خُطبةُ جمعة
بعنوان
بدايةُ العام ونِهَايَتُهُ
للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي
والخطبة الثانية من خطبة للشيخ حسين الفريدي
إنتقيتها لكم هذا الأسبوع
أخوكم
عبدالله بن فهد الواكد
الْخُطْبَةُ الْأُولَى:
إنَّ الحمدُ للهِ،نَحْمَدُهُ،ونستعينُهُ،ونستغفِرُهُ،و نعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا،مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ حقَّ التَّقْوَى؛واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عبادَ اللهِ: لقدْ بُعثَ نبيُّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بالحنفيَّةِ السَّمْحَةِ، وَجَاءَ بالرِّسَالةِ الكَامِلةِ، ومَا مَاتَ إِلَّا وَقَدْ كَمُلَ الدِّينُ؛فَمَنِ ابتَدَعَ فِي الإِسْلَامِ فَقَدْ جَاءَ بشرعٍ لَمْ يُشَرِّعْهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ،ولقدْ حذَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ البِدَعِ؛فَقَالَوَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ،فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»() رَوَاهُ مُسْلِمُ وقالَ الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ عَبْدُ اللهِ بنُ مسعودٍ،رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فيمَا رَوَاهُ الطَّبرانيُّ بسندٍ صَحِيحٍ : ((اتَّبِعُوا ولَا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ)) . وقالَ أّيْضًا فيمَا رَوَاهُ الطَّبرانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : ((الاقتِصَادُ فِي السُّنَّةِ أَحْسَنُ مِنَ الاجتهادِ فِي البِدْعَةِ))() رَوَاهُ الحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ.
عبادَ اللهِ:لقدِ اشْتَدَّ نَكِيرُ أئِمَّةِ الهُدَى عَلَى مَنْ أَحْدَثَ فِي دينِ اللهِ وابتَدَعَ مَا لَمْ يأذنْ بِهِ اللهُ؛حتَّى جَعَلَ الإمَامُ أحمدُ التَّحذيرَ مِنْ البِدَعِ أفْضَلَ مِنْ صِيامِ النَّفلِ وَصَلَاةِ النَّفلِ؛والاعتكافِ،وكانَ يقولُ:" إذَا قامَ وصَلَى واعتَكَفَ فإنَّمَا هُوَ لنفسِهِ،وإذَا تكلَّمَ فِي أهلِ البدعِ فإنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ، هَذَا أفضلُ" . وكانَ شَيْخُ الإِسْلَامِ،رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ:"إنَّ تَحْذِيرَ الأُمَّةِ مِنَ البِدَعِ والقائلِينَ بهَا واجبٌ باتِّفَاقِ المُسْلِمِينَ" وَكَانَ يَقُولُ:"إنَّ أهلَ البِدَعِ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ المَعَاصِي الشَّهْوَانِيَّةِ " . وَهَا هُوَ الإِمَامُ مَالِكٌ – رحمَهَ اللهُ – يَقُولُ: " مَنِ ابتَدَعَ فِي الإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً فَقَدْ زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم خَانَ الرِّسَالَةَ "؛لأنَّ اللهَ يَقُولُ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )،فمَا لَمْ يَكُنْ يومَئِذٍ دِينًا فَلا يَكُونُ الْيَوْمَ دِينًا" .فمَا أَحْسَنَ هَذَا الكلامَ!ومَا أحوجَنَا إِلَى معرفَتِهِ، وفَهْمِهِ. إنَّ الإِحْدَاثَ فِي دِينِ اللهِ تشريعٌ جديدٌ؛حتَّى ولَو كانتْ نيةُ مَنْ قالَ بِهِ حَسَنَةً. قَالَ تَعَالَى أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ،فَهُوَ رَدٌّ»()،أي مردود عليه،رواهُ البخاريُّ ومُسْلِمٌ. فالنَّاسُ قَبْلَ مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا فِي جَاهِلِيَّةٍ جَهْلاءَ، وضَلَالَةٍ عَمْيَاءَ، حتَّى مَنَّ اللهُ عليهِمْ بِخَيْرِهِمْ،قال تعالى: ( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)،فمَا مَاتَ صلى الله عليه وسلم حتَّى بَلَّغَ الرسالةَ، وأَدَّى الأمَانَةَ،وَنَصَحَ الأُمَّةَ،وَكَشَفَ اللهُ بِهِ الْغُمَّةَ،وَتَرَكَهُمْ عَلَى المَحَجَّةِ البَيْضَاءِ،ثُمَّ قَامَ أّصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ بأدَاءِ الواجِبِ، وَوَرَّثُوهُ لتَلامِذَتِهِمْ، ولكنَّ حِكْمَةَ اللهِ قَضَتْ أنْ يَكُونَ كُلُّ جِيلٍ أقلَ مِمَّنْ سَبَقَهُ فِي العِلْمِ والتَّقْوَى، وكُلَّمَا تَقَادَمَ الزمانُ نَقُصَ العلمُ، وكثُرَ الجَهْلُ ؛ روَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُقْبَضُ العِلْمُ، وَيَظْهَرُ الجَهْلُ وَالفِتَنُ "() رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وقدْ حَصَلَ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم ، فانتشَرَ الجهلُ، وقلَّ العلمُ ؛ وَذلِكَ بِقَبْضِ العُلًمَاءِ، قالَ صلى الله عليه وسلم ،:«إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ،حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا،اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» ()رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم :«يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ،يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ،وَلَا آبَاؤُكُمْ،فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ،لَا يُضِلُّونَكُمْ،وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ»()رَوَاهُ مُسْلِمٌ
عِبَادَ اللهِ:إنَّ عَلَى الأُمَّةِ أنْ تَقِفَ صَفًّا وَاحِدًا فِي وَجِهِ هَذِهِ البدعِ وَالمُحْدَثَاتِ،وَأنْ تَسِيرَ عَلَى النَّهْجِ الَّذِي سَنَّهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ،وَلَقَدِ اِسْتَشْرَتِ البِدَعُ فِي أُمَّتِنَا؛وَفَي غَالِبِهَا تقليدٌ للنَّصَارَى؛فاحتَفَلَ النَّصَارَى بِعِيدِ مِيلَادِ الْمَسِيحِ الْمَزْعُومِ؛فَأَحْدَثَ بَعضُ جُهَّالِ هَذِهِ الأمَّةِ عيدًا لِمِيلَادِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ بِإِحْدَاثِ بِدْعَةَ الاحتِفَالِ بِمَوْلِدِهِ صلى الله عليه وسلم ،واحتفَلَ النَّصَارَى بِعِيدِ رَأْسِ السَّنَةِ الْمِيلَادِيَّةِ؛ فَحَاكَاهُمْ جُهَّالُ الأمَّةِ ؛ فَاحتَفَلُوا برأسِ السَّنَةِ الْهِجْرِيَّةِ حَتَّى أَصْبحَتْ تُعَطَّلُ الأَعْمَالُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ الإِسْلَامِيَّةِ ؛ فِي الْيَوْمِ السَّابِقِ لَهُ، واليومِ اللَّاحِقِ لَهُ،وَأَوَّلُ مَنِ اِحْتَفَلَ برأسِ السَّنَةِ الْهِجْرِيَّةِ هُمْ مَنْ أَحْدَثُوا الْقُبُورَ وَالأَضْرِحَةَ؛بَنُو عُبَيدِ اللهِ القداحِ؛ذكَرَ المقريزيُّ فِي خُطَطِهِ بِأَنَّ لِلْخُلفاءِ الْفَاطِمِيِينَ اِعتنَاءًا بِلَيْلَةِ أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ فِي كُلَّ عَامٍ؛لأنَّهَا أَوَّلُ لَيَالِي السَّنَةِ،قَلْتُ:وَمَا هَذَا إِلَّا تَقْلِيدٌ لِلْغَرْبِ،وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» ()رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الألبَانِيُّ،وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ،رَحِمَهُ اللهُ،فِي الاِقْتِضَاءِ:وَهَذَ الْحَدِيثِ ظَاهِرُهُ الْكُفْرِ،وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ التَّحْرِيمُ .
عِبَادَ اللِهِ الْبِدَعُ بَابٌ لِإِمَاتَةِ السُّنَنِ؛ وصَدَقَ ابنُ عَبَّاسٍ- رضيَ اللهُ عنهمَا- عندَمَا قَالَ: (( مَا أَتَى عَلَى النَّاسِ عَامٌ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً، وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً، حتَّى تَحْيَا الْبِدَعُ وتَمُوتُ السُّنَنُ ))() رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَندٍ صَحِيحٍ. فهَا نَحْنُ نَجِدُ الآنَ مَنْ يزرعُونَ فِي النَّاسِ بِدَعًا مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ؛ فَيُحْيُونَ بِدَعًا وَيُمِيتُونَ سُنَنًا ؛ فَتَجِدُ مَثلاً مَنْ يَرْسِلُ لَكَ فِي نِهَايَةِ العَامِ عَبْرَ شَبَكَاتِ التَّوَاصِلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ، رَسَائِلَ يَقُولُ لَكَ فِيهَا : ((هَذِهِ آخِرُ جُمْعَةٍ فِي العَامِ فَلَا تُفَرِّطَنَّ فيهَا بالدُّعَاءِ فاختِمْ عامَكَ بِخَيْرٍ)). وَمَا أَدْرِي: مَنِ الَّذِي فَرَّقَ بينَ آخِرِ جُمْعَةٍ فِي الْعَامِ وَمَيَّزَهَا عَنْ بَاقِي الجُمَعِ؟!ورسالةٌ تَقُولُ(لا تَفُوتَنَّكَ صَلَاةُ الْفَجْرِ جَمَاعَةٌ فِي آخِرِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ)) ومَا أَدْرِي لمَاذَا لَمْ يَحُثُّونَا عَلى أَلَّا نُفَرِّطَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ طَوَالَ الْعَامِ؟! وكأنَّ التَّفْرِيطَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ جَمَاعَةٌ فِي بقيةِ الْعَامِ عِنْدَهُمْ،أَمْرٌ لَا وِزْرَ فِيهِ،ولَا خَطَرَ مِنْهُ،وَثَالِثَةٌ تَقُولُ(لَا يَفُوتَنَّكَ صِيَامُ آخِرِ يومٍ فِي السَّنَةِ؛ فلَا تُفَرِّطَنَّ فِي صِيَامِ هَذَا الْيَوْمِ حَتَّى تَخْتَتِمَ عَامَكَ بِخَيْرٍ؛وإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ))،وَمَا عَلِمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْخَاتِمَةَ هِيَ خَاتِمَةُ الْعُمْرِ،ولَيْسَتْ خَاتِمَةَ السَّنَةِ،وَخَاتِمَةُ الْعُمْرِ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُحَدَّدٌ،فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ،بَلْ وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ،وَلَيْسَ فِي آخِرِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ أَوْ أَوَّلِ يَوْمٍ فِيهَا. فكأنَّ المُرسِلَ يَقُولُ لَنَا:" اِسْتَقِيمُوا فِي آخِرِ يَوْمٍ،وَأَوَّلِ يَوْمٍ،وَلَا يَضُرُّكُمْ أَنْ تُفَرِّطُوا فِي بَقِيَّةِ الْعَامِ !!. وَرِسَالَةٌ رَابِعَةٌ تَقُولُ(لَا تَفُوتَنِّكَ صَلَاةُ الْفَجْرِ جَمَاعَةً فِي أَوَّلِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ"،وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاؤوا بِذَلِكَ ؟ فَمَا وَرَدَ حَدِيثٌ لَا صَحِيحٌ، ولَا سقيمٌ، ولَا أَثَرٌ عنْ صَحَابِيٍّ، ولَا عَنْ تَابِعِيٍّ، مُيِّزَ فيهِ آخِرُ فَجْرٍ أَوْ أَوَّلُ فَجْرٍ فِي الْعَامِ عَنْ غيرِهِ؛ ومَا مُيَّزَتْ صَلَاةٌ عَنْ غَيْرِهَا؛إِلَّا صَلَاةَ فَجْرِ يَوْمِ الْجُمْعَةِ فِي جَمَاعَةٍ؛لِلْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ : ((أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ اللهِ؛ صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ فِي جَمَاعَةٍ)) .() أَخْرَجَهُ أبُو نُعيمٍ فِي " الحِلْيَةِ " وَفِي صِحَّةِ ثُبُوتِهِ نَظَرٌ، وَهَذَ وَأَمْثَالُهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَيُّ دَلِيلٍ شَرعِيٍّ؛وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا اِسْتَحْسَنَتْهُ عقولُ بَعْضِ النَّاسِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ،وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى،وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى،وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللهِ، وَيَسْتَمِرُّ الْحَدِيثُ عَنِ الْبِدَعِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ خَطَرِهَا؛ فَهَذِهِ رِسَالَةٌ أُخْرَى تَصِلُ لِبَعْضِنَا تَحُثُّهُمْ عَلَى صِيَامِ أَوَّلِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ . وَالْحَثُّ عَلَى صِيَامِهِ لأنِّهُ أولُ يومٍ فِي السَّنَةِ بِدْعَةٌ؛ لأنَّ الأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ ؛ فَصِيَامُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرمِ؛ هُوَ أفضلُ الصَّيامِ عِنْدَ اللهِ بعدَ صِيامِ رَمَضَانَ ؛ لِقَوْلِهِ r : ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ))() رَوَاهُ مُسْلِمٌ . فَانْظُرْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ لَا يَكَادُونَ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ !! فَبَدَلاً مِنْ أَنْ يَحُثُّوا النَّاسَ عَلَى صِيَامِ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ اِقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، حَثُّوهُمْ عَلَى صِيَامِهِ؛ اِقْتِدَاءً بِمَا اِسْتَحْسَنَتْهُ عُقُولُهُمْ ، وَمَا تَوَافَقَ مَعَ أَمْزِجَتِهِم، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، فَأَصْبَحَ هَذَا الصَّائِمُ بِصَوْمِهِ مَأْزُورًا غَيْرَ مَأْجُورٍ ؛ فَمَنْ نَوَى صِيامَه لأنَّه أَوَّلُ يومٍ في السنةِ؛ فقدْ صَامَهُ بِسُنَّةٍ مَا أَنْزَلَ اللهُ بهَا مِنْ سُلْطَانٍ؛ وَمَنْ نَوَى صِيامَهُ لأنِّهُ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ؛ اِقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ فقَدْ أَصَابَ السُّنَّةَ وَجَافَى الْبِدْعَةَ. وَمِنْ أَحْدَثِ الرَّسَائِل؛رِسَالَةٌ اِنْتَشَرَتْ بَيْنالنَّاسِ تَقُولُ: تَصَدَّقْ مِنْ رَاتِبِ آخِرِ شَهْرٍ فِي الْعَامِ؛فَالْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ . وَالصَّدَقَةُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا طُوَالَ الْعَامِ لَا مَزِيَّةَ فِيهَا لِشَهْرٍ عَنْ غَيْرِهِ؛إِلَّا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَالْعَشْرَ الْأَوَائل مِنْ ذِي الْحِجَّةِ،وَمَا عَدَا ذَلِكَ تَتَسَاوَى الْأَيَّامُ وَالشُّهُورُ. فَوَاللهِ ، مَا أَصْعَبَ نَزْعَ الْبِدْعَةِ إِذَا أُشْرِبَتْهَا الْقُلُوبُ وَاِسْتَحْسَنَتْهَا الْأَمْزِجَةُ وَالْعُقُولُ ! فَوَأْدُهَا قَبْلَ اِسْتِفْحَالِهَا أَيْسَرُ مِنْهُ بَعْدَ اِنْتِشَارِهَا وَاِسْتِشْرَائِهَا.
عِبَادَ اللهِ:إِنَّ الْبِدَعَ الَّتِي أَحْدَثَهَا بَعْضُ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ فِي بِدَايَةِ الْعَامِ،وَفَي نِهَايَتِهِ، أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرْتُهُ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اِسْتِقْصَائِهَا وإنَّمَا ذَكَرْتُ لَمَمًا مِنْهَا.
وقَانَا اللهُ وإِيَّاكُمْ شَرَّ الْبِدَعِ،وَهَدَانَا لِلْسُّنَنِ وَجَعَلَنَا نَقْتَدِي بِخَيْرِ الْبَشَرِ،اللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ وسَارَ عَلَى نَهْجِ خَلِيلِكَ وَمُصْطَفَاكَ.
المفضلات