الخطبة الأولى
الحمد لله القويِّ الجبار ، العزيزِ الغفار ، مُكَوَّرُ النهارَ على الليل ، ومكور الليلَ على النهار } يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ {الخطبة الثانية
أحمدُه حمدا يَليقُ بكريم وجهه ، وبعظيم سُلطانِه ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ،وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه ، وصفيُّه وخليلُه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد ، أيها الناس :
اتقوا الله U ، فإنّ تقوى الله سبحانه ، هي وصيتُه لخلقه الأولينَ والآخرين ، يقول الله تعالى : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ {
عباد الله :وينتهي شهرُ رمضان ، راحلاً بما أُودِعَ من أعمال ، أسأل الله تعالى أن تكونَ أعمالاً صالحةً وخالصةً لوجهِهِ الكريم ، كما اسأله U أنْ يجعلَنا جميعا ، من الذين أُعْتقت رقابُهم في رمضانَ من النار .
فرمضانُ ـ أيها الأخوة ـ قد انتهى ورحل ، ولكن ماذا بعد رمضان ؟
لا شك ـ عباد الله ـ أنَّ شهرَ رمضان ، مدرسةٌ يتخرج منها من وفّقه الله ، ومن أراد به خيرا سبحانه ، وكما قال U : } كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {فينبغي للمسلم ـ أيها الأخوة ـ أن يكونَ لرمضانَ دوراً في حياته ، وفي تصحيحِ وضعِهِ مع اللهِ سبحانه ، وكما قال أحدُ السلف عندما سُئِلَ عن قوم يَتَعَبّدُونَ ، ويجتهدون في رمضان ، فإذا خرج رمضانُ تَرَكُوا العبادةَ والاجتهاد ، فقال : بئسَ القومُ لا يَعْرفونَ اللهَ إلا في رمضانَ !
فرمضانُ ـ عبادَ الله ـ مدرسةٌ لأعمالٍ مُهِمَّةٌ ، ينبغي للمسلم أن يحرصَ عليها ، لأنها تقربُه من الله U ، وتكون سبباً لِدِخُولِهِ الجنةَ والنجاةَ من النار ، فالصلاةُ والمحافظةُ عليها في أوقاتها مع المسلمين مطلوبةٌ من المسلمِ في رمضانَ وفي غيرِه من شهورِ العّام ، يقول تبارك وتعالى : } إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا {
وكذلك ـ أيها الأخوة ـ الصيامُ ، الذي لا يعرفه بعضُ الناسِ إلا في رمضان ، فتأتي عليه الشهورُ والأيامُ ولم يَصُمْ يوماً واحداً ، وفي الحديثِ الذي رواه النسائيُّ عن أبي هريرةَ t ، يقولُ النبيُّ r : (( مَنْ صامَ يوماً في سبيلِ اللهِ زَحْزَحَ اللهُ وجْهَهَ عنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً )) وكذلك ـ أيها الأخوة ـ قيامُ الليلِ ، الذي هو شرفُ المؤمنِ ، وعادةُ مَنْ أراد اللهَ والدّارَ الآخرةَ ، يقول U عن عبادِه المُحْسِنينَ : } كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ { فهم يفعلونَ مثلَ ما يفعلُ أكثرُنا في لياليِ رمضانَ ولكنّهم يفعلونَهُ في عُمُرِهِمْ كُلّهِ ، بَلْ ويُحِبُّونَ الدُّنيا مِنْ أَجْلِهِ ! هذه الدنيا التي نُحِبُّها مِنْ أجْلِ مُتَعِنَا وشهواتِنا ، ومن أجلِ مراكزِنا وأبنائِنا وزوجاتِنا ، كانوا يُحِبُّونَها مِنْ أجْلِ العبادةِ ، وتَذْرِفُ دُموعُهُم لِفَقْدِ الطَّاعةِ !
فلا بُدَّ ـ عباد الله ـ أنْ نكونَ قدِ استفدْنا من رمضانَ ، بالمحافظةِ على مثلِ هذه الأعمال ، اسأل الله U أن يمنَّ علينا ويعينَنَا على ذِكْرِهِ وشُكْرِهِ وحُسْنِ عِبادتِهِ إنه سميعٌ مُجِيبٌ ، أقولُ قَوْلِي هذا واسْتَغْفرُ اللهَ لِي ولكُم من كلِّ ذنبٍ إنّه هو الغفورُ الرَّحِيم .
الحمدُ لله ِعلى إِحْسَانِهِ ، والشُّكرُ لهُ على توفيقِهِ وامْتِنانِهِ ، وأشْهدُ أنّ لا إله الله وحدَه لا شريك له تعظيماً لشأْنه ، وأشهدُ أنَّ محمدا عبدُه ورسولُه الدّاعِي إلى رِضْوانِهِ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابِه وسلّمَ تسليماً كثيرا .
عباد الله :
ومن العباداتِِ العظيمة ، التي تُقرّبُ إلى الله U ، وكنا نفعلُه في رمضان ، وينبغي لنا أن نحافظَ عليه : تلاوةُ كتاب الله U ، لأنَّ في كُلِّ حرفٍ نقرأُه حَسَنَةٌ ، والحسنةُ بِعَشْرِ أمثالِها ، كما قال النبيُّ r في الحديثِ الْحَسَنِ : (( مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَاب الله فله حسنةٌ ، والحسنةُ بِعَشْرِ أمثالِها ، لا أقولُ : } الم{ حرف ، ولكن ألفٌ حرف ، ولامٌ حرف ، وميمٌ حرف ))
وكذلك ـ أيها الأخوة ـ الإحسانُ إلى الفقراء والمساكين ، وإطعامُ الطعام ، وحُسْنُ الخُلقِ ، فهذه الأمورُ مطلوبةٌ من المسلم حتى في غير رمضان ، وبها تثقلُ الموازينُ يومَ القيامة ، والله يقول : } فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ {.
وليكن لنا ياعباد الله درسٌ وعبرةٌ في انتهاء شهر رمضان ، بأن هذا الشهرَ قد مرّ من أعمارِنا ، وقد دَنَوْنَا من آجالنا بمقدارِ شهرٍ كامل ، فالذي بقي على أجله شهرٌ وأيام ، فقد مضى الشهرُ وبقيت فقط الأيامُ ، فلنستعد للرحيل ، لأن الاستعدادَ للرحيلِ ركنٌ من أركانِ التقوى .
اسأل الله أن يهديَ ضالَّ المسلمين ، وانْ يفقهَنا جميعاً في هذا الدين ، وأن يجعلَنا من عباده الصالحين ، إنه سميع مجيب ، هذا وصلوا وسلموا على }إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا{
اللهمّ صلّ وسلّم وزد وبارك على نبيّنا محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين وصحابته أجمعين والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك ياأرحم الراحمين ، اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم احمي حوزة الدين ، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين . اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لهداك ، واجعل عملهم برضاك ، وارزقهم البطانة الصالحة وابعد عنهم بطانة السوء يارب العالمين . اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميرا له يارب العالمين .} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
المفضلات