الخطبة الأولى
الحمد لله الذي قدر فهدى ، وأخرج المرعى ، فجعله
غثاء أحوى , أحمد ربي حمدا يليق بجلاله , وعظيم سلطانه , واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له , تعظيما لشأنه ,واشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله , وصحابته وأتباعه , وسلم تسليما كثيرا إلى يوم لقاءه .
أما بعد فأوصيكم – أيها المسلمون - ونفسي بتقوى الله , فاتقوا الله عباد الله ((يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))
عباد الله : يوم الاثنين القادم يحل يوم عاشوراء ضيفا عزيزا على قلب كل مسلم , والذي يحمل معه من الخير الشيء الكثير , فالله جلا وعلا له الحكمة البالغة فيما يختار من إيقاع المقدور حيث الزمان والمكان , (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ))
عباد الله / في مثل هذا الشهر حدث في الكون حدث غير مجرى التاريخ , ووجه الحياة , إذ كان ذلك اليوم فيه فصل خصومة دامت عشرات السنين , بين الحق والباطل , تزعّم فيها الباطل أشقى الناس فرعون , وولي الحق فيها اسعد الناس موسى وهارون عليهما وعلى نبينا محمد صلوات ربي وسلامه ، فكانت الدوائر على الباطل وأهله , والنصرة للحق وأهله .
أيها المسلمون / لم يرد في كتاب الله تكرار شيء بكثرة كقصة موسى مع فرعون , فقد تكرر اسمه في القرآن ستا وثلاثين ومائة مرة ، ولعل من حكم تكرار اسمه في القرآن أن الله تعالى فصّل في حياة موسى ما لم يفصل في حياة الأنبياء الآخرين، فقد ذكر مراحل حياته منذ الطفولة، وما تعرض له من الفتون، وأمر أمه برضاعه , ووضعه في التابوت , وإلقائه في البحر، ثم ذكر رضاعها له بعد الوصول لبيت فرعون، ثم ذكر مراحل من شبابه ، وفصّل في دعوته للكفار
وهم الأقباط , ودعوته للمتدينين المنحرفين وهم بنو إسرائيل ، وذكر هلاك فرعون وقومه وقصته مع السحرة , ثم معاناته مع قومه بعد عبورهم البحر , وبعد عبادتهم العجل , وبعد تحريضهم على الذهاب للأرض المقدسة , إلى غير ذلك .
عباد الله / لما أراد الله إنهاء الصراع الدائر بين الحق والباطل هيأ لذلك الأسباب ففي اليوم العاشر من شهر الله المحرم عزم فرعون على القضاء على موسى وقومه كما قال تعالى (( فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ )) بعد أن أخرجه الله من تلك الجنات والعيون , ((فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ )) فهنا وعند الابتلاء يتمحص الإيمان الراسخ من ضده , وتتبين الأمور على حقيقتها , فسنت الله تأبى إلا وأن تظهر الحقائق طالت الأيام أم قصرت , قال موسى مقولة الواثق بنصر الله الموقن بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا : ((قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ )) فجاء الغوث والنصر المبين ((فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ )) وحينها وعلى البحر , الذي افتخر فيه فرعون من قبل بقوله (( وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ )) وبعد أن تكامل موسى وقومه خارجين , وتكامل فرعون ومن معه هالكين , أمر الله البحر بأن يعود على حالته الأولى , فكان من خبرهم ما قص الله علينا في كتابه , أجسادهم للغرق وأرواحهم للحرق ((النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )) ونجى الله فرعون بجسده ليكون لمن خلفه آية .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من ذنب وخطيئة , فاستغفروا ربكم يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ
وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً ... أمَّا بَعْدُ : عِبَادَ اللهِ /
لما أنجى الله موسى وقومه من كيد فرعون وملئه كان من شكر الله على موسى أن يصوم ذلك اليوم فصامه , وكان صيام ذلك اليوم مما تناقله أهل الكتاب الى وقت النبي صلى الله عليه وسلم , فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة كان يصومه مفردا , ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون هذا اليوم فسألهم عن ذلك فقالوا هذا يوم عظيم : نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه , فقال صلى الله عليه وسلم : (( فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم.ْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ )) ولقد علم النبي بما يفعله اليهود من الصيام في آخر حياته ولذلك لما علم بفعلهم أراد مخالفتهم فقال عليه الصلاة والسلام (( لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ . فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ))
وقد جاء في فضل صيام يوم عاشوراء أنه يكفر صغائر الذنوب للسنة الماضية , فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عاشوراء فقال : (( صِيَامُ عَرَفَةَ : إنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ))
فلنحرص أيها الإخوة على اغتنام الفرص , والتزود من الطاعات قبل الممات هذا وصلوا وسلموا على نبي الرحمة كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا ...
المفضلات