الخطبة الأولى
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد :
أيها الناس / أوصيكم ونفسي بتقوى الله فاتقوا الله تعالى
(( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ))
عباد الله / الفوز والفلاح مطلبان يرجوهما كل إنسان, ولكن ليس كل فوز يكون فوزاً, وليس كل فلاح يكون فلاحاً. إنما الفوز والفلاح الحقيقي عندما نلبي ما نسمعه خمس مرات في اليوم والليلة, وبصفة دائمة, من خلال الأذان: وذلك بعد النطق بأطيب كلمة وأشرف شهادة, شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله. يأتي النداء: ( حي على الصلاة, حي على الفلاح ).
أقبل بعجل, لا تتأخر, ولا تُسَوِّف, ولا تؤجل, حي, وهيا, وانهض, وقم, وتوجه, تعال إلى الصلاة, أَقْبِل بِعَجَلٍ إلى الفلاح, لأنها الفلاح, وكأن الفلاح كله اجتمع في الصلاة.
يا لها من موعظة مؤثرة نسمعها كلَّ يوم خمس مرات من خلال الأذان, ولكن قَلَّ من يتأثر.
إذا تمكن هذا المعنى من قلب المؤمن, فإنه يستحيل أن يُقَصِر فيها, أو يتخلف عنها, أو يتساهل في أدائها.
فعند خروجه محتسبا من بيته لإجابة داعي الصلاة فهو في فوز وفلاح ، قال صلى الله عليه وسلم (( بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني .
فكلما أجبت داعي الصلاة حصل لك البشر وعظيم الأجر ، والفرح والسرور ، والغبظة والحبور ، بل كأنما حيزت لك الدنيا بحذافيرها .
فعلامة الإيمان لمن أجاب حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قال الله تعالى (( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ))
والنور والبرهان لمن أجاب داعي الصلاة ، قال صلى الله عليه وسلم ((مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا ، كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) رواه أحمد بإسناد جيد .
ومن أجاب داعي الله حصل له من النشاط ، وطيب النفس ما الله به عليم ، قال صلى الله عليه وسلم : (( يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ )) رواه البخاري .
عباد الله : من أجاب داعي الصلاة مخلصا لله فإنه يسجد لربه يوم القيامة عندما يأمر المولى الناس بالسجود ,وأما من كان يصلي رياءً وسمعه, فيكون ظهره طبقاً واحداً لا يستطيع السجود, كما قال تعالى: ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَـوْنَ إِلى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ).
ومن أجاب داعي الصلاة أعد الله منزله في الجنة قالصلى الله عليه وسلم : (( مَنْ غَدا إلى الْمسجدِ أوْ راحَ أعَدَّ اللهُ لهُ فِي الجنَّةِ نُزُلاً كُلَّما غَدا أوْ رَاحَ )) متفق عليه
ومن أجاب داعي الصلاة فإنه يفوز برؤية ربه ، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالَ (( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ )) رواه البخاري .
وكاد عليه الصلاة والسلام أن يُحرّق بيوت الذين لا يجيبون داعي الصلاة لولا النساء والصبيان ، وبين صلى الله عليه وسلم أن بعض الصلوات ثقيلة على المنافقين ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ( ولقد علمْتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق أو مريض )
ومن هنا نعلم: أن من لم يُجب داعي الصلاة هو أحد الأربعة المذكورين في هذيْن الحديثيْن وهم: النساء والصبيان والمنافقون والمرضى.
فإذا لم تُجب داعي الصلاة يا عبد الله فاسأل نفسك وقل لها: من أي الأصناف الأربعة أنتِ؟ من النساء أم الصبيان أم المنافقين أم المرضى؟
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الفوز والفلاح بتلبية نداء حي على الصلاة ، حي على الفلاح .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أيها المسلمون : ، الصلاة هي أصلُ الفلاح وسرُّ النجاح وأوّلُ ما يحاسب به العبدُ يومَ القيامة من عمله، فإن صلَحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسَدت فقد خاب وخسِر. المحافظةُ عليها عنوان الصِدق والإيمان، والتهاون بها علامةُ الخذلان والخُسران. طريقُها معلوم، وسبيلُها مرسوم، من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة ، قال صلى الله عليه وسلم ))مَن سرّه أن يلقى الله غدًا مسلِمًا فليحافِظ على هؤلاء الصلواتِ حيث يُنادَى بهنّ، فإنّ الله شرع لنبيكم سُننَ الهدى، وإنّهنّ من سُنن الهدى، ولو أنكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلِّف في بيته لتركتم سنّةَ نبيكم، ولو تركتم سنةَ نبيّكم لضللتم، ولقد رأيتُنا وما يتخلّف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتَى به يُهادَى بين الرجلين حتى يُقام في الصفّ)) أخرجه مسلم
هذا وصلوا وسلموا على النّبي المصْطفى والرسول المجتبى ....
المفضلات