الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد: أيها الإخوة والأخوات / إذا كانت الذنوب والمعاصي أعظم مايحمل على الظهر فإن عفو الله أجل مايرجى وأعظم مايطلب ومن أعظم الدلائل على أنه أعظم مايطلب أن عائشة رضي الله عنها وهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ولها حق عظيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم استنصحته وهو الناصح الأمين لكل أحد فكيف بزوجته عائشة رضي الله عنها ، فقالت يارسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال (قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني )) رواه الترمذي وصححه الألباني .
تقول رضي الله عنها إن تيسر لي أن وفقت بليلة القدر بعدما علمت بعلاماتها وأماراتها وأنني فيها فماذا أقول فيها ؟ فالساعة أيا الإخوة والأخوات عظيمة والليلة جليلة والمطلب عظيم والمستنصح عزيز فقال : ((قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني )) فأجمل صلى الله عليه وسلم نصحه للصديقة بنت الصديق بأن تقول : (( اللهم ))أي ياالله ، (( إنك عفو )) أي من أسمائك أنك عفو ومن صفاتك الحسنى العفو وهذا فيه ثناء على الله فيما هو أهل لذلك (( تحب العفو )) أي من صفاتك أيها الرب الجليل الكريم أنك تحب العفو ففيه إثبات صفة المحبة لله ، وفيه إثبات أن مما يحبه الله العفو والتجاوز والصفح ، فلما ذكر هاذين التوسلين العظيمين ختم الدعاء بالطلب (( فاعف عني )) ومن عفا الله عنه ساد ونال غايته وحقق أمانيه ولم يبق شيء يخشاه فلا تطيب الدنيا إلا بذكره ، ولاتطيب الآخرة إلا بعفوه ولاتطيب الجنة إلا برؤيته ، فقال لأمنا أم المؤمنين رضي الله عنها (قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني )) فعلم صلى الله عليه وسلم حاجة العباد لعفو الله ، فلما استنصحته دلها على هذا الدعاء فيفهم من هذا حاجتنا جميعا إلى عفو الله تعالى ، وإن لم يعفو عنا هلكنا ، وقد قيل :
إله لا تعذبني فإني مقرٌّ بالذي كان مني
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الخلق إن لم تعفو عني
وكل الناس يعدون أشراراً فجاراً إن لم يعفو عنهم ربهم ، والعفو مأخوذ من الصفح عن ذنب يجوز مؤاخذة العبد عليه ؛ يعني ثبت الذنب عليه والعقوبة عليه ودليله أن الله لما ذكر القصاص في القرآن فقال (( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ )) أي ثبت له الحق وأنه ولي الدم ، وأن القصاص أو الدية أو العفو كلها استقرت على القاتل وأصبح لا مناص من أن يفر عنها فقال ((فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ )) وهذا معنى العفو وهو أن الإنسان يملك حقاً على غيره ثم يتنازل عنه ويصفح ، وإن فعل هذا رجاء ما عند الله فإن الله خبّأ له عظيم الأجر والمثوبة وأبهم أجره بجنان الله ، قال تعالى (( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )) وفي هذا تنبيه لنا على أن نعفوَ على من ظلمنا ، والمقصود من هذا أن عفو الله أعظم مرغوب وأجل مطلوب لأن الإنسان لايخلو من معصية في ليل أو نهار في سرٍّ أو علانية في صغر أو كِبر ، ورمضان من أعظم المواطن التي يرجى فيها عفو الله .
نسأل الله الكريم أن يعفوَ عنا وأن يوفقنا إلى طاعته ويستعملنا في مرضاته ويسلك لنا مسلك الصالحين ويحسن لنا الختام ويتقبل منا صالح الأعمال إنه جواد كريم،وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه .
* بتصرف بسيط من كلام فضيلة الشيخ صالح المغامسي حفظه الله.
المفضلات