[align=justify]في مثل هذا اليوم من عام ١٩٨٧م وجدت رصاصة غادرة طريقها لوجه رسام الكاركتير ناجي العلي أدخلته في غيبوبة انتهت بوفاته يرحمه الله ، ليرحل بعد أن أثبت لنا بأن السلاح الذي تقاوم به عدوّك لا يشترط أن يكون بندقية بل قد يكون قلماً يكتب مقالاً أو قصيدة ، أوقد يكون كلمةً تصدح بها من على منبر فتصمّ آذان الطغاة ، أو قد يكون ريشةً ترسم لوحة تلخّص لنا معاناة أمة ، أو حتى وردةً تقتل بسلميّتها أشواك العدو .
رحل ناجي العلي رحمه الله وترك لنا من بعده يتيمه الذي عايش جُلّ لوحاته "حنظلة" ؛ ليعيش من بعد غيبوبةً وغياباً لا ندري بأي شيء سينتهي ؛ هل بنصر مؤزر وحق مُستردّ ، أم بموت إحساسنا به وبكل من هو على شاكلته والمسارعة في إصدار شهادة وفاة للضمير في داخلنا ... من يدري ؟! .
حنظلة ذلك الطفل الذي رحل ناجي العلي نحو ربّه دون أن يرينا وجهه ، حنظلة ذلك الطفل الذي كان شاهداً على كل لوحات ناجي العلي مقبلاً عليها بوجهه ومعطياً إيّانا ظهره وكأنه يريد منّا أن ننتبه لتلك الأحداث معه لا أن ننتبه له هو ، ليجعل منّا شهوداً على حقبة من التاريخ مرّت وهذه الحقبة ستكون شاهدة لنا أو علينا ولا ريب .
حنظلة ناجي العلي عيّنة ليس إلاّ ، ففي كلّ وادٍ في بلادنا العربية والإسلامية "بنو حنظلة" ، وحيثما يمّمت وجهك وجدت حنظلة بثوب مرقع وقلب كاد أن يتقطع ، يراقب وضعاً مأساوياً في بلده ينتظر من يغيثه ويستجيب لصرخاته ، وما أطفال فلسطين وسوريا والعراق وبورما وغيرهم وغيرهم إلا حنظلة مهما اختلفت الأسماء والأشكال واللغات .
في بلادي يتواجد حنظلة من نوع آخر أيضاً لكنه في النهاية حنظلة ، يقاسي ويعاني ويشاهد ويراقب كما كان يفعل حنظلة ناجي العلي ، إنه حنظلة البدون الذي وُلد بلا شهادة ميلاد ومن أبوين تزوّجا بلا عقد زواج موثّق وفي بيت لا يعكس شكله مضمون اسمه ، وحُرم حتى عهد قريب من حق التعليم والعلاج المجاني ، وحُرم من اللعب في الساحات كحال أقرانه وبات يقضي جُلّ وقته يبيع الخضار والرّقي والبَنَك والألعاب على الأرصفة لا يثنيه عن ذلك حر ولا برد ويستوي في عينيه الصحو والغبار .
حنظلة البدون يقف مراقباً عن كثب معطياً ظهره لخصومه الذين يعيثون في أرض الوطن فساداً وهم عن قضية حنظلة في شغل وهو ينظر إلى صنيعهم به وبالوطن وما هو في عين نفسه إلا نتاج جيل رابع لمأساة ليس له فيها يد ، فتارة تجده يقول : هذا ما جناه أبي عليّ ، وتارة يقول : ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، وفي كل الأحوال يجد نفسه مضطرّاً لدفع ثمن خطأ لا يعرف من ارتكبه ولماذا ؟! .
حنظلة ناجي العلي كانت قضيته "فلسطين" ، وحنظلة البدون في ظل هذا التناحر بين أبناء الوطن صارت قضيته "بفلسين" ، وسيبقى حنظلة البدون معطياً ظهره لكم منتظرا إنصافكم له ، دون أن يريكم وجهه كما فعل حنظلة ناجي ، مع أن حنظلة في كلا الحالين له وجه واحد وليس وجوهاً متعددة مثلكم ، ووجه حنظلة بل ووجهته هي المعاناة أينما وجدت لأنه يؤمن حق الإيمان بأنّ في كل وادٍ "بنو حنظلة" .[/align]
المفضلات