الحمدُ للهِ الّذي كان بِعبادِهِ خبيراً بصيراً ، وتباركَ الّذي جعلَ في السماءِ بروجاً وجَعَلَ فيِها سِراجاً وقمراً مُنيراً ، ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ) وأشهدُ إن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، أرسلَهُ اللهُ بين يدي السّاعةِ بشيراً ونذيراً وداعياً إلى اللهِ بأذنِهِ وسراجاً منيراً ، فنشهدُ أنهُ بلغَ الرسالةَ وأدى الأمانةَ ، ونصحَ الأُمةَ ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادِهِ حتى أتاهُ اليقينُ ، تركنا على المحجةِ البيضاءِ ، ليلُها كنهارِها لا بزيغُ عنها إلا هالكٌ ، فصلواتُ ربي وسلامُهُ عليهِ وعلى إلِهِ وصحبِهِ ومن سارَ على نهجِهِ إلى يومِ الدينِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعد:أيُّها الأحبةُ في الله ، مِنْ أعظمِ الفواحشِ التي حرَّمَها اللهُ في كتابِهِ ، وعلى لٍسانِ رسُولِهِ ، فاحشةُ الزّنا، يقولُ تعالى (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) فالزِّنا جُرمٌ فظيعٌ ، وعملٌ شنيعٌ ، وذَنبٌ عظيمٌ ، يُبَدِّدُ الأموالَ، وينتهِكُ الأعراضَ، ويُهلِكُ الحرثَ والنسلَ. عارُهُ يَهدِمُ البيوتَ، ويُطأطئُ عاليَ الرُّؤوسِ ، ويُخرِسُ الألسنةَ ، ويَهَبِطُ بالعزيزِ ، إلى هاويةٍ من الذلِّ والحقارةِ والازدراءِ، وينزعُ ثوبَ الجاهِ ، مهما اتسعَ، ويَخفضُ عالي الذِّكرِ مَهمَا عَلاَ ، إِنَّهُ لطَخَةٌ سوداءُ ، إذا لَحَقتْ بتاريخِ أُسرَةٍ ، غَمرتْ كلَّ صَحَائفِها النَّقيةِ ، إنه شَينٌ لا يَقتَصِرُ تَلويثُهُ على من قارفَهُ ؛ بل يشينُ أفرادَ الأسرةِ كلِّها، ويقضي على مستقبلِها جميعِها. إنَهُ العارُ ، الذي يطولُ حتى تتناقلَهُ الأجيالُ ، جيلا بعدَ جيلٍ ، بانتشارِهِ تُغلقُ أبوابُ الحلالِ، ويكثرُ اللُّقطاءُ، وتنشأُ طبقاتٍ بلا هويةٍ ، طبقاتٌ شاذةٌ حاقدةٌ على المجتمعِ ، لا تعرفُ العطفَ ولا العلاقاتِ الأُسريةِ ، فيَعُمُّ الفسادَ، ويتعرضُ المجتمعُ للسقوطِ ، أليسَ يجمعُ خلالَ الشرِّ كلَّها ؟ من الغدرِ والكذبِ والخيانةِ ؟ أليسَ ينزعُ الحياءَ ؟ ويُذهبُ الورعَ والمروءةَ ، ويطمسُ نورَ القلبِ ، ويجلبُ غضبَ الربِّ ، بلى وعزةِ ربِّنا ، ولذلك يقولُ المُولى جلّ وعلا ، مُحذِراً ، من مُجرَّدِ الاقترابِ من الزَّنِا (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) لأنَّ الزَّنا فاحشةٌ مُنكرةٌ شرعاً وعقلاً ، وطريقُ سُوءٍ مُوصلٌ إلى النَّارِ ، والدَّوَافعُ إليهِ عنيفةٌ ، والبعدُ عنهُ يُضعفُ هذه الدوافعُ ، ومن حَامَ حَولَ الحمى يُوشِكُ أَن يقعَ فيهِ ، والزنا يجمعُ الشَّرَّ كُلَّهُ من قلةِ الدّينِ ، وذهابِ الوَرَعِ ، وفسَادِ المروءةِ ، وقَلِةِ الغَيرةِ ،وقد قالَ اللهُ تعالى ، في مُرتَكِبِ الزَّنا (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) قال الأمامُ أحمدُ رحمهُ الله ، لا أعلمُ بعدَ قَتَلِ النَّفسِ شيئاً ، أعظمُ من الزِّنَا ، وقد أَكدَّ اللهُ سُبحانه وتعالى حُرمةَ الزِّنى بقولِهِ (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) فَقَد قرنَ اللهُ الزِّنا ، بالشركِ وقتلِ النَّفسِ ، وجَعَلَ جزاءُ ذلك ، الخلُودَ في العذابِ المضاعفِ ، مالم يَرفعُ العبدُ مُوجبَ ذلك ، توبةً وإيماناً وعملاً صالِحاً ، وحرصاً على سلامةِ المُجتمعِ المسلمِ ، وعلى طهارةِ نفوسِ المسلمينَ ، والإبقاءِ على كرامتِهم ، والحفاظِ على شرفِ أنسابِهم ، حَكَمَ اللهُ على مُقترفِ الزنا بأشدِّ العُقوباتِ، فقالَ تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وقال رسُولُ اللهِ { البِكرُ بِالبِكرِ جَلدُ مائةٍ ، وتَغريبُ سنةٍ} وأما الزانيةُ والزاني ،الَّذَينِ سبقَ لهُما الزَّواجُ ، وعرفا طَريقَهُ وجَرّباهُ ، ولو مَرةً بنكاحٍ صَحيحٍ ، ثُم عَدلاَ عنه إلى الزِّنَى ، فعقوبتُهما الرَّجمُ حتى الموتِ ، أما الزُّناةُ والزواني ، الَّذِينَ لم يُستوفَ منهم القِصاصُ الدنيويُّ ، وماتوا من غيرِ تَوبةٍ ، فإنَّهم يُعذبونَ في قُبورِهم بالنارِ ، كما في حديثِ سمرةَ بنِ جُندبٍ رضي اللهُ عنه ، وفيه { أنهُ جاءَهُ جبريلُ وميكائيلُ قالَ فانطلقْنا فأتينا على مثلِ التنورِ ، أعلاهُ ضيقٌ ، وأسفلُهُ واسعٌ فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ - قَالَ - فَاطَّلَعْنَا فِيهِ ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا - أي صاحوا من شدةِ حرِّهِ فقُلتُ ما هؤلاءِ يا جبريلُ ، قالَ هؤلاءِ الزُناةُ والزواني ، فهذا عذابُهم إلى يومِ القيامةِ }يقولُ عطاءُ رحمَهُ اللهُ تعالى ، في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى عن جهنمَ (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) قال أشدُ تلك الأبوابِ غماً ، وحراً وكرباً ، وأنتَنُها ريحاً ، للزُناةِ ..الَّذينَ ارتكبوا الزنا بعدَ العلمِ ،اللهُمَّ جنبنا الفَوَاحِشَ ما ظهرَ منها وما بطن ،بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم،
ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة فاستغفِروه، فقد فاز المستغفِرون
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً ، أمّا بعدُ:أيُّها الأحبةُ في الله ، يقولُ عليه الصلاةُ والسلامُ ، كما في الصحيحينِ{ لا يَزني الزَّاني حين يَزني وهو مؤمنٌ }وقال ابنُ مسعودٍ رضى اللهُ عنه ، كما عندَ البخاريِّ ، سألتُ رسُولَ اللهِ { أيُّ الذّنبِ أعظمُ قالَ أن تجعلَ للهِ نداً وهو خَلقَكَ ، قلتُ إن ذلك لعظيمٌ ، قلتُ ثم أيُّ ، قالَ وأن تقتلَ ولدَكَ ، تَخَافُ أن يطعمَ معَكَ ، قلتُ ثم أيُّ ، قال أن تُزاني بحليلةِ جارِكَ } وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كما في صحيحِ مُسلمٍ من حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ { ثلاثةٌ لا يكلمُهم اللهُ يومَ القيامةِ ولا يزكيهم قال أبو معاويةَ ولا ينظرُ إليهم ولهم عذابٌ أليمٌ ، شيخٌ زانٍ ومَلِكٌ كذابٌ ، وعائلٌ مستكبرٌ } وفي روايةٍ للحاكمِ عن النبيِّ { ثلاثةٌ لا يدخُلونَ الجنَّةَ ، العاقُّ لولديهِ ، والدّيوثُ وهو الذي يُقرُّ الفاحشةَ في أهلِهِ ، والرجلةُ من النّساءِ } فاتقِ اللهَ يا مُسلمٌ وراقبْ ربَّكَ وحافظْ على إيمانِكَ وعرضِكَ ، وتجنبْ هذه الفاحشةَ العظيمةَ ، واعلمْ أن ما تفعلُهُ أنتَ ، من الخيرِ والشرِّ ، قد يكونُ سبباً لأن يفعلَهُ أهلُكَ وأولادُكَ ، وفي الحديثِ {برُّوا آباءَكم تبرُّكم أبناؤكم وعفُّوا تعفُّ نسائُكم } وقديماً قولَ الأولِ :
عُفوا تعفُّ نسائُكم في المحرمِ وتجنبُوا مالا يَليقُ بمسلمِ
مَن يَزني في بَيتٍ بألفي دِرهمٍ في بيتِهِ يُزنى بَغيرِ الدرهمِ
من يزنى يُزنى بهِ ولو بجدارِهِ إن كُنتَ يا هذا لبيباً فافهمِ
إن الزَّنى دينٌ فإن أقرضتَهُ كان الوفى من أهلِ بيتِكَ فاعلمِ
يا هاتكاً سترَ الرجالِ وقاطعاً سُبُلَ المودةِ عشتَ غيرَ مُكَرمِ
لو كُنتَ حُراً من سُلالةِ ماجدٍ ما كُنتَ هتَّاكً لِحُرمةِ مُسلمِ
إن المُسلمَ أيُها الأخوةُ في اللهِ ، لا يرضى أن يَعتدي أحدٌ على محارمِهِ فكيفَ يَرضى ، الأعتداءَ على محارمِ غيرِهِ ، عبادَ اللهِ صلوا على المعصومِ عليهِ أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليمِ ، فإنه يقول عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى اللهُ عليه بها عشراً ، اللهم صلي وسلم وانعم ولأكرم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد ، ورضى اللهم عن الخلفاء الأمة الحُنفاء أبي بكرٍ وعمر ، وعثمان وعلي ، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين ، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وفضلك ورحمتك يا أرحم الرحمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين ، من اليهود النصارى والشيوعين وجميع الكفرة الملحدين والمنافقين اللهم فرج هم المهمومين ، ونفس كرب المكروبين واقضِ الدين عن المدينين ، واشف مرضى المُسلمين ، اللهم لا تدعْ لنا ذنباً ألا غفرتهُ ولا هماُ إلا فرجتهُ ، ولا كرباً إلا نفستهُ ، ولا مريضاً إلا شفيتهُ ، ولا مُبتلى إلا عافيتهُ ولا ميتاً إلا رحمتهُ ، ولا ديناً إلا قضيتهُ ، ولا ضالاً إلا هديتهُ ولا عدواً إلا خذلتهُ ، ولا تائباً إلا قبلتهُ ، ولا جاهلاً إلا علمتهُ ، ولا عيباً إلا سترتهُ ، ولا عَسيراً إلا يَسرتهُ ، ولا حقاً إلا أرجعتهُ ، ولا حاجةً من حوائج الدُنيا ولآخره هي لك رضاً ، ولنا فيها صلاح ، إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها برحمتك يا أرحم الرحمين ( ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان ولإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فذكرو الله العظيم الجليل يذكروكم وشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
المفضلات