الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً
أمّا بعدُ : أيّهَا النّاس / أُوصِيكُم ونَفْسِي بِتقْوى اللهِ عزَّ وجَلَّ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / اشْكُرُوا اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَنَّ بَلَّغَكُمْ هَذَا الْيَوْمَ الْعَظِيمَ ، الَّذِي رَفَعَ اللَّهُ قَدْرَهُ ، وَأَعْلَى ذِكْرَهَ ، وَسَمَّاهُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ، وَجَعَلَهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ حُجَّاجًا وَمُقِيمِينَ ، فِيهِ يَنْتَظِمُ عِقْدُ الْحَجِيجِ عَلَى صَعِيدِ مِنَى بَعْدَ أَنْ وَقَفُوا بِعَرَفَةَ وَبَاتُوا بِـمُزْدَلِفَةَ.
هَذَا الْيَوْمُ هُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الَّذِي هُوَ خَيْرُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ ، فَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا ، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ )) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَفِي هَذا الْيَوْمِ أَيْ يَوْمُ النَّحْرِ وَقَفَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِنًى خَطِيبًا فِي الْحُجَّاجِ ، فَذَكَرَ تَعْظِيمَ مَكَانِ الْحَجِّ ، وَتَعْظِيمَ زَمَانِهِ ، وَتَعْظِيمَ يَوْمِهِ الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ ، وَتَعْظِيمَ أَمْرِ الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ؛ كَمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ )) قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ قَالَ
(فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ )) قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ
(فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ )) قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ
( فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا )) فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ
(اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ))مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَهَذا اليَوْمُ عِبَادَ اللهِ مِنْ أَفْضَلِ الأَيَّامِ كَمَا قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((أَفْضَلُ الأيَّامِ عِنْدَ اللَهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ)) رواهُ أبُودَاوُدَ ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
وَيَوْمُ الْقَرِّ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ الْاِسْتِقْرَارُ بِمِنًى
وَهُوَ أَوَّلُ أيَّامِ التَّشْرِيقِ, وَهِيَ الْحَادِيِ عَشَرَ وَالثَّانِي عَشَرَ وَالثَّالِثُ عَشَرَ, وَهِيَ الْأيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِذَكَرِهِ فِيهَا بِقَوْلِهِ : ((وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ )) وَسُمِّيَتْ بِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ: لِأَنَّ الحُجَّاجَ وَغَيْرَهُمْ كَانُوا يَنْشُرُونَ لُحُومَ هَدْيِهِمْ وَضَحَاياهُم تَحْتَ الْشَمْس، كَيْ تَجِفَّ.
وَفِي هَذِهِ الأَيَّامِ يَبِيتُ الحُجَّاجُ فِي مِنَى، وَيَرْمُونَ الْجِمارَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ )) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ ، وهذا يدل على تحريم صيامها, إلا لمن لم يجد الهدي من الحجاج, وهي أيام ذكر لله عزَّ وجل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها ، وَذِكْرٌ لِلّهِ بِالتَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ عِنْدَ ذَبْحِ النُسُكِ، وَذِكْرٌ لِلّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الأَكْلِ وَالشُّرْبُ، وَذِكْرٌ لِلّهِ بِالتَّكْبِيرِ عِنْدَ رَمْيِ الْـجِمَارِ ، وَهَذَا يَخْتَصُّ بِهِ الـْحـُجَّاجُ.
وَفِي هَذِهِ الأَيَّامِ يَسْتَمِرُّ الذَّبْحُ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِ الحَاجِّ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ اليَوْمِ الثَّالِثِ عَشْرَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيِقِ ، وَمِنْ نَوَى الأُضْحِيَةِ فِي أَيَّامِهَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ.
فَاتَّقُوْا اللّه تَعَالَى وَعَظِّمُوا شَعَائِرَهُ، وَقِفُوا عِنْدَ حُدُودِهُ، وَاِجْتَنِبُوا حُرْمَاتِهُ (( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ ))
باركَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الكتابِ والسُّنة، وَنَفَعنا بِما فِيهِما مِنَ الآياتِ وَالْحِكْمَةِ ،أقولُ قَوْلِي هَذا، واسْتغفرِ اللهُ لِي وَلَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيم
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ، أمّا بَعْدُ : انْظروا في حالِكُم عِبادَ اللهِ ، وحاسِبُوا أنفُسَكُم , واتّقُوا اللهَ ربَّكُم ، واهْنَئُوا بِعيدِكُم، والْزَمُوا الصّلاحَ وأصْلِحُوا ، فالْعيدُ يومُ فرَحٍ وسرورٍ ، ويومُ ابتهاجٍ وعفوٍ وإحْسان ، تقبَّل الله طَاعاتِكم ، وصَالِحَ أعْمالِكُم ، وَضَاعَفَ لكُمُ الأجْرَ والثَّوابَ ، وجعلَ عِيدَكُمْ مُباركًا ،وأيّامَكُم أيامَ سَعادةٍ وَهَناءٍ وفضْلٍ وإحْسَانٍ ، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رَوَاهُ مُسْلِم .
المفضلات