الخطبة الثانية : (كلاّ لا تطعه واسجد واقترب)

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أما بعد عباد الله،فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله، قال المولى في محكم التنزيل :
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19).
كثير منّا عباد الله يتلو هذه الآيات البينات ولا ينتبه لمعانيها ولا لأسباب نزولها، فنقول والله المستعان :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الصلاة عند الكعبة
فقال له ابو جهل : يا محمد اذا سجدت عند الكعبة فسوف
ادوس على رأسك
فلم يطعه رسول الله عليه الصلاة والسلام
فتوجه الرسول الى الكعبة ليصلّي
فقال ابا جهل مرّة اخرى: يا محمد اذا سجدت عند الكعبة
فسوف ادعوا جميع اهل قريش ليروا كيف سأدوس على راسك
ولم يطعه الرسول وبدء بالصلاة
فدعا ابا جهل اهل قريش فعندما سجد رسول الله ذهب اليه ابا جهل
فعندما اقترب ابا جهل من الرسول وقف صامتا ساكنا لا يتحرك
ثم بدأ بالرجوع فقالوا اهل قريش يا ابا جهل ها هو الرسول لم
لم تدس على راسه وتراجعت؟؟
قال ابا جهل: لو رأيتم ما رأيته انا لبكيتم دماً
قالوا: وما رأيت يا ابا جهل؟؟
قال:
إن بيني وبينه خندقاً من نار وهولاً وأجنحة،
قال رسول الله صلى عليه وسلم : " لو فعل لأخذته الملائكة عياناً "
تفسير الايات :
امر ابا جهل بدعوة قريش بقوله تعالى" فليدع ناديه"
فرد عليه رب العالمين اذا جمعت أهل قريش فسوف أجمع ملائكة العذاب ليمنعوك
بقوله تعالى "سندع الزبانيه"
فقال الله لرسوله صلى الله عليه وسلّم: اسجد ولا تطعه وسوف احميك بقوله تعالى "كلا لا تطعه واسجد واقترب".
قوله تعالى : كلا لا تطعه واسجد واقترب كلا أي ليس الأمر على ما يظنه أبو جهل .
لا تطعه أي فيما دعاك إليه من ترك الصلاة .
واسجد أي صل لله واقترب أي تقرب إلى الله - جل ثناؤه - بالطاعة والعبادة . وقيل : المعنى : إذا سجدت فاقترب من الله بالدعاء . روى عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أقرب ما يكون العبد من ربه ، وأحبه إليه ، جبهته في الأرض ساجدا لله .
قال علماؤنا : وإنما [ كان ] ذلك لأنها نهاية العبودية والذلة ; ولله غاية العزة ، وله العزة التي لا مقدار لها ; فكلما بعدت من صفته ، قربت من جنته ، ودنوت من جواره في داره . وفي الحديث الصحيح : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أما الركوع فعظموا فيه الرب . وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء ، فإنه قمن أن يستجاب لكم . ولقد أحسن من قال :
وإذا تذللت الرقاب تواضعا منا إليك فعزها في ذلها
وقال زيد بن أسلم : اسجد أنت يا محمد مصليا ، واقترب أنت يا أبا جهل من النار .

نسأل الله العليم الرحيم أن ينفعنا بما علّمنا ويزيدنا من علمه إنّه وليّ التوفيق.