هم الأباء والكبار وحدهم من يزرعون بذور العاطفة في نفوس أبنائهم
وتبقى فيهم حتى تصبح جزء منهم.. فينعكس كل ذلك على طبائعهم ومواقفهم
ومن ندرة الأشياء في سلوكيات بعض الأباء أنها تفتقد أو تخجل من إظهار العاطفة
أو ظهور الحب منها.. وربما تعود أهم الأسباب فيها إلى تلك البيئة
أو التربية التي اعتادوا عليها كما هو حال أطفالهم منهم وحالهم
من بعدهم في مستقبل حياتهم مع أبنائهم وكأنها سلسلة دائرية
لا مخرج لها ولا نافذة تنفذ منها حتى تكون الحالة التي بها غير
الحالة التي هم عليها.. وذلك من صلابة العاطفة وسوء معاملتها
التي اعتادوا عليها وكانت جزء فيها ولا يمكنها الخلاص أو
التبديل إلى غيرها.
أنهم أُناس لا شك أنهم يخجلون من بوح مشاعرهم وآحاسيسهم
بل أنهم فوق كل ذلك يخجلون حتى من سماعهم من تعابير
مشاعر غيرهم لغيرهم وكأنها تذكير لهم في تلك القسوة وذلك
الجفاف الذي يسكن كل مدخل من مداخلهم.
أنهم يعانون من شدة مشاعرهم وعاطفتهم على أنفسهم والتي بالفعل
تجبرهم بالشدة رغماً عن أنوف إراداتهم وهم يدركون قسوتها
على أبنائهم ولكنهم لا يتبينوا مدى صلابتها عليهم إلآ بعدما
تؤثر إرادة تلك القسوة على إرادة أولادهم فتقطّع فيهم أجزائهم
وليس بستطاعة كلاً منهم أن يفعل أمامها شيئاً أو يتبع غيرها
يكون بها أكثر رؤية ورحمة على صغاره.. ولكنه أعتاد عليها
بسبب تلك التربية التي تلقاها في صغره وبسبب تلك البذور
التي تكوّنت في داخله بسبب ذلك التعامل الذي تلقى قسوته
وجفوته من وحدته والتي تسبب فيها كل من كان حوله أو
من كان ولياً على أمره وقت صغره.
فلا أعلم هل بستطاعة أبنائهم أن يجدوا العذر لهم أو يتجاهلوا
كل ذلك بغير تأثير على أنفسهم.. أم أنهم أدمنوا ذلك ولم يجدوا
سبيلاً إلى هروبهم من تلك المعانات التي تقسوا على طفولتهم
وعلى مراهقتهم.. والأباء من شدة خوفهم عليهم قد قسوا
وكأنهم نسوا أنهم فلذات أكبادهم.
فيا أيها الأباء الأولياء أنتم رعاة أبنائكم فأن جرى عليهم من
جهالة تربيتكم وسوء معاملتكم فقد أذنبتم وقصرتم في حقوقهم
فلا تتعجبوا أن جاء يوماً تجدوا به صغاركم قد كبروا وأصبحوا
من الخاذلين لبّركم وآمالكم ونياتكم.. ولتعلموا أن بعضاً من ذلك
كان حصاد تربيتكم وقساوة عاطفتكم فيهم.. فتبينوا ذلك
الصلاح الذي يصلح تلك الأرواح ويبثَّ في النفوس كل عاطفة
نبيلة وكل سلوك وفعل ناضج فيها.. فأعملوا به وكونوا كما
يكونوا اؤلئك الذين يحصدون تلك الفضائل فأصبحوا
عند ربهم لهم أجراً عظيماً.
المفضلات