فضل الاجتهاد في العبادة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرفِ الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
قال تعالى (( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ( 7 ) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ )) [سورة الشرح]
فيها من العلم : أنَّ المؤمنَ يحرصُ على أن يفرغَ نفسه ما استطاع للعبادة بأنواعها من صلاة وصيام وتلاوة القرآن والذكر وتعلم العلم وتعليمه وقد روى الترمذي وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ؛ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي امْلأْ صَدْرَكَ غِنَىً ، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلأْتُ صَدْرَكَ شُغْلاً ، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ » صححه الألباني
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ : كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا : لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ )) رواه ابن ماجه ، وحسَّنه الألباني.
• ما تقدم من كلام شيخنا الشيخ عبد الله العبيلان وبتصرف مني .
فالعبدُ إذا اجتهد بالتقرب إلى الله بأنواع العبادات من الفرائض والنوافل قرّبه ربه إليه ، ورقّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان ، فأصبح يعبد الله كأنه يراه ، فيمتلئ قلبُه بمعرفة ربه ،ومحبته ، وتعظيمه ، وخوفه ومهابته ، وإجلاله ، فإذا امتلأ القلبُ بذلك زال منه كلُّ تعلقٍ بكل ما سوى الله ، وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : (( قَالَ اللهُ تَعَالَى : وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ))
قال ابن القيم – رحمه الله – :إذا أصبح العبد وأمسى وليس همُّه إلا الله وحده : تحمَّل اللهُ سبحانه حوائجَهُ كُلَّها ، وحمَل عنه كلَّ ما أهمَّه ، وفرَّغ قلبه لمحبته ، ولسانَه لذكره ، وجوارحَه لطاعته ، وإن أصبح وأمسى والدنيا همُّه : حمَّله اللهُ هُمُومَها ، وغُمُومَها ، وأنكادَها ، ووكَّله إلى نفسه فَشغلَ قَلْبَه عن محبته بمحبة الخلق ، ولسانَه عن ذكره بذكرهم ، وجوارحَه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم ، فهو يكدحُ كَدْحَ الوحشِ في خدمة غيره ، كالكيرِ يَنْفُخُ بَطْنَه وَيَعْصُرَ أَضْلَاعَهُ في نفع غيره ، فكُلُّ من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلي بعبودية المخلوق ،ومحبته وخدمته قال تعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
حرر في رمضان 1438 ه
المفضلات