الحمدُ للهِ المبدئِ المعيدِ ، الفعالِ لما يريدُ ، ذي العرشِ المجيدِ ، والبطشِ الشديدِ ، وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ المبعوثِ بالقرآنِ المجيدِ ، والمؤيدِ بالرعبِ والحديدِ ، صلى اللهُ وسلم عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الوعيدِ ،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَائلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ). أمّا بعد :أيُّها الأخوةُ في اللهِ ، فَإنَّ الإيمانَ بالبعثِ والنُّشورِ ، وقيامَ الناسِ من القبورِ ،هو أحدُ أركانِ الإيمانِ الستةِ ، وقد تكررَ ذلك في القرانِ العَظِيمِ ، وعلى لسانِ النبي المصطفى الكريمِ ، عليه أفضلُ الصلاةِ وأَزكى التسليم ، تحذيراً لنا وإنذاراً ، لنستعدَ لذلك اليومِ ، بالأعمالِ الصالحةِ (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) ، فَمَثِّلْ نفسَكَ وقد بُعِثتَ من قبرِكَ ، مُبهوتاً من شدَّةِ الصاعقةِ ، شاخصَ العينِ نحو النداءِ ، وقد ثارَ الخلقُ ثورةً واحدةً ، من القبورِ التي طالَ فيها بلاؤهم ، قد أزعجَهم الرعبُ ، يقولُ تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ)ويقولُ تعالى(خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) و يقولُ سُبحانه (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) تفكر في الخلائِقِ وذُلِهم ، وانكسارِهِم ، واستكانتِهِم ، انتظاراً لما يُقضى عليهم ، من سعادةٍ أو شقاوةٍ ، وأنتَ فيما بينَهُم ، مُنكسرٌ كانكسارِهِم ، متحيرٌ كتحيرِهِم ، فكيفَ حالُكَ وحالُ قلبِكَ هناك ، وقد بُدلتْ الأرضُ غيرَ الأرضِ والسماواتُ ، وطُمستِ الشمسُ والقمرُ وأظلمتِ الأرضُ ، واشتبكَ النَّاسُ ، وهم حُفاةٌ عراةٌ مشاةٌ ، وزد حمُوا في الموقفِ , شاخصةً أبصارُهُم ، مُنفطرةً قلوبُهُم ، فتأملِ في طولِ ذلكَ اليومِ ، وشدةِ الانتظارِ فيه , والخجلِ والحياءِ ، من الافتضاحِ ، عند العرضِ ، على ربِّ الأرضِ والسماءِ , وأنتَ عارٍ مكشوفٌ ذليلٌ ، مُتحيرٌ مبهوتٌ ، وأعْظِمْ بهذه الحالِ فإنَّها عظيمةٌ ، فَاستعِدَّ لذلك اليومِ العظيمِ شأنُهُ ، القاهرِ سلطانُهُ ، القريبِ أوانُهُ يقولُ تعالى ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً )ويقولُ المصطفى {بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ} يومَ ترى السماءَ فيه انفطرتْ ، والكواكبَ من هولِهِ انتثرتْ ، والنجومَ الزواهرَ انكدرتْ ، والشمسَ كورتْ والجبالَ سيرتْ ، والعشارَ عطلتْ ، والوحوشَ حشرتْ ، والبحارَ سجرتْ ، والنفوسَ زوجتْ ، والجحيمَ سُعِّرتْ ، والجنةَ أزلفـتْ ، ً ( يومَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً * فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) لقد وصفَ اللهُ دواهيَ ذلك اليوم ، وأكثرَ من أساميهِ لتقفَ بكثرةِ أساميهِ ، على كثرةِ معانيهِ ، فمن أسمائِهِ يومُ القيامةِ ، ويومُ الحسرةِ والندامة ِ ، ويومُ الزلزلةِ ، والواقعةِ ، والقارعةِ ، والغاشيةِ ، والراجفةِ ، والحاقةِ ، والصاخةِ ، ويومُ التلاقِ ، ويومُ الجمع ، ويومُ التغابُن ، ويومُ الجزاءِ ، ويومُ الوعيدِ ، ويومُ العرضِ ، ويومُ الفصلِ ، ويومُ الدِّينِ ، ويومُ النُّشورِ ، فالويلُ كلَّ الويلِ للغافلينَ ، يُرسلُ اللهُ لَهُم سيدَ المرسليَن ، ويُنزلُ عليهِ الكتابَ المبينَ ، ويخبرُهُم بالصِّفَاتِ من نعوتِ يومِ الدينِ ، ويقول ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ) ثُمَّ يقول ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَر ُ) ولكن النَّاس كما قال تعالى ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُون *مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ*لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ)ثم انظرْ كيفَ يساقونَ بعد البعثِ والنشورِ ، حفاةً عراةً غرلاً ، على أرضِ المحشرِ ، أرضٍ بيضاءٍ ( قَاعاً صَفْصَفاً لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً) يقولُ عليه الصلاةُ والسلام ُ، { يُحشرُ الناسُ يومَ القيامةِ ، على أرضٍ بيضاءٍ عفراءٍ ، أي أن بياضَها غيرُ ناصعٍ ، عفراءٍ كقرصِ النقيِ ، ليس فيها معلمٌ لأحدٍ } رواه البخاريُ وعن قتادةَ عن انسٍ رضي الله عنهما ، أن رجلاً قال يا نبيَ اللهِ كيف يُحشرُ الكافرُ على وجهِهِ ؟ قال : أليس َالذي أمشاهُ على الرجلينِ في الدُّنيا ، قادراً على أن يمشيَهُ على وجهِهِ يومَ القيامةِ ؟ قال قتادةُ [ بلى وعزةِ ربِنا ] وذلك قولُ اللهِ عز وجل ( وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ) فشتانَ بينَ من يَفِدُون ركباناً ، إلى جناتِ النَّعيمِ ، ورحمةِ الرحمنِ الرحيمِ ، وبين من يُسحَبُونَ سبحاً ، إلى نارِ الجحيمِ ونكالِها الأليمِ ، وعذابِها المُقيمِ يقولُ تعالى ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً) قالَ ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهما: وفداً ركباناً ، وقال عليُ بنُ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه ،ما يُحشرونَ واللهِ على أرجلِهِم ، ولكنْ على نوقٍ رحالُها الذهبُ ، ونجائبٍ سُرُجُها يواقيتٌ ، إن هَمّوا بها سارتْ ، وإن هَمّوا بها طارتْ وقولُهُ ( وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً) أي عطشا ، قد انقطعتْ أعناقُهُم من العطشِ ، ولكنهم لا يَرِيدون إلى مَاءٍ ، بل إلى جهنّمَ وجَحِيمِها ، ومُهْلِها وحَمِيمِها ، فسبحانَ الحَكِيمِ العَلِيم ،كانوا في الدنيا على السّواءِ ، يُرزقونَ ويسيرونَ ، ويذهبونَ ويجيئونَ ، وهكذا الدُنيا ، يؤتِيها اللهُ من يحبُ ومن لا يحبُ ، فلما جاءَهم الموتُ ، عرفَ كلٌّ مِنهُم سبيلَهُ ، واتضحَ له مقيلَهُ ،
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم .
ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة فاستغفِروه، فقد فاز المستغفِرون
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً :يقولُ اللهُ سبحانهُ وتعالى ، واعظاً ومُذكراً بموقفٍ من مواقفِ الإنسانِ ، يومَ القيامةِ ( يُنَبَّأُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) ويقولُ سبحانه (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) ويقولُ جل في علاه ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) ويقولُ المصطفى فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الحديثِ القدسيِ أَنَّهُ قَالَ [يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ] رواه مسلمٌ ، أيها الإخوةُ في اللهِ ، ما منا والحمدُ اللهِ من أحدٍ ، إلا ويؤمنُ بملاقاةِ الحسابِ ، ومسكِ الكتابِ ، ووضعِ الموازينِ ، بين يدي أحكمِ الحاكمينَ ، ويُؤمنُ بقولِ اللهِ سبحانه وتعالى ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) فماذا كان لهذا الإيمانِ في نفوسِنا من أثرٍ ؟ أهو الاستعدادُ والتهيؤُ ؟ أم هو التسويفُ والتفريطُ والإهمالُ ؟حتى يؤخذَ أحدُنا على غِرّةٍ ، فيندمُ حين لا ينفعُهُ الندمُ ، ويبكي حين لا ينفعُهُ البكاءُ ، ويتحسرُ حين لا ينفعُهُ التحسرُ ؟ اللهم ارحمْ ضعفنا ، وتول أمرنا ، اللهم نبّه غافِلنا ، ومُن علينا بالإستعداد الّذي نفرَحُ بهِ يوم نُلاقيك ،وصلي وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد ، صاحب الوجه الأنوار ، والجبين الأزهر ، الشافع المُشَّفَعُ في المحشر ، ورضى اللهم عن الخلفاء ، الأءمة الحنفاء، أبي بكرٍ وعمر ، وعثمان وعلي وعن سائِرِ أصحابِ نبيّك أجمعين ، وعن التابعين ، وتابعيهم بِإحسانٍ إلى يومِ الدّين ، وعنّا معهم ، بمنك وفضلك ورحمتك ، يا أرح الراحمين ، اللهم اجعل في قلوبِنا نوراً ، نهتدي به إليك ، وتولنا بِحُسنِ رعايتِك ، حتى نتوكلَ عليك ، وارزقنا حلاوةَ التذلُلِ بين يديكَ ، فالعزيزُ من لاذَ بعزِكَ ، والسعيدُ من التجأَ إلى حماكَ وجودِك ، والذليلُ من لم تُؤَيّدْهُ بعنايتِكَ ، والشقيُّ من رضيَ بالإعراضِ عن طاعتِكَ ، اللهم نَزِّه قلوبَنا عن التعلقِ بمن دونِك ، واجعلنا من قومٍ تحبُهم ويحبونَك ،وَأَعِزَّ الإِسْلاَمَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَ الشِّرْكَ والمُشْرِكِينَ، ودمرْ أعداءَكَ أعداءَ الدينِ ، من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، ومن كَرِه الإسلامَ والمسلمين ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات