الحمدُ للهِ الذي أحكمَ بحكمتِهِ ما فطرَ وما بنى ، وقربَّ من خلقِهِ برحمتِهِ ، من تقربَ ودنا ، ورضيَ بالشكرِ من بريتِهِ ، لنعمِهِ ثمناً ، أمرَنا بِعِبادَتهِ لا لحاجتِهِ ، بل لنا ، يغفرُ الخطايا ، لمن أساءَ وجَنَا ، أحمدُهُ مُسِراً للحمدِ ومُعلِناً ، وأشهدُ أن لا إله إلاَّ هو، يُجزلُ العطايا لمن كان مُحسِناً ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، إمامَ الهدى ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الأمناءِ ، وسلَّم تسليماً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) أما بعد : أيُّها الأحبةُ في الله ، أَقبلَ موسمُ الطاعةِ ، وميدانُ العبادةِ ، ومجالُ الصدقةِ ، وشهرُ التوبةِ ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرآنُ هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيْنَاتٍ مِّن الْهُدَى وَالْفُرْقَان ) أَقبَلَ في مُدةٍ يسيرةٍ ، وفَترةٍ وجيزةٍ ، وسُرعةٍ رهيبةٍ غَرِيبةٍ ، وسوف تنصرمُ أيامُهُ ، وتنقضي ساعاتُهُ ، وتسارعُ أوقاتُهُ ، ونفاجؤُ به وقد بقي قليلُهُ ، وأَزفَ رَحِيلُهُ ، روى الإمامُ أحمدُ والنسائيُ ، عن أبي هريرةَ t ، قال : كانَ رسولُ اللهِ e ، يبشرُ أصحابَهُ بقدومِ شهرِ رمضانَ فيقولُ : { جاءَكم شهرُ رمضانَ ، شهرٌ مباركٌ ، كتبَ اللهُ عليكم صيامَهُ ، فيه تُفتحُ أبوابُ الجنةِ ، وتغلقُ فيه أبوابُ الجحيمِ ، وتُغلُّ فيه الشياطينُ ، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ } قال بعضُ العلماءِ هذا الحديثُ أصلٌ في تهنئةِ الناسِ بعضِهم بعضاً ، بشهرِ رمضانَ ، وكيف لا يُبَشَّرُ المؤمنُ بشهرٍ ، يفتحُ اللهُ فيه أبوابَ الجنةِ ، وكيف لا يُبَشَّرُ المذنبُ ، بشهرٍ ، يُغلِقُ اللهُ فيه أبوابَ النارِ ؟ وكيف لا يُبَشَّر العاقلُ ، بوقتٍ يُغَلُّ فيه الشيطانُ ؟ وفي الحديثِ ، { لو يعلمُ الناسُ ما في رمضانَ ، لتمنَّتْ أمتي أن يكونَ رمضانُ السنةَ كلَّها } شهرُ رمضانَ ، شهرٌ كريمٌ ، أعزَّ اللهُ من بين شهورِ العامِ شأنَهُ ، وجعلَهُ شهرَ الصومِ ، الَّذي نسبَهُ لنفسِهِ ، فقالَ تعالى في الحديثِ القدسي : {كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصومَ فإنه لي وأنا أُجزي به } شهرٌ أفردَهُ اللهُ بالشرفِ العظيمِ ، حين ذكرَهُ باسمِهِ ، دونَ سائرِ الشهورِ ، فقالَ تعالى : ( شَهْرُ رَمضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآَن هدىً للنَّاسِ وَبِيِّنَتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الْشَّهرَ فَلْيَصمُه)شهرٌ هو نفحةٌ من نفحاتِ اللهِ ، هانحن الآن على أبوابِهِ ، لا تفصلُنا عنه ، إلاَّ أيامٌ معدودةٌ ،تمرُّ مرَّ البرقِ ، وتنقضي انقضاءَ الحلمِ ،فالنستعد لَهُ، ونَعقدُ النيةَ ، على الصِّيامِ والقِيامِ ، وإطعامِ الطعامِ ، وتفطيرِ الصِّيامِ ، وتفقدِ الأيتامِ ، والأراملِ والمساكينَ ، ولعلَّ بَعضَنا، قد وعدَ نفسَهُ قبلَ أعوامٍ ومواسمٍ ، وأمَّلَ وسوَّفَ وقصَّرَ ، وَهاهوَ قد مُدَّ له في أجلِهِ ، فماذا عساهُ فاعلٌ ؟ في الحديثِ عن عُبادةَ مرفوعاً { أتاكم رمضانُ شهرُ بركةٍ ، يغشاكم اللهُ فيه ، فيُنزلُ الرحمةَ ، ويَحُطُ الخطايا ، ويستجيبُ فيه الدعاءَ ، ينظرُ اللهُ إلى تنافسِكم فيه ، ويُباهي بِكُم ملائكتَهُ ، فأروا اللهَ من أنفسِكُم خيراً ، فإن الشقيَّ من حُرِمَ فيه رحمةَ اللهِ } وفي صحيحِ مسلمٍ ، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه ، قال : قال رسولُ اللهِ r { إذا كان أولُ ليلةٍ من رمضانَ صُفِّدَت الشياطينُ ، ومردةُ الجنِّ ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النيرانِ ، فلم يُفتحْ منها بابٌ ، وفُتحتْ أبوابُ الجنةِ ، فلم يُغلقْ منها بابٌ ، وينادي مُنادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبلْ ، ويا باغيَ الشرِّ أقصرْ ، ولله عُتَقاءُ من النَّارِ ، وذلك كلَّ ليلةٍ } جاءَ شهرُ الصيامِ والقيامِ ، شهرُ تلاوةِ القرآنِ ، وإطعامِ الطعامِ ، شهرُ مواساةِ الفقراءِ ، والمساكينِ والأراملِ ، والأيتامِ ، فشَمِّروا لطاعةِ اللهِ ، عن سواعدِكُم بجدٍ واجتهادٍ ، ولنبيِّكم محمدٍ r في رمضانَ ، سيرةٌ يَتعينُ عليكم أن تترسموها، وآدابٌ ينبغي أن تَقتَفُوها، منها: أن تَصْدُرَ أعمالُكم عن إيمانٍ بمشروعيتِها، واحتسابٍ لثوابِها، ولذا قالَ e{ من صامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدمَ من ذنبِهِ } وقال بأبي هوَ وأُمي{من قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدمَ من ذنبِهِ } ومنها: الاجتماعُ على ما شرعَ اللهُ الاجتماعَ عليه من العملِ ، لِما في الاجتماعِ عليهِ ، من الحزمِ والنشاطِ ودفعِ السآمةِ والمللِ ، مع شدِّ أزرِ الإخوانِ ، على طاعةِ الرحيمِ الرحمنِ كما قالَ e : {من قامَ مع الإمامِ حتى ينصرفَ كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ } ومنها: كفُّ الأذى القولي والفعلي عن النَّاسِ ، فإنه صدقةٌ منك على نفسِكَ ، وإحسانٌ إلى إخوانِكَ ، قالَ جابرٌ رضي الله عنه: [ إذا صُمتَ فليصمْ سمعُكَ ، وبصرُكَ ، ولسانُكَ عن الكذبِ والمأثمِ ، ودعْ أذى الجارِ، وليكنْ عليك وقارٌ وسكينة ٌيومَ صومِكَ، ولا تجعلْ يومَ فطرِكَ ويومَ صومِكَ سواءً ] وهذا النصحُ من هذا الصحابي الجليلِ للأمةِ هو تحقيقٌ لما ثبتَ عن النبي e أنه قال: { الصيامُ جُنةٌ ، فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفثْ ولا يصخبْ، فإن سابَّهُ أحدٌ أو شاتمَهُ فليقلْ إني صائمْ } وشددَ صلواتُ اللهِ تعالى وسلامُهُ عليه في ذلك حتى قالَ { من لم يدعْ قولَ الزورِ والعملَ به والجهلَ ، فليسَ للهِ حاجةٌ في أن يدعَ طعامَهُ وشرابَهُ } فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ ، واعملوا بمقتضى الإيمانِ، من الاجتهادِ في الطاعةِ مع الإحسانِ ، وتركِ الفسوقِ والعصيانِ، وتعرضوا لأسبابِ رحمةِ اللهِ في شهرِ رمضان ، فإنها كثيرةٌ لا يحصرُها بيانٌ ، ألا وإن اللهَ تعالى يعطي فيه الكثيرَ من الأجرِ ، على قليلِ العملِ، ويتجاوزُ فيه سبحانه وتعالى ، عن عظيمِ الذنبِ وكثيرِ الزللِ، وهذا كلُّهُ من فضلِهِ وجودِهِ وكرمِهِ عز وجل، فهنيئاً للصائمين المتقين، والعاملين المحسنين ، بالتجارةِ الرابحةِ ، وعظيمِ العفوِ والصفحِ والمسامحةِ ، فأعدوا العدةَ لصيامِ هذا الشهرِ ، وقيامِ لياليهِ، والتنافسِ في عملِ البرِّ ، وأنواعِ الخيرِ فيه، ورحِمَ الله قوماً ، يستمعون القول فيتَّبِعون أحسنه ،
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم منكلِّ ذنب ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً : أما بعد أيها الأحبةُ في الله ، تَعَرَّضُوا لنفحاتِ الربِّ الكريمِ ، في سائر ِأوقاتِ شهرِ رمضان ، بالتماسِ مرضاتِ الرَّبِّ الرحيم ، فَرُبَّ ساعةٍ وُفِقَ فيها العبدُ ، فاغتنمْها في رضوانِ ربِّ العالمين ، فارتفعَ بها إلى منازلِ المقربين ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم ِ) ففي شهر رمضان المبارك ، تتهذَّب النفوس ، وفيه تطهر الأرواح ، من دَرَن الذَّنوب ، كان رسول الله e، أجودَ بالخير والإنفاق في سبيل الله ، من الريح ، وكانَ أجود ما يكون في رمضان ، شهر المتجرِ الرَّبيح ، وكان الصحابة رضي الله عنهم ، يَجُودون بأموالِهم في رمضانَ ، على ذوي الحاجة من مريضٍ وصحيح ، ولسان حالِهم يَقُول : ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُم لِوَجه الله ، لاَ نُرِيدُ مِنكُم جَزَاءً ولاَ شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِن ربِّنا يَوماً عَبُوساً قَمطَرِيراً) ألا وإنَّ لكم في رسول الله ، والَّذين آمنوا معه ، أُسوةٌ حسنة ، شهرُ رمضانَ ! شهرٌ عظَّمَهُ اللهُ فعظِّموه ، وضيفٌ كريمٌ سينزلُ بكم فأكرموه ، عباد الله صلّوا على المعصومِ ، عليه أفضلُ الصلاةِ وأتم التسليم ، اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ،ومُجْرِىَ السَّحَابِ،وسَرِيعَ الْحِسَابِ,وهَازِمَ الأَحْزَابِ،اللَّهُمَّ اهْزِمِ طاغوت الشام بشار ، وجُنْدَهِ الأشرار، اللَّهُمَّ سَلِّطْ عليِهِم جُنداً من جُندِكَ ، اللَّهُمَّ انصُرْ إخوانَنا المجاهدين والْمُستضعفينَ هُناك ، بحولكَ وقُوتِكَ ، يا عَظِيمُ!يَا قَدِيرُ!!اللهم يا كاشِفَ الضَّرَّاءِ،إكشف ضُرَّهُم ، ويا مُفَرج الكرُوب ، فَرِّج عنهم ماهُم فيهِ ، من الضيقِ والمشقةِ والعَنَت ،اللهم لَا تَكِلْهُمْ إلينا فَنضْعُفَ عَنْهُمْ ، ولا تَكِلْهُمْ إلى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عنها ، اللهم كِلْهُم إلى رحمَتِكَ التي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ . اللَّهُمَّ وحِّد صفوفَهُم , واجمع كلمتَهم على الحقِّ والهدى ,اللّهُم يا عظيمَ العفو،أُعفُوا عنَّا ، ويا وسعَ المغفرةِ،إغفر لنا ، ويا قريبَ الرّحمةِ،أرحمنا برحمَتِكَ الواسِعة ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، وأن تُبلغنا رمضان ، وتجعلنا من الذين يصومنوه ويقومونهُ ، إيماناً واحتِساباً ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات