الحمدُ للهِ على جزيلِ العطاءِ، مُسدي النعماءِ ، وكاشفِ الضراءِ ومعطي السراءِ، الحمدُ للهِ أبداً سرمداً ، ولا نشركُ معه أحداً تباركَ فرداً صمداً، لم يتخذْ صاحبةً ولا ولداً، ولا شريكَ له ولا عضداً ، أشهدُ أن لا إلهَ لنا غيرُهْ ، ولا ربَّ لنا سواهُ ، ولا نعبدُ إلاَّ إياهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وسلم تسليماً كثيراً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً): أمّا بعدُ أيها الأحبةُ في الله ، لقد أنزلَ اللهُ علينا الغيث بفضله ورحمته ، فعم به جميع أرضنا ، فأصبحنا بنعمته مستبشرين ، وبخيره ورحمته فرحين ،يقولُ سُبحانَه(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (الحج:63)ويقولُ جلَّ في عُلاه (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) ويقولُ سبحانه (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم:24) فاشكروا الله على هذه النعمة العظيمه ، واذكروه ذكراً كثيراً ، وسبحوه بكرة وأصيلا فنشكر الله الولي الحميد ، ونحمده سبحانه وبحمدِهِ
وهو الحميدُ فكلُّ حمـدٍ واقعٌ أو كان مفروضاً مدى الأزمـانِ
ملأَ الوجودَ جميعـُه ونظيرُهُ من غيرِ ما عدٍّ و لا حُسبــانِ
هو أهلُهُ سـبحانَهُ وبحمـدِهِ كلُّ المحامدِ وصفُ ذي الإحسانِ
يقولُ سُبحانه ( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ) فلله الحمدُ والشّكرُ من قبلُ ومن بعد ، فاشكروا الله على هذه النعمة ، واسألوه سبحانه أن يباركَ لكم بها ،وأن يُنبِتَ لكم بها الزَّرع ، ويُدّرَ لكم بها الضَّرع ، وأن يفتح عليكم من بركات السماء والأرض ، فإن كثيراً من الناس ، لا يشكرون الله على هذهِ النعمةِ ، كما إنهم لا يشكرونهُ على غيرِها من النِّعَمِ ، وبعضهم ينسب نزول المطر ، إلى الكواكب وغيرها ، يقول زَيْدُ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ « أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِى مُؤْمِنٌ بِى وَكَافِرٌ بِى فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِى كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِى مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ } فالواجب أن يُنسبَ نُزولُ المطرِ ، وجميعُ النعم إلى الله تعالى (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) (النحل:53) وإنزال الغيث من أعظم نعم الله وإحسانه إليكم ، فيجبُ عليكم أن تشكروه عليه يقولُ تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (ابراهيم:7) كان أبو المغيرة إذا قيل له: كيف أصبحت؟ قال: "أصبحنا مغرَقين بالنعم، عاجزين عن الشكر" (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا) [إبراهيم:34]، فيجب الشكر والتقرب إلى الله تعالى ، بفعل الطاعات ، وترك المحرمات ، وانضروا إلى قومِ سبأ ، لما تنكَّروا لنعمِ الله وجحدوها ، وقابلوها بالعصيان ، سلبها الله منهم، وأذاقهم ألوانًا من العذاب،قال تعالى (فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَـٰهُمْ بِجَنَّـٰتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ *ذَلِكَ جَزَيْنَـٰهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجْزِى إِلاَّ ٱلْكَفُورَ) يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (النعمة موصولةٌ بالشكر، والشكر يتعلّق بالمزيد، ولا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر) ويقول الحسن رحمه الله: "إن الله يمتِّع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابًا"وإذا رأيت ربَّك يوالي عليك نعمَه وأنتَ تعصيه فاحذره، قال سبحانه: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ) وفي أثر إلهي { إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي } وفي أثر حسن { إبن آدم ما أنصفتني ! خيري إليك نازل ، وشرك إلي صاعد ، وكم أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك ، وكم تتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي ، ولا يزال الملَكُ الكريم ، يعرجُ إليَّ منك بِعَمَلٍ قبيح } فيا إخوة الإسلام والعقيدة ، لقد أصبح بنا من نعم الله مالا نحصيه ، مع كثيرة ما نعصيه ، فما ندري أيهما نشكر ! أجميل ما يسر ؟ أم قبيحَ ما ستر ؟ لقد أسبغ علينا نعمة ظاهرةً وباطنه ، وأَمَرَنَا بِشُكرِهِ ، فشكروا له ولا تكفروه ولا تكونوا كالذين قال اللهُ عنهم ، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ *جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم
الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً: أما بعد:أيها الأحبةُ في الله ،كان الحسنُ البصريُّ رحمه الله إذا ابتدأَ كلامَهُ يقولُ: الحمدُ للهِ ، اللهم ربَّنا لكَ الحمدُ بما خلقتَنا ، ورزقتَنا وهديتَنا وعلمتَنا وأنقذتَنا وفرجتَ عنا، لك الحمدُ بالإسلامِ والقرآنِ ولكَ الحمدُ بالأهلِ والمالِ والمعافاةِ، كَبَتَّ عدوَّنا وبسطتَ رزقَنا وأظهرتَ أمنَنا وجمعتَ فرقتَنا وأحسنتَ معافاتِنا، ومن كلِّ ماسألناكَ ربَّنا أعطيتَنا، فلكَ الحمدُ على ذلكَ حمداً كثيراً ولكَ الحمدُ بكلِّ نعمةٍ أنعمتَ بها علينا في قديمٍ أو حديثٍ أو سرٍّ أو علانيةٍ أو خاصةٍ أو عامةٍ أو حيٍّ أو ميتٍ، أو شاهدٍ أو غائبٍ، لكَ الحمدُ حتى ترضى ولكَ الحمدُ إذا رضيتَ ، رأى بكرُ بنُ عبدِ اللهِ المزني رحمه الله تعالى حمالاً عليهِ حِملَهُ وهو يقولُ: الحمدُ للهِ، أستغفرُ اللهَ، قالَ: فانتظرتُهُ حتى وضعَ ما على ظهرِهِ وقلتُ لهُ: أما تحسنُ غيرَ هذا؟ قال: بلى أحسنُ خيراً كثيراً: أقرأُ كتابَ اللهِ غيرَ أن العبدَ بينَ نعمةٍ وذنبٍ، فأحمدُ اللهَ على نِعَمِهِ السابغةِ وأستغفرُهُ لذنوبي فقالَ: الحمالُ أفقَهُ من بكرٍ.قالَ الفضيلُ بنُ عياضٍ رحمه الله تعالى: من عرفَ نعمةَ اللهِ بقلبِهِ وحمدَهُ بلسانِهِ لم يستقمْ حتى يرى الزيادةَ لقولِهِ تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ) عباد الله صلّوا رحمني اللهُ وإيَّاكم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقال{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذا القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكرونَ ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
المفضلات