهُوا لِدِينِكُمْ ، وَتَحَرَّزُوا لِصِيَامِكُمْ ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُؤْمِنِينَ
الثانية
أما بعدُ أيُّها المسلمونَ :
نريدُ أنْ نُنَبِّهَ المؤذنينَ إِلَى عِظَمِ الأمانةِ التي أُنيطتْ بهم قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ( الإمامُ ضامنٌ والمؤذنُ مؤتمنٌ ) نَعَمْ أَيُّهاَ الناسُ ، المؤذنُ مؤتمنٌ على هذهِ المواقيتِ فيجبُ عليهِ أنْ لاَ يتقدَّمَ وَلاَ يَتَأَخَّرَ وَتَعْظُمُ الأَمَانَةُ وَتَجْسُمُ المَسْؤُولِيَّةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِذْ النَّاسُ كُلُّهُمْ آذَانٌ صَاغِيَةٌ لِهَذَا المُؤَذِّنِ فَإِذَا أَذَّنَ أَمْسَكُوا وَإِذَا أَذَّنَ أَفْطَرُوا وَمِنَ المُؤَذِّنِينَ هَدَاهُمُ اللهُ مَنْ لاَ يَهْتَمُّ بِهَذَا الأَمْرِ العَظَيمِ فَيُؤَذِّنُ لِلْفَجْرِ بَعْدَ بِضْعِ دَقَائِقَ مِنْ فَرَاغِ المُؤَذِّنِينَ ، أَوْ يُؤَذِّنُ لِلْمَغْرِبِ قَبْلَ دُخُولِ الوَقْتِ ، فَهَؤُلاَءِ الذِينَ قَدْ أَكَلُوا وَشَرِبُوا بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ أَوْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى أَذَانِكَ أَيُّهَا المُؤَذِّنُ هَلْ تَتَحَمَّلُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَأْخِيرِكَ مِنْ فَسَادِ صِيَامِهِمْ أَوْ التَّغْرِيرِ بِهِمْ فَاتَّقِ اللهَ يَامَنْ تَتَأَخَّرُ وَتَتَسَاهَلُ فِي هَذَا الأَمْرِ العَظِيمِ وَيَجِبُ عَلَى المُؤَذِّنِ الأَمِينِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْقِعِ الأَذَانِ قَبْلَ الوَقْتِ وَيَنْظُرَ لِسَاعَتِهِ وَيَهْتَمَّ بِمُتَابَعَتِهَا وَيَعْتَمِدَ فِي الأَذَانِ عَلَى تَقْوِيمِ أُمِّ القُرَى وَلَيْسَ عَلَى سَاعَاتِ المَوَاقِيتِ الإِلِكِتْرُونِيَّةِ لِأَنَّ النَّاسَ مِنْ حَوْلِهِ كُلُّهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ فَإِذَا تَأَخَّرْتَ أَيُّهَا المُؤَذِّنُ عَنِ الأَذَانِ خُصُوصاً الفَجْرَ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِ رَمَضَانَ فَلاَ تُؤَذِّنْ بِمُكَبِّرِ الصَّوْتِ ، أَذِّنْ دَاخِلَ المَسْجِدِ بِدُونِ مُكَبِّرٍ وَلاَ تُغَرِّرْ بِالنَّاسِ حَتَّى فِي غَيْرِ رَمَضَانَ كَمَا أَنَّ مَنْ لَدَيْهِ عِلْمٌ بِالوَقْتِ أَنْ يُنَبِّهَ المُؤَذِّنَ إِنْ أَخَلَّ بِالوَقْتِ وَلَكِنْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ لَناَ دِينَناَ الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا وَأَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ وَالقِيَامَ
عِبَادَ اللهِ: قَالَ تَعَالَى) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) وقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» فَصَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
المفضلات