الدرس الثاني
فَضْلُ الْمَشْيِ إِلى الْعِباداتِ
الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، والصَّلاةُ والسّلامُ عَلَى أشْرَفِ الْأَنْبِياءِ والْمُرْسَلِينَ ، وَبَعْدُ :
قَالَ تَعَالَى ((وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ )) [سورة الحج]
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ : أَيْ: أَعْلِمْهُمْ بِهِ، وَادْعُهُمْ إِلَيْهِ، وَبَلِّغْ دَانِيَهُمْ وَقَاصِيَهُمْ فَرْضَهُ وَفَضِيلَتَهُ، فَإِنَّكَ إِذَا دَعَوْتَهُمْ أَتَوْكَ حُجَّاجًا وَعُمَّارًا .
رِجَالاً أَيْ: مُشَاةً عَلَى أَرْجُلِهِمْ مِنَ الشَّوْقِ، وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ ؛ أَيْ: نَاقَةٍ ضَامِرٍ، تَقْطَعُ الْمَهَامِهَ وَالْمَفَاوِزَ، وَتُوَاصِلُ السَّيْرَ حَتَّى تَأْتِيَ إِلَى أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ .
وفي هذه الآية من الدروس :
فضل المشي إلى العبادة وقد وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ مَا آسَى أَنِّي لَمْ أَحُجَّ مَاشِيًا.
وقد ورد في أحاديثَ عِدّة فضلُ المشي إلى أماكن العبادة لما في ذلك من عظيم الأجر والثواب ،فَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشَى فَأَبْعَدُهُم ...الحديث )) رَواهُ مُسْلِمٌ
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ , وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ , وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ )) رواهُ مُسْلِمٌ
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً , وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً )) رواهُ مُسْلِمٌ
وعَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ - وَالظُّلَم : جَمْعُ ظُلْمَةٍ ، وَهِيَ تَعُمُّ ظُلْمَةَ العِشاءِ والْفَجْرِ- إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) رواهُ أبو دَاودَ ، وَصحّحه الألباني .
وهذا الفضل مُتُحَقِّقٌ وَلو كانت الطرقُ مضاءةً .
وَعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا )) صحّحه الألباني
ولقد كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على الْمَشْيِ إلى العبادة كصلاةِ العيد واتَّباعِ الجنازة والطواف والسعي وغيرِها من مواطن العبادات كما ثبت في السنة الصحيحة ولم يكنْ يركبُ إلا من حاجة أو مصلحة راجحة، وكذلك كانَ الصحابةُ حريصونَ على المشي ابتغاءً لِلْأَجْرِ كما دلّت الأدلةُ على هذا الأمرِ؛ ومنْ ذلكَ قِصَّةُ الرّجُلِ الأنْصاريِّ ،والذي يروي قصتَه الصَّحابيُّ الجليلُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ،قَالَ : كَانَ رَجُلٌ لا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ , فَقِيلَ لَهُ أَوْ قُلْتُ لَهُ : لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ ؟ قَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ , إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ , وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ ) رَواهُ مُسْلِمٌ
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
حرر في رمضان 1438 ه
المفضلات