الدرس الرابع
لـــــَــهُــمُ الأَمـــــــــــــــــــــــــــنُ
قال تعالى (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ))
هذه الآيةُ والتي قبلُها تتحدّثُ عنْ فريقينِ اثْنينِ، فريقٌ مشرك بالله تعالى كافرٌ بِوَعْدِ اللهِ ووعيدِهِ مُسْتَكْبِرٌ على أوامرِهِ ونهيهِ، وفريقٌ مُؤْمِنٌ بربه عز وجل موقنٌ بعبوديته لخالقهِ سبحانه وتعالى وخاضع لِسُلطانهِ ، قَالَ تَعَالَى :
((فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ))
قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ ، وَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ ؟ قَالَ : (( إِنَّهُ لَيْسَ الَّذِي تَعْنُونَ ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ : يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ )) مُتّفقٌ عَلَيْهِ
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَلَمَّا بَرَزْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ ، إِذَا رَاكِبٌ يُوضِعُ نَحْوَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (( كَأَنَّ هَذَا الرَّاكِبَ إِيَّاكُمْ يُرِيدُ )) فَانْتَهَى إِلَيْنَا الرَّجُلُ ، فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (( مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ )) قَالَ : مِنْ أَهْلِي وَوَلَدِي وَعَشِيرَتِي . قَالَ : (( فَأَيْنَ تُرِيدُ؟ )) ، قَالَ : أُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : (( فَقَدْ أَصَبْتَهُ )) قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عَلِّمْنِي مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ : (( تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ )) قَالَ : قَدْ أَقْرَرْتُ ( فحياتُهُ كُلُّها كُفْرٌ ولمْ يعْملُ صالحاً إلا إقرارُهُ بِعبُودِيّةِ رَبِّهِ ) قَالَ : ثُمَّ إِنَّ بَعِيرَهُ دَخَلَتْ يَدُهُ فِي شَبَكَةِ جُرْذَانٍ ، فَهَوَى بِعِيرُهُ وَهَوَى الرَّجُلُ ، فَوَقَعَ عَلَى هَامَتِهِ فَمَاتَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (( عَلَيَّ بِالرَّجُلِ )) فَوَثَبَ إِلَيْهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَأَقْعَدَاهُ ، فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قُبِضَ الرَّجُلُ! قَالَ : فَأَعْرَضَ عَنْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (( أَمَا رَأَيْتُمَا إِعْرَاضِي عَنِ الرَّجُلِ ، فَإِنِّي رَأَيْتُ مَلَكَيْنِ يَدُسَّانِ فِي فِيهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ مَاتَ جَائِعًا )) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (( هَذَا مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ )) ثُمَّ قَالَ : (( دُونَكُمْ أَخَاكُمْ )) قَالَ : فَاحْتَمَلْنَاهُ إِلَى الْمَاءِ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ ، وَفِيِ رِوايةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (( هَذَا مِمَّنْ عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا )) وهذهِ القِصَّةُ ذكرها ابنُ كثيرٍ في تفسيرِهِ وجوّدَ إِسْنادًها .
ومنْ أهمِّ الدُّروسِ فِي هذهِ الآيةِ : أنَّ كمالَ الْحُصولِ على الأمنِ التَّامِّ في الدُّنيا والآخرة بكمالِ تحقيقِ التوحيدِ الخالِص للهِ تعالى ،وبامتثالِ أوامرِ اللهِ واجْتنابِ نواهيهِ والتي منْ أعْظَمِ نواهيِهِ ظُلْمُ الإنسانِ لِرَبِّهِ بِعبادةِ غيرِهِ ، وظلْمُ الإنسانِ لِنَفْسِهِ بِاقْترافِ الشِّرْكِ.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
حرر في رمضان 1438 ه
المفضلات