الحمدُ للهِ المتوحدِ بالعظمةِ و الجلالِ ، المتصفِ بصفاتِ الكمالِ ، إلهٌ ، تتابعَبرُّهُو اتصلَ خيرُهُ وكمُلَ عطاؤهُ وعمَّتْ فوا ضلُهُ و تمتْ نوافِلُهُ وبرَّ قسمُهُ و صدقَ وعدُهُ و حقَّ على أعدائِهِ وعيدُهُ ، أشهدُ ألا إلهَ لنا غيرُهُ ولا ربَّ لنا سواهُ ولا نعبدُ إلاَّ إياه ، وأشهدُ أن نبيَنا محمداً عبدُهُ و رسولُهُ ، أنقذَ من الضلالِ ، وهدى إلى أشرفِ الخصالِ ، صلى اللهُ و سلم و بارك عليه وعلى آله و صحبِهِ ، خيرُ صحبٍ و آلٍ والتابعينَ ، و من تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ المآلِ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) : أما بعدُ أيُّها الأخوةُ في اللهِ :كانَ حديثي إليكُم في الْجُمعةِ الماضيةِ ، عن مَحبَّةِ اللهٍ عزَّ وجلَّ ، واليوم سَأُحدِثكُم إن شاءَ اللهُ ، عَنِ بعضِ الأسبابِ الجالبةِ لمحبةِ اللهِ تعالى ، والتي من أهمها وعلى رأسِها : قِراءةُ القرآنِ بتَدَبُرٍ وتَفَهُمٍ لمعانيهِ ، وما أريدَ بِهِ، وأن تَعلَمَ أن ما تقرؤُهُ ليس من كلامِ البشرِ، وأن تستحضرَ عظمةَ المتكلِّمِ به ، واعلم ـ حفظَكَ اللهُ ووقاكَ ـ أن قِراءةَ القرآنِ شَرفٌ لكَ ما بَعدَهُ شرفٌ، لهذا فإن رجلاً من أصحابِ النبيِّ e استجلبَ محبةَ اللهِ بتلاوةِ سورةٍ واحدةٍ، فتدبرَها وأحَبَّها، فَتَدّبَرَها أنت وأحِبَّها وهي سورةُ الإخلاصِ ، التي فيها صفةُ الرحمنِ جل وعلا، ففي البخاري من حديثِ عَائِشَةَ t أَنَّ النَّبِىَّ e بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِى صَلاَتِهِ فَيَخْتِمُ بِـ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ e فَقَالَ{ سَلُوهُ لأَىِّ شَىْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ } فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا . فَقَالَ النَّبِىُّ e {أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ}قال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ t : [مَنْ أحبَّ القرآنَ فهو يُحِبُّ اللهَ ورسولَهُ] ومِنْ الأسبابِ الجالبةِ لمحبةِ اللهِ تعالى: التقربُ إلى اللهِ بالفرائضِ ، ففي الحديثِ ، عن طَلْحَةَ بْنِ عبيدِ اللهِ t قالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ e مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ، ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : {خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ} فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: {لا إِلا أَنْ تَطَوَّعَ} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: {وَصِيَامُ رَمَضَانَ} قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: {لا إِلا أَنْ تَطَوَّعَ} قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ e الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: {لا إِلا أَنْ تَطَوَّعَ} قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّه لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: {أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ}رواه البخاري ومسلم.وقد ذكرنا من الإسبابِ في الجمعةِ التي خلت هذا الحديثِ ، والذي فيهِ بِشارةٌ للمتقربِ إلى اللهِ بالنوافلِ: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: {إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ} البخاري.ومن فوائدِ النوافلِ ، أنها تقربُكَ من محبةِ اللهِ ، وتَجبُرُ النقصَ في الفرائضِ: كما صحَّ في الحديثِ{ انظروا هلْ لعبدي من تطوعٍ فَيُكمَّلُ به ما انتقصَ من الفريضةِ } ومن أسبابِ محبةِ اللهِ ، دوامُ ذكرِ اللهِ تعالى على كلِّ حالٍ ، باللسانِ والقلبِ والعملِ ، فنصيبُكَ من المحبةِ على قدرِ نصيبِكَ من الذكرِ للهِ تباركَ وتعالى، عن أبي هُرَيْرَةَ t أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ e يَأْثُرُ عَنْ رَبِّهِ U أَنَّهُ قَالَ: {أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ} رواه أحمد. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ e فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: {وَمَا ذَاكَ؟} قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : {أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟} قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: {تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً} البخاري. وجاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ e فقالَ: يا رسولَ اللهِ إن شرائعَ الإسلامِ كَثُرَتْ عليّ، فبابٌ نتمسكُ بهِ جامعٌ، فقالَ e: {لا يزالُ لسانُكَ رطباً من ذكرِ اللهِ} رواه أحمد.، ومن أسبابِ محبةِ اللهِ ، إيثارُ محابِّهِ تعالى على محابِّكَ ، عند نزعاتِ الهوى، أي إيثارِ رضى اللهِ ، على رضى غيرِهِ ، وهذه درجةٌ عاليةٌ حازَها الأنبياءُ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهم، وأولي العزمِ من أتباعِهم، فالعبدُ الكيسُ الفطنُ لا يُعطي لنفسِهِ العنانَ أينما توجهتْ بهِ اتجَهَ ، فقد ثبتَ عنه e أنه قالَ: {المجاهدُ من جاهدَ نفسَهُ في اللهِ U } .
هذه بعضُ الأسبابِ الموجبةِ لمحبةِ اللهِ تعالى، وهي بحقٍّ تستحقُ العنايةَ والرعايةَ، لأن فلاحَكَ وفوزَكَ ـ أيها العبدُ ـ متوقفٌ عليها بإذنِ اللهِ. ،باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، ولا عدوانَ إلا على الظالمينَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ الواحدُ الحقُّ المبينُ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الأمينُ، صلى اللهُ وسلم عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الطيبينَ الطاهرينَ، والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وسلمَ تسليماً كثيرًا.أما بعدُ:إيُّها الأحبةُ في الله ، من الأسبابِ الجالبةِ لمحبةِ اللهِ تعالى: مطالعةُ القلبِ لأسمائِهِ وصفاتِهِ سبحانه ، ومشاهدةُ آثارِها ومعرفتِها في الكونِ والأنفسِ ، وسائرِ المخلوقاتِ، فمن عرفَ اللهَ بأسمائِهِ وصفاتِهِ ، أحبَّهُ اللهُ لا محالةَ ، والمعرفةُ : هي إدراكُ الشيءِ على حقيقتِهِ، وهي أخصُّ من العلمِ وضدُّها الإنكارِ، والعارفُ باللهِ ، هو من عرفَهُ بأسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ، ثم صدقَ اللهَ في معاملتِهِ، ثم أخلصَ في قصدِهِ ونيتِهِ، ثم انسلخَ من الأخلاقِ الرديئةِ، وتطهرَ من أوساخِ الذنوبِ والرذيلةِ، ثم صبرَ على أحكامِ اللهِ في نعمِهِ وبلائِهِ، قالَ الشاعرُ:
تأملْ سطورَ الكائناتِ فإنـها من الملكِ الأعلى إليكَ رسائلُ
وقد خطَّ فيها لو تأملتَ خطَّها ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهُ باطلُ
تشيرُ بإثباتِ الصفاتِ لربـِّها فصامتُها يهدي ومن هو قائلُ ، اللهم إنا نبرأُ من الثقةِ إلا بكَ و من الأملِ إلا فيكَ و من التسليمِ إلا لكَ و من التفويضِ إلا إليكَ و من التوكلِ إلا عليكَ و من الرضا إلا عنكَ و من الطلبِ إلا منكَ و من الذلِّ إلا فيطاعتِكَ و من الصبرِ إلا على بابِكَ و من الرجاءِ إلا منكَ و من الرهبةِ إلا بجلالِكَ العظيمِ ، اللهم صل وسلّم وأنعم وأكرم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمّد ، ورض اللهم عن أصحابه الأطهار ماتعاقب الليل والنهار أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائِرِ أصحابِ نبيّك أجمعين ، وعن التابعين ، وتابعيهم بِإحسانٍ إلى يومِ الدّين ، وعنّا معهم ، بمنك وفضلك ورحمتك ، يا أرحم الراحمين ، اللهم أنصرْ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ ، اللهم عليك باليهودِ والنصارى المعتدينَ الحاقدينَ ، ومن كرِهَ الإسلامَ والمسلميَن ، اللهم عليك بهم فانهم لا يعجزونَك ، اللهم شتتْ شملَهم وأوهنْ عزمَهُم ، اللهم أرنا بهم عجائبَ قدرتِك ، وفجاءةَ نقمتِك ، وأليمَ عذابِك اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات