النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: حقيقــــة الإفلاس

  1. #1

    حقيقــــة الإفلاس



    الخُطْبَةُ الأُولَى
    إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
    أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
    أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ؛ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ».
    فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ يُبَيِّنُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَةَ الإِفْلاَسِ، وَأَنَّ الْمُفْلِسَ الْحَقَّ مِنْ أُمَّتِهِ -وَإِنْ كَانَ ثَرِيًّا- مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا؛ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ؛ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.
    نَعَمْ -عِبَادَ اللهِ- يَأْتِي بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَأَعْمَالِ بِرٍّ وَصِلَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ تَذْهَبُ لِغَيْرِهِ؛ مِمَّنْ شَتَمَهُمْ وَقَذَفَهُمْ وَأَكَلَ مَالَهُمْ وَسَفَكَ دِمَائَهُمْ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} بَلْ رُبَّمَا وَجَدَ فِي سِجِلِّ سَيِّئَاتِهِ أَنَّهُ سَرَقَ وَهُوَ لَمْ يَسْرِقْ، وَزَنَى وَهُوَ لَمْ يَزْنِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحَقِيقَةُ الأَمْرِ أَنَّهَا سَيِّئَاتُ مَنْ شَتَمَهُمْ وَقَذَفَهُمْ وَأَكَلَ مَالَهُمْ وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ.
    فَالْمُسْلِمُ الرَّابِحُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ مَنْ أَدَّى حَقَّ اللهِ تَعَالَى, وَحَقَّ خَلْقِهِ. وَالَّتِي مِنْهَا كَفُّ الأَذَى عَنْهُمْ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ...» الحَدِيثُ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
    وَكَفُّ اللِّسَانِ يَكُونُ بِتَرْكِ الْغِيبَةِ, وَهِيَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، وَكَذَلِكَ بِتَرْكِ النَّمِيمَةِ, وَهِيَ نَقْلُ الْكَلاَمِ الَّذِي يُثِيرُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ بِتَرْكِ السَّبِّ وَالشَّتْمِ وَاللَّعْنِ وَالسُّخْرِيَةِ وَالْعِبَارَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى احْتِقَارِ الْمُسْلِمِ وَالتَّعَالِي عَلَيْهِ, أَوْ إِهَانَتِهِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ التُّهَمُ الَّتِي تُلْقَى جُزَافًا بِلاَ بَيِّنَةٍ, وَاللهُ يَقُولُ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، زَادَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: وَمَا رَدْغَةُ الْخَبَالِ؟ فَقَالَ: «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ.
    وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ شَرِّ يَدِهِ, فَلاَ يُؤْذِ أَحَدًا بِضَرْبٍ أَوْ قَتْلٍ, أَوْ سَرِقَةٍ, أَوْ كِتَابَةِ مَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ فِي عَقِيدَتِهِمْ وَأَخْلاَقِهِمْ, أَوْ يَخْدِشُ فِي أَعْرَاضِهِمْ. وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الاِسْتِيلاَءُ عَلَى حُقُوقِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الظُّلْمِ وَالْمُعَامَلاَتِ الْمُحَرَّمَةِ. وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ أَذِيَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَقْضِي عَلَى حَسَنَاتِ الْمَرْءِ فِي الآخِرَةِ.
    بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
    الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
    الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .. أَمَّا بَعْدُ:
    عِبَادَ اللهِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
    أَيْ: مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ حَقًّا وَكَمَالاً فَلْيَمْتَثِلْ هَذَا الْعَمَلَ الْجَلِيلَ وَالْخَصْلَةَ الْحَسَنَةَ، وَالَّتِي هِيَ مِنْ خِصَالِ الإِيمَانِ الْجَامِعَةِ لِحَقِّ اللهِ وَحَقِّ الْعِبَادِ، فَحِفْظُ اللِّسَانِ مِنَ السَّيِّئَاتِ وَاسْتِقَامَتُهُ عَلَى الْخَيْرِ عَلاَمَةٌ عَلَى اسْتِقَامَةِ إِيمَانِ الْعَبْدِ، كَمَا رُويَ فِي الْمُسْنَدِ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ».
    فَلْنَتَّقِ اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَلْنَحْرِصْ عَلَى بَقَاءِ وَنَمَاءِ حَسَنَاتِنَا لِتَكُونَ ذُخْرًا لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِنَا.
    هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ مُسْلِمُ.



    الملفات المرفقة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته