علو الهمـــــــــــــــة
فإن من الخصال الجميلة، والخلال الحميدة، والأخلاق العالية الرفيعة: الهمة العالية، والناس إنما تعلو أقدارهم، وترتفع منازلهم بحسب علو هممهم وشريف مقاصدهم، قال بعضهم: علو الهمة هو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمـور، ومعنى ذلك: أن المؤمن لا تنتهي إنجازاته في أمور دينه ودنياه، بل كلما انتهى من إنجاز سعى إلى آخر، وهكذا حال صاحب الهمة العالية.
وقد حثَّ سبحانه عباده على علوِّ الهمة، والمسارعة إلى الخيرات، والتنافس في أعالي الدرجات، قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ ، وقال تعالى: ﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾ وقال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
روى الإمـام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ((
فينبغي للمؤمن أن تكون همته عالية، يسعى إلى معالي الأمـور وفيما يصلحه من أمر دينه ودنياه، وأن يبذل في ذلك الغالي والنفيس، وألا يكون ضعيف الهمة يحب الراحة والكسل، فإنه بقدر الكد تكتسب المعالي، ومن طلب العلا سهر الليالي
فصاحب الهمة العالية لا يفوت لحظة من لحظات حياته إلا بفعل عبادة يرضاها خالقه ، وصاحب الهمة العالية تجده دائما في مواطن الخير لا يمل ولا يفتر ، وصاحب الهمة العالية يحسن استغلال مواسم الخير ؛ ومن ذلك ليلتنا هذه من هذا الشهر الكريم المبارك ليلة السابع والعشرين والتي هي بين أيدينا ، وهي أرجى الليالي بأن تكون ليلة القدر ، بل أقسم بعض الصحابة أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين ، وكان أبي بن كعب يحلف ولا يستثني أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَي الْقِيَامِ فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ لَعَلَّ اللَّهَ يُوَفِّقُنِي فِيهَا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَقَالَ : " عَلَيْكَ بِالسَّابِعَةِ " اسناده جيد .
فعالي الهمة يحسن استغلالها وغيرها من المواسم ، يناجي ربه ويدعوه ، ويبث لربه وخالقه همومه وكروبه وحاجاته فمن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه .
اللَّهُمَّ علِّمْنا ما ينفعُنا وانفعْنا بما علَّمتَنا، وزدْنا علمًا وعملاً يا ذا الجلال والإكرام ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المفضلات