الحمدُ للهِ الكريمِ الوهابِ ، ( غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) أشهدُ أن لا إلهَ لنا غيرُهُ ولا ربَّ لنا سواهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، خيرَ من صلىَّ لربِهِ وأنابَ صلىَّ اللهُ عليه وعلى الآلِ والأصحابِ ، ومن سارَ على نهجِهِم واتبعَ طريقَهُم إلى يومِ الحسابِ، وسلم تسليماً كثيراً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً): أما بعدُ : أيُّها الأحبةُ في الله: فإن
كلَّ إنسانٍ منَّا ، مَليءٌ بالعيوبِ والذنوبِ ،(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) ولكنَّ الإنسانُ مِنَّا ، لا يرى عيبَ نفسِهِ ، أو يراهُ ويتجاهلُهُ ، ويبعدُهُ عن أنظارِ النَّاسِ ، خوفاً من رُؤيتِهِم إليه ، ولا يخشى رؤيةَ اللهِ تعالى له ولأعمالِهِ(الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ*وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)ويقول عليه الصلاةُ والسلام ، كما في صحيحِ مسلم ، من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ}فالقلبُ هوَ مَحِلُّ نظر الرّب جلَّ وعلا ، وأحدُنا يبعدُ عَيبُهُ عن أنظارِ النَّاسِ واللهُ مُطلِعٌ على أسرارِهِ ،و دائماً يَرى أحدُنا نفسَهُ على الخيرِ ، بل ربما ذمَّ غيرَهُ بما هو واقعٌ فيهِ ، فَبعضُ النّاسِ لو عاتبَهُ أحدٌ ، على عيبِهِ وذنبِهِ ، غَضِبَ لذلك ، وأقامَ الدُّنيا ولا أقعدَهَا ، وربما مُدحَ بما ليس فيهِ ، ففرحَ بذلك ، هذه حالُ كثيرٍ من الناسِ اليومَ ، يُحبون ( أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا) هكذا بعضُهُم ، تُعجِبُهُ نفسُهُ ، ويعتقدُ أن أراءَهُ صائبةٌ ، وأخلاقَهُ حسنةٌ ، وينتقدُ الناسَ ، ويَرى نقائصَهُم وعيوبَهُم، ولكنَّه عاجزٌ ،عن معرفةِ عيوبِ نفسِهِ ، بحيثُ لايراها عيوباً أصلاً ، وهذا مَثَلُهُ كمَثلِ العَينِ في الوجهِ ، فالإنسانُ يستطيعُ أن يَرى بعينِهِ ، البعيدَ والقريبَ ، وأَن يُميَّزَ بينَ الأشياءِ ، ولكنَّهُ لا يستطيعُ أن يرى عينيه ، التي في وجهِهِ، إلا عن طريقِ المرآةِ ، و المرآة ُ : هنا ، هو الأخُ الصالحُ ، والصديقُ الناصحُ ، الذي يعاشرُكَ ، ويَعرفُ أحوالَكَ وطباعَكَ ، ولا يجاملُكَ ابتغاءَ نيلِ رضاكَ ، بل يذكرُ لك العيوبَ ، التي رآها فيكَ ، ويُنبهُكَ عليها ، ويَنصحُكَ بتركِهَا ،قال الحسنُ رحمهُ اللهُ : " المؤمنُ مرءآةُ أخيه ، إن رأى مِنهُ مالاَ يُعجبُهُ ، سدَّدَهُ وقومَهُ ونصحَهُ "وهناك طريقٌ آخرٌ ، لمعرفةِ عيوبِ النفسِ ، وهو كلامُ الخصومِ والأعداءِ ، فإن عينَ السُخطِ كما قالَ الأولُ :
وعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كلِّ عَيْبٍ كَلِيْلَةٌ
كما أنّ عينَ السُّخط تُبدِي المَساوِيا
ولعل انتفاعَ الإنسانِ ، بِخصمٍ مُجاهرٍ بالعداوةِ ، أكثرُ من انتفاعِهِ ، بصديقٍ مُراءٍ مُداهنٍ ، فالعدوُّ ، يُبالغُ في نشرِ عيوبِكَ ونقائِصِكَ بينَ الناسِ ، والعاقلُ ، يغتنمُ هذه الفرصةَ ، ويَنتَفعُ بقولِ عدوِّهِ ، ويَبذلُ جهدَهُ ، بالتّخلُصِ من العيبِ ، الذي يتبينُ وجودُهُ فيه ، وعُيوبُ النَّفسِ كثيرةٌ جُدّاً ، يجبُ التفطنُ لها ، ومعالجةُ القلبِ منها ، وتنظيفُ النفسِ من آثارِها ، فمن عُيوبِ النفسِ كثرةُ الذنوبِ ، واتباعُ الهوى ، والغفلةُ والتواني والكسلُ ، والشحُّ والبخلُ ، والِحرصُ ، والطمعُ ، والحسدُ ، والإشتغالُ بعيوبِ الناسِ ، وكثرةُ الخوضِ ، في أسبابِ الدنيا ، وطلبُ الرئاسةِ ، والتكبرُ والخوفُ على الرزقِ ، وكثرةُ التمني ، وقلةُ الاعتبارِ ، وتضييعُ الأوقاتِ في مالا يعني ،و الكيِّسُ كما قالَ النبي e{ الكيِّسُ من دانَ نفسَهُ وعملَ لما بعدَ الموتِ والعاجزُ من أَتبَعَ نفسَهُ هواها وتمنَّى على اللهِ الأماني } رواه الترمذيُّ وغيُره ، قال بعضُ العلماءِ ، من عرفَ نفسَهُ أشتغلَ بإصلاحِها ، عن عيوبِ الناسِ ،وقال الحسنُ رحمه اللهُ ، على قولِه تعالى ( وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة ِ) " قالَ إن المؤمنَ ، ما نراه إلا يلومُ نفسَهُ ، ما أردتُ بكلمتي ؟ ما أردتُ بأكلتي ؟ ما أردتُ بِحديثِ نفسِي ؟ وإن العاجزَ ، يمضي قُدُماً ما يعاتبُ نفسَهُ " واللهُ عزَّ وجلَّ إذا أرادَ بعبدٍ خيراً ، بَصَّرَهُ بعيوبِ نفسِهِ ، فَمَنْ كَمُلتْ بصيرتُهُ ، لم تَخْـفَى عليه عيوبُهُ ، وإذا عرفَ العيوبَ أمكنَهُ العلاجُ ، ولكِنَّ أكثرَ النَّاسِ ، جاهلونَ بعيوبِهِم ، فَنظرْ أخي المسلم ُفي نفسِكَ ، هل تجدْها عاملةً بمقتضى الدينِ ، هل أتيتَ بالصلاةِ على الوجهِ الأكملِ ؟ هل اجتنبتَ المعاصي المنافيةَ للدينِ ؟ هل تجدُ في نفسِك حياءً من اللهِ بيقينٍ ؟ هل أنتَ سالمٌ من الكذبِ والخيانةِ والاحتيالِ ؟ هل أنتَ سالمٌ من الرياءِ في أقوالِكَ وأعمالِكَ ؟ هل أنتَ سالمٌ من الربا في معاملاتِك ؟ هل أنتَ سالمٌ من المداهنةِ والنفاقِ ؟ هل أنتَ سالمٌ من الغيبةِ والنميمةِ ؟ هل أنتَ سالمٌ من البهتِ واللعنِ وسيءِ المقالاتِ ؟ وهل قُمتَ على أولادِك ، للصلاةِ والتوجيهِ إلى الأعمالِ الصــالحةِ ؟ فعلى كلِّ واحدٍ منا ، أن يتفقدَ نفسَهُ بدقةٍ كلَّ يومٍ ، ويعالجَ ما به من هذه الأمراضِ والمهلكاتِ ، فإنها أشدُ ضرراً وفتكاًَ ، من أمراضِ البدنِ التي لا نصبُر عليها ، إن لم نجدْ لها علاجاً في الداخلِ ذهبنا إلى الخارجِ رجاءَ بُرئِها ، والنّفسُ أولى بالتفقدِ والمحاسبةِ... بارك الله لي ولكم في القران العظيم
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً ، أمّا بعد : الأخوةُ في اللهِ ، يقولُ مالكُ بنُ دينارٍ " رحمَ اللهُ عبداً قال لنفسِهِ ألستِ صاحبةُ كذا ؟ ألستِ صاحبةُ كذا ؟ ثم زمَّها ثم خطَمَهَا ، ثم ألزمَهَا كتابَ اللهِ تعالى فكان له قائداً " فحقٌ على الحازمِ المؤمنِ باللهِ وباليومِ الآخِر ، ألا يغفلَ عن محاسبةِ نفسِهِ ، ومساءلتِها ، وأطرِها على الحقِّ أطراً ...
والنَّفْسُ كالطِّفْلِ إنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى
حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم
وأبلغُ من ذلك قولُ اللهِ تعالى ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ وحاسبوا أنفسَكم قبلَ أن تحاسبوا وزنوها قبلَ أن توزنوا وتأهبوا للعرضِ الأكبرِ على اللهِ ، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) فخذوا حذرَكُم قبلَ حلولِ الأجلِ وانقطاعِ الأملِ ، وفواتِ الأوانِ ، واعملوا بوصيةِ اللهِ في كتابِهِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) وحقٌ عندَ اللهِ عز وجل ما من عبدٍ أطاعَهُ واتقاهُ وخافَهُ وخشاهُ ، إلا كان اللهُ مولاهُ ، وحقٌ لمن آمنَ باللهِ صدقاً ، وتذللَ له عبوديةً ورقاً ، أن يخرجَه من الدنيا ،برحمتِه الواسعةِ ، عبادَ الله صلُّوا رحمني اللهُ وإيَّاكم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقالَ بأبي هُوَ وأُمي{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ . اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ،والشيعةَ والشيوعيين ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رِضَاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا ، وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا ، وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات