جريمة الْحِيَل
الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، والصَّلاةُ والسّلامُ عَلَى أشْرَفِ الْأَنْبِياءِ والْمُرْسَلِينَ ، وَبَعْدُ :
قالَ تَعَالَى((وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ)) [البقرة : 65-66 ]
هذه الآية في قصة أصحاب السبت الذين أمرهم الله بتعظيم يوم الجمعة فاختلفوا على نبيهم موسى عليه السلام ولم يطيعوه فصرفهم الله عن يوم الجمعة إلى يوم السبت حرماناً لهم كما قال تعالى ((إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )) وحرمهم العمل يوم السبت وأمرهم بالتفرغ للعبادة تفرغاً تاماً , وكان عمل هذه القرية صيد السمك فأراد الله اختبارهم فكان البحر يمتلئ بالسمك ويظهر على الماء يوم السبت ويختفي بقية الأيام كما قال تعالى (( واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ))
فصنعوا الحيل بوضع شباكهم يوم الجمعة وأخذها يوم الأحد فمسخهم الله قردة بمعصيتهم هذه وكذلك يفعل بمن شاء، كما يشاء, ويحوله كما يشاء.
وَفِي هذهِ الآيةِ مِنَ الدُّرُوسِ : أنّ استحلالَ محارم الله بأدنى الحيل والتحايل على شرع الله سمةٌ يهوديةٌ والعياذ بالله، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((لا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ , فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ )) هذا الحديث قد حسن إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" ، وقال الحافظ ابن كثير: هذا إسناد جيد .
وَفِي هذهِ الآيةِ مِنَ الدُّرُوسِ : أنَّ الحيلةَ محادَّةٌ لأحكام الله تبعث على البغضاء والشحناء وتعبث بالحقوق والأعراض والدماء .
قال الشاطبي رحمه الله: حقيقتها المشهورة، تقديم عمل ظاهره الجواز لإبطال حكم شرعي، وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر.
وأمثلة الحيل كثيرة لا يسع المجال لذكرها
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
حرر في رمضان 1438 ه
المفضلات