الحمد للهِ المتوحدِ بالعظمةِ و الجلالِ ، المتصفِ بصفاتِ الكمالِ ، الْمُتَنَـزهِ عن الأشباهِ و الأمثالِ ، أحمدُهُ سبحانَهُ و أشكرُهُ شكراً يزيدُ النعمَ و يحفظُها من الزوالِ ، و أشهدُ ألا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ، و أشهدُ أن سيدَنا و نبيَنا محمداً عبدُهُ و رسولُهُ ، أنقذَ من الضلالِ ، و هدى إلى أشرفِ الخصالِ صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبِهِ خيرُ صحبٍ و آلٍ والتابعينَ و من تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ المآلِ . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعد : أيها الأحبةُ في اللهِ ،فَإنَّ للهِ تعالى سُننٌ لا تتغيَّرُ ، يحكمُ بها الكونَ والحياةَ والإنسانَ، ومنها متطلباتُ النَّصرِ ومُسِبباتُ الهزيمةِ ، والحكمةُ من وراءِ هذه السُننِ ، أن تَظْهرَ خبايا النفوسِ، وتبرزَ معادنُ النَّاسِ ، من خِلالِ واقعٍ مَنظورٍ ، لامن خلالِ أقوالٍ وأُمنياتٍ ، فَتَتميّزُ الصفوفُ، وتَتَمحّصُ النفوسُ ، ويُعلمُ المؤمنون الصابرون ، فَيَنصُرُهم اللهُ، ذلك أن النصرَ شَرفٌ، ولن يتنزَّلَ على قلوبٍ قاسيةٍ غافلةٍ، ونفوسٍ مَريضةٍ، وأحوالٍ مَغشوشةٍ، في أمةٍ تَشَعّبتْ بها السبُلُ، وتجارتْ بها الأهواءُ، وتَعّمَقتْ في أُخُوَّتِها الخلافاتُ، وتلوّثتْ بسوءِ الظنِّ ، ولهذا فَمِنْ أُوْلى مُتطلباتِ النصرِ ، تَرسِيخُ العقيدةِ ، وغَرْسُ الإيمان ؛ لأن الإيمانَ الصادقَ ، يُزكي النفوسَ، ويُطَهرُ القلوبَ ، فتصلحَ الحالُ ، ويَكتُبُ اللهُ النصرَ والتمكينَ للمؤمنين ، لأن أسبابَ النصرِ ، داخليةٌ في القلوبِ والنفوسِ ، قال تعالى: ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ ) والتاريخُ يحكي لنا ، أحوالَ أقوامٍ من أهلِ الإيمانِ جِياعٍ حُفاةٍ قِلَّةٍ، صدقوا مع اللهِ، وتَخَلّصوا من حُظُوظِ أنفسِهم، فنصرَهم اللهُ ومكنَّ لهم، قال تعالى: ( وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيم ِ) ومن أسبابِ النصرِ الإخلاصُ، فالْمُخلِصُ مُؤيَّدٌ من اللهِ، مَكفيٌّ به سبحانه : ( أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) وعلى قدرِ إخلاصِ المرءِ لربِّهِ وتجرُدِهِ له ، يكونُ مَددُ اللهِ وعونُهُ وكفايتُهُ وولايتُهُ ، إِنَّ الإمدادَ على قدرِ الاستعدادِ ، وإمدادُ الله ِبالنصرِ والتأييدِ والتوفيقِ والتسديدِ ، على حسبِ ما في القلوبِ من تجريدِ النيةِ وصفاءِ الطَّويةِ ، قال تعالى : ( لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَـٰبَهُمْ فَتْحاً قَرِيبا ً) ومن أسباب النصر، نُصرةُ دينِ اللهِ ، والقيامُ به قولاً وعملاً، واعتقاداً ودعوةً، مع إقامةِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ، والأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، قال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ * ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلأُمُورِ) ومن مُتطلباتِ النصرِ التَجَمّلُ بالصبرِ، هذا ما نستفيدُه من قُولِ الرسولِ :{يا أبا جندلٍ، اصبرْ واحتسبْ ، فإن اللهَ جاعلٌ لكَ ولمن معكَ من المستضعفينَ فرجاً ومخرجاً} أخرجَهُ أحمدُ وفي حديثه لابنِ عمِّه عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال : {وأن النصرَ مع الصبرِ} وفي خِتَامِ عددٍ من السورِ المكيةِ ، أوصى اللهُ رسولَهُ بالصبرِ:قالَ تعالى ( وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَـٰكِمِين ) ومن أسبابِ النصرِ الاعتمادُ على القويِّ الذي لا يُغلبُ ، يُفَوِضُ إليه أمرَهُ، ويَثقُ في وعدِهِ ، فلا يخافُ من أعداءِ اللهِ ، ذلك أن النَّصرَ من عندِ اللهِ ، والعزةَ كلَّها من اللهِ، ومن أرادَ النَّصرَ فليطلبْهُ من اللهِ، ومن أرادَ العزةَ فليعتزَّ باللهِ، ففي غزوةِ حنينٍ ، رأى المؤمنون أنفسَهم في كثرةٍ ، فقالَ بعضُهم: لن نُغلبَ اليومَ من قلةٍ، وكأنما ألهتْهُم كثرتُهُم عن حقيقةِ القوةِ والنصرِ، فوكلَهُم اللهُ إلى كثرتِهم التي أعجبتْهُم ،فلم تُغنِ عنهم شيئاً،يقولُ تعالى ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ )والدعاءُ أهمُّ أسلحةِ النصرِ، ومن أسبابِ النصرِ ، إكرامُ ورعايةُ الضعفاءِ، فعن سعدِ بنِ أبي وقاصٍ أن النبي قال له: {هل تُنصَرُونَ وترزقونَ إلا بِضُعفَائِكُم؟؟} أخرجَه البخاري ،ُّ وعن أبي الدرداءَ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ يقولُ: { أبْغُوني ضُعفاءَكم، فإنما تُرزقُونَ وتُنصَرُونَ بِضُعفائِكم } وفي الحديثِ: { إنما ينصرُ اللهُ هذه الأمةَ بضعيفِها، بدعوتِهم وصلاتِهم وإخلاصِهم } أخرجَهُ النسائيُّ ، وإعدادُ القوةِ الماديةِ والمعنويةِ ، من أسبابِ النصرِ ، قال تعالى: ( وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ )
...بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم،.
الحمدُ للهِ الذي خلقَ فسوى، والذي قدرَ فهدى، أحمدُهُ سبحانه وأشكرُهُ في السرِّ والنجوى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ، العليُّ الأعلى ، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وإخوانِهِ صلاةً دائمةً إلى يومِ الدينِ.أما بعد: فَقد بشرَ النبيُ بأن المستقبلَ لهذا الدينِ، وأن هذا الإسلامَ سَتُفتحُ لَهُ البيوتُ كلُّها فقالَ: { ليبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ الليلُ والنهارُ، ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدَرٍ ولا وبَرٍ إلا أدخلَهُ اللهُ هذا الدينَ، بعزِّ عزيزٍ أو بذلِّ ذليلٍ، عزاً يُعزُّ اللهُ به الإسلامَ وأهلَهُ ، وذلاً يُذلُ اللهُ به الكفرَ وأهلَهُ } أخرجَهُ أحمدُ من حديثِ تميمِ الداري إخوةَ الإسلامِ، دينُ اللهِ سيعلو ، ونورُهُ سيملأُ الآفاقَ ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ ) فمن ذا يقدرُ أن يطفئَ نورَ اللهِ؟! ومن يستطيعُ أن يحاربَ اللهَ؟!بالمقاييسِ الماديةِ يظنُّ الناظرُ إلى أحوالِ المسلمينَ أنها سوداءُ قاتمةٌ، وفي موازينِ الإيمانِ مُبَشّرةٌ مُطمئنةٌ، فكلما اشتدّتِ المحنُ قَرُبَ انبلاجُ الفرجِ ، لا يدري المسلمُ متى النصرُ، إلاَّ أَنَنَا نَعلَمُ أن الأصلَ في الإسلامِ العلوُّ والسيادةُ والتمكينُ، فلا نستيئسُ من ضعفِ المسلمين حيناً من الدهرِ، فقد قالَ رسولُ اللهِ : {أُمَّتِي مِثْلُ المَطَرِ، لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيرٌ أَمْ آَخِرُهُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ، وقال : {بشِّرْ هذه الأمةَ بالسَّناءِ والرِّفعةِ والدِّينِ والنصرِ والتمكينِ في الأرضِ } أخرجه أحمد من حديثِ أُبي بن كعبٍ هذا وعدُ اللهِ، ووعدُ اللهِ لا يُخلَفُ، لكنها مسألةُ التوقيتِ المقدورِ ، والأجل ِالمحدودِ ، عبادَ اللهِ صلّوا على المعصومِ ، عليه أفضلُ الصلاةِ وأتمُ التسليمِ ، فإنه يقول من صلّى عليَّ صلاةٍ واحده صلّى الله عليه بها عشراً ، اللهم صلي وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد ، صاحب الوجه الأنور ، والجبين الأزهر ، الشافع المُشَّفَعُ في المحشر ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي مَلأَ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم انصُر جُندنا وحفظ رِجالَ أَمْنِنَا ، ووحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذا القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكرونَ ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات