خطبة جمعة
بعنوان
وارتحل رمضان
3/10/1437
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبةُ الأولى
الحمدُ للهِ كثيراً وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلاً ، وأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهَدُ أنَّ نبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُه، صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وعلى آله وصحابته أجمعين
أيها المسلمون : إنَّ الأيامَ واللياليَ ، الشهورَ والأعوامَ ، مقاديرٌ للآجالِ ومواقيتٌ للأعمالِ ، تنقضي حثيثًا وتمضي جميعًا ، والموتُ يطوفُ بالليلِ والنهارِ، لا يؤخّرُ منْ وفَىَ عُمُرُه ودنى أمرُه ، والأيامُ خزائنُ الأعمالِ ، تُدعَون بها يومَ القيامةِ، ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا ) ينادي ربُّكم: ((يا عبادي، إنَّماَ هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثُمَّ أوفِّيكُم إياها، فمن وجدَ خيرًا فليحمدِ اللهَ، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه)) رواه مسلم.
أيُّها المسلمون ، لقد امتنَّ اللهُ سبحانَهُ عليكُم بإتمامِ الصيامِ والقيامِ ، فاسألوه أنْ يتقبلَ منكُم ، وأنْ يغفرَ لكم ما بدرَ من تقصيرٍ وآثامٍ ،
لقدْ رحلَ شهرُكم بأعمالِكم ، ورحلَ بنَزْرٍ مِنْ أعمارِكم ، وخُتم فيه على أفعالِكم وأقوالِكم ، فاحمَدُوا اللهَ أيها الصائمونَ القائمونَ الراكعونَ الساجدونَ ، فإنَّ فرحتَكُم تكتملُ حين يوفيَّكُم اللهُ أجورَكُم وهو القائلُ في الحديثِ القدسيِّ ( الصومُ لي وأنا أجزي به ) ولْيتداركْ بالتوبةِ من ساءَ عملُهُ وقلَّ حظُّهُ ، قبلَ أنْ تُغلقَ الأبوابُ ، ويُقفلُ المتابُ ، ويُطوى الكتابُ ، فيامَنْ أحسنتُم أتمُّوا غزلَكم ، وواصلوا زرعَكم ، ولا تكونوا كالتي نقضتْ غزلَها من بعدِ قوَّةٍ أنكاثًا
أيها المسلمون : لقدْ صمتُمْ النهارَ وقمتُم الليلَ واجتهدتُم في العشرِ الأواخرِ ، وتحريتُم ليلةَ القدرِ ، كلُّ ذلكَ طمعاً في رحمةِ ربِّكم وثوابِ خالقِكم ، فإن برَحتْكُم الغُرُّ الفاضلاتِ ، وتركتْكُم النواصي الشريفاتِ ، فما برحَتْ معها رحمةُ اللهِ وخيرُه وعطاؤُه ، فرَبُّ الشهورِ أيها المسلمون واحدٌ ، لقدْ رحلتْ تِلكُمُ الأيامُ ، وكأنَّها ضربُ خيالِ ، هذا هو شهرُكُم ، وهذهِ هي نهايتُهُ ، وهكذا أيامُ العُمُرِ مراحلُ نقطعُها يومًا بعدَ يومٍ في طريقِنا إلى الدارِ الآخرةِ.
أيها المسلمون : ليسَ للطاعةِ زمنٌ محدودٌ، ولا للعبادةِ أجلٌ معدودٌ ، بل هي حقّ للهِ على العبادِ ، في كلِّ زمانٍ ومكانٍ ، يعمرونَ بها الأكوانَ على مرّ الدُّهُورِ والأزمانِ ، فعبادةُ ربِّ العالمينَ ليست مقصورةً على رمضانَ ، وبئسَ القومُ لا يعرفونَ اللهَ إلا في رمضانَ ، فإنْ كان رمضانُ قد ودَّعَنا فإنَّ الأعمالَ الصالحةَ لم تودِّعْنا ، فلقد شرعَ اللهُ لكم صيامَ ستٍّ من شوال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((منْ صامَ رمضانَ ثُمّ أَتْـبَعَهُ سِتًا مِنْ شَوّال فَكأَنّما صَامَ الدّهْرَ كُلّهُ)) وسيَّانَ بينَ صيامِها متواليةً أومتفرقةً
ومن ذاقَ حلاوةَ الذكرِ والإيمانِ ، وتعطَّرَ فمَهُ بتلاوةِ القرآنِ ، فهذا كتابُ اللهِ تعالى في رمضانَ ، وفي كلِّ زمانٍ ، قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ( اقرؤوا القرآنَ فإنهُ يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه ).
ومَنْ تلذَّذَ بالقيامِ ، وتنَعَّمَ بمناجاةِ القدوسِ السلامِ ، فقيامُ الليلِ لم ينتَهِ بنهايةِ شهرِ الصيامِ ، فالقيامُ مشروعٌ في كلِّ ليلةٍ وقدْ كانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يُداومُ على إحدى عشرةَ ركعةً كما في حديثِ بنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُما ، فلقدْ صلى منَ الليلِ حتى تفطَّرَتْ قدمَاهُ عليه الصلاةُ والسلامُ ، مع أنَّهُ قَدْ غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ مِنْ ذنبِهِ وما تأَخَّرَ ،
ومَنْ كانَ منكم أيها المسلمونَ مِنْ أهلِ السخاءِ ، والبذلِ والعطاءِ ، فإنَّ المساكينَ والأيتامَ والفقراءَ ، تكْتَفُّ عنهُم الأيادي بعدَ رمضانَ ، فكُن ممن يطرُقُ أبوابَهُم ، وإنَّ للصدقةِ على المسكينِ والقريبِ ، شأنٌ عجيبٌ ، وأثرٌ غريبٌ ، ويكفيِ من تصدَّقَ فأخفَى ، أنهُ ممنْ يُظلهُم اللهُ بظلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ ، قال تعالى : ( وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا )
أقولُ ماسمعتُم واستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنْبٍ فاسْتغفِرُوه وتُوبُوا إليْهِ إنّهُ هو الْغَفُورُ الرّحِيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على نعمةِ الصيامِ، والحمدُ لله على نعمةِ القيامِ ، والحمدُ لله على نعمةِ القرآنِ وتلاوتهِ ، والتلذذِ بحلاوتهِ وطراوتهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه ، صلواتُ ربي وسلامُهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ أيها المسلمون: فأوصيكُم ونفسي بتقوى اللهِ ، فإنَّها عروةٌ ليسَ لها انفصامٌ ، معاشرَ المسلمينَ ، هذهِ أيامُ شهرِكُم رحَلَتْ ، ولياليه الشريفةُ انقضَتْ ، شاهدةٌ بما عملتم ، فاسألوا اللهَ القبولَ والتوفيقَ ، والثباتَ على سويِّ الطريق ، تقبَّلَ اللهُ منّا ومنكُم صالحَ الأعمال، وجعلنا وإيّاكم وإخوانَنا المسلمينَ مِن عُتقائِهِ من النّارِ، إنّه سميع مجيبٌ ، وأعادَهُ اللهُ على المسلمينَ وقد أعزَّهُم ونصَرَهُم ، وكَبَتَ عدوَّهُم ، هذا واعلموا رحمَكُم اللهُ أنَّ مِنْ خيرِ أعمالِكم وأزكاها عندَ مليكِكُم كثرةُ صلاتِكُم وسلامِكُم على الرحمةِ المهداةِ والنعمةِ المسداةِ نبيِّكم محمدِ بنِ عبدِ اللهِ ، كما أمركم بذلكَ ربُّكُم جلَّ في علاه، فقال تعالى قولاً كريمًا: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
المفضلات