الدُّعـَــــــــاءُ
الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، والصَّلاةُ والسّلامُ عَلَى أشْرَفِ الْأَنْبِياءِ والْمُرْسَلِينَ ، وَبَعْدُ :
قالَ تَعَالَى(( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )) [ سورة البقرة : 186 ]
قال البغوي أن سبب نزول هذه الآية ماذكره ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ يَهُودُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَسْمَعُ رَبُّنَا دُعَاءَنَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ السَّمَاءِ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَإِنَّ غِلَظَ كُلِّ سَمَاءٍ مِثْلُ ذَلِكَ؟ فَنَزَلَتْ هذه الآية، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: سَأَلَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ أَمْ بِعِيدٌ فَنُنَادِيهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَعَالَى ((وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ))
فِي هذهِ الآيةِ مِنَ الدُّرُوسِ : أنَّ منْ أسبابِ إجابةِ الدعاء تحقيقُ الإيمان بالله تعالى وتوحيدِه واتباعِ أمره واجتنابِ نهيه .
وَفِي هذهِ الآيةِ مِنَ الدُّرُوسِ : إثباتُ قُرْبِ اللهِ منْ عباده وهو قربٌ خاصٌ لِمنْ يعبدُهُ ويدعوهُ ويُـخْلِصُ لهُ .
وَفِي هذهِ الآيةِ مِنَ الدُّرُوسِ : اسْتِحْبابُ الدُّعاءِ عنْد الفطر في رمضانَ وغيرِهِ، وهذا ما يدلُّ عليه ظاهرُ القرآن، وفعلُ السَّلف ، وأنَّ الله َذكرَ هذه الآيةَ ـ آيةَ الدُّعاء ـ بُعَيْدَ آياتِ الصِّيام وَقُبَيْلَ آيةِ إباحةِ الرَّفثِ في ليالِ الصِّيام .
قال ابنُ كثير رحمهُ اللهُ : " وَفِي ذِكْرِهِ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ الْبَاعِثَةَ عَلَى الدُّعَاءِ ، مُتَخَلِّلَةً بَيْنَ أَحْكَامِ الصِّيَامِ ، إِرْشَادٌ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ إِكْمَالِ الْعِدَّةِ ، بَلْ وَعِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ .... "
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( ثَلَاثَةٌ لَا تَرُدُّ دَعْوَتُهُمُ : الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ دُونَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَيَقُولُ : بِعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ )) والحديثُ صحّحهُ الْألبانيُّ .
قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد : وقد أجمع العارفون أن التوفيق أن لا يكلك الله إلى نفسك, وأن الخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك, فاذا كان كل خير فأصله التوفيق, وهو بيد الله لا بيد العبد, فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة اليه، فمتى أعطى العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له, ومتى أضلّه عن المفتاح بقي باب الخير مرتجا دونه، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني لا أحمل هم الإجابة, ولكني أحمل هم الدعاء, فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين 22/9/1438ه
المفضلات