هيام القلوب والأرواح
بسم الله الرحمن الرحيم
تهيم القلوب والأرواح في هذه الأيام إلى مهبط الرحمات الذي جهزه لنا الملك العلام فكلنا يود أن يذهب إلى بيت الله الحرام ويملأنا الشوق ويعاودنا الحنين حتى أن بعضنا من شدة شوقهم إذا ناموا يرون أنفسهم في تلك البقاع يطوفون أو يسعون أو يقفون لأن الجميع يشتاق إلى بيت الله
هذا حال المؤمنين ممن اختارهم الله لزيارته كلهم شوق وحنين وحب وأنين خاصة من أسمعه الله نداءه على لسان الخليل فقلبه مملوء بالشوق وفؤاده لا يستقر في مكانه لأنه هائم هيام دائم في بيت الله لماذا هذا الحنين؟ ولماذا هذا الشوق؟
هذا لأن الله يقول {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ{96} فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} {96 - 97آل عمران}
إن أول بيت وضع للناس في الأرض هذا البيت كيف تم ذلك؟ عندما أهبط الله آدم عليه السلام ونزل في سرنديب في بلاد الهند ونزلت الجدة حواء في جدة وسميت بهذا الاسم لأنها هبطت بها وأخذ يدعو الله ويستغيث بالله كما تقول إحدى الروايات ثلاثمائة عام وهو يبكي أسفاً على ما فرط في جنب الله وعلى النعيم والمقام الكريم الذي حرم منه بعد أن أهبط إلى الأرض
وفي هذا الندم والأسف نزل عليه الأمين جبريل ووجهه إلى هذا البيت الكريم وقال له يا آدم اذهب إلى البيت وطف حوله يغفر الله لك فجاء آدم عليه السلام من بلاد الهند ماشياً غير أن الله بقدرته كان يطوي له الأرض حتى وصل إلى البيت وكان البيت ليس كهيئته هذه وإنما صخور مرتفعة بناها الملائكة عليهم السلام فطاف حوله
وهو أول من طاف بالبيت من البشر وإن كان البيت لا يخلو من طائف في لحظة من ليل أو نهار فقد ورد في الأثر {لا يخلو هذا البيت من ستمائة ألف يطوفون به كل يوم وليلة فإذا لم يتموا العدد من البشر أتمه الله من الملائكة}
هذا المكان منذ أن خلقه الله وهو مكان للرحمات ومهبط للبركات يذهب الخطايا ويأتي بالفضل من الله للزائرين وللسائلين وللعاكفين وللركع السجود هذا البيت في أي بلد؟ {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} آل عمران96
لم لم يقل الله مكة؟ هي مكة وبكة وأم القرى وهي البيت الحرام وقال الله بكة لأن الله آلى على نفسه أن يبك (يدق) أعناق الجبابرة الذين تسول لهم أنفسهم أن يعتدوا على حرمة البيت فهي بكة لأنها تبك (تدق) أعناق الجبارين الذين يريدون أن يؤذوا الطائفين والعاكفين ببيت رب العالمين وإذا كانت الحيوانات والطيور تتأدب مع بيت الله كأنها فهمت قول الله {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} آل عمران97
وأخذت على نفسها العهد ألا تؤذي أحد من أجناسها فقبل الإسلام ولم يكن للبيت سور يحيط به ولا أبواب تغلق فكانت الحيوانات المتوحشة يجري بعضها إثر بعض ليقتنص فريسته فإذا جرت الفريسة ودخلت حدود الحرم وقف الوحش بدون حراك كأنه يعلم أن هذا حرم وأن هذا مكان آمن
وأنتم تحفظون جميعاً قصة فيل أبرهة عندما كانوا يوجهوه جهة الشام فيمشي وجهة اليمن يمشي أما جهة البيت فيصرخ فيحمو الأسياخ في النار وينخسونه بها فلا يتحرك لأنه يعلم شدة عقاب الله لمن يجترئ على ساحة فضل حرم الله
حتى أن الحيات وهي العدو اللدود للإنسان لا تؤذي إنساناً في الحرم ولا تروع إنساناً في البلد الأمين والطيور كذلك تقف على المصلين وتطير ذات اليمين وذات الشمال ولكنها تطوف كما أمر الله المؤمنين بالبيت لو نظرت إليها لا تجد طائراً يعلو البيت الحرام إلا إذا كان به مرض
فالحمامة التي تمرض يلهمها الله أن شفائها في الوقوف على ظهر البيت للحظات فتصعد على ظهر البيت وتقف عليه للحظات فتشفى بأمر الشافي أما الحمامة السليمة فإنها تطوف حوله كما يفعل المؤمنون وكما تفعل الملائكة وكما فعل النبيون والمرسلون أجمعون والكل ينفذ أمر رب العالمين {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
المفضلات