[align=justify]واسْتَعارَ الحَديدُ لَوْناً وألْقَى
لَوْنَهُ في ذَوائِبِ الأطْفالِ
المتنبي
لا أظن خطيباً مفوهاً مهما بلغت فصاحته وبلاغته ، ولا شاعراً موهوباً مهما بلغت مقدرته الشعرية ، ولا كاتباً مبدعاً مهما بلغ إبداع قلمه ، ولا رسّاماً متالّقاً مهما تألقت ريشته ، ولا ولا ولا ... يستطيع أن يصوّر لنا عبر ما يجيده من فنّ وموهبة تلك المجزرة التي افتعلها النظام القذر في سوريا وراح ضحيتها أطفال أبرياء في (الحولة) .
إن الخيال ليقف عاجزاً عن تخيل حال طفل بريئ وهو ينظر إلى طفل آخر ينهش سكين الغدر من عنقه ، وإن اللسان ليعجز عن التعبير بما يمكن أن يقوله ذلك الطفل وهو يرى السكين تنتقل من رقبة الطفل الذي بجانبه بعد أن فاضت روحه لتنال من رقبته هو ! ، ماذا تراه قال ؟! هل نادى على أبيه ؟! أم تراه نادى على أمّه ؟!
ذلك الطفل الذي يبكيه عدم الحصول على لعبة يحبها ، ويحزنه لدرجة الإحباط مشوار لأبويه لا يرافقهما فيه ، بماذا تراه شعر مع أول قطرة دم سقطت على الأرض ، بماذا تراه كان يفكر حينها ؟! من آخر شخص خطر على باله ومرت حروف اسمه عبر لسانه ؟! أي لعبة من ألعابه كان يود احتضانها وهو يموت ؟! أنا شخصيّا لا أستطيع التخيل ولا التعبير وإني لأعذر هرماً بقامة محمد الرطيان حين أراد أن يعبر عن مجزرة (الحولة) فاكتفى بوضع نقاط بين قوسين ليعبر عن ضياع الحروف منه ، وهل يبقى بعد تلك المجزرة من محبرة ، وبعد ذاك الجُرف من حرف ؟! فأنشدكم بالله ارجعوا لكل من ذكرتهم في بداية المقال هل يستطيع أي منهم أن يشبع نهمي بإجابة شافية على تلك التساؤلات ... لا أظن !
إن سكاكين الغدر تلك حملتها أيدٍ مهما حاول المحاولون من نسبتها إلى مذهب معين فإنني لا أراها تنتسب إلا إلى مذهب اللادين واللارحمة واللاشفقة واللاإنسانية ، ومهما حاول المحاولون نسبتها إلى حزب معين فإنني لا أراها تنتسب إلا لحزب الشيطان ، وحزب القتل والإبادة ، وحزب إنعدام الدين ، وحزب القلوب التي لا تؤمن بوجود الله فضلاً عن أن تخافه وتتقيه ، هذا هو دين تلك الأيدي التي حملت تلك السكاكين ، وهذا هو مذهبها ، وذاك هو حزبها ، فكفّوا يارعاكم الله عن مزيد محاولة لمعرفة أي شئ آخر عن تلك الأيدي .
عند الله الملتقى يا أطفال (الحولة) ، حين يجتمع الخصوم حفاة عراة غرلاً ، حين يقوم ذاك الطفل المقتول فيقول للرب جلّ وعلا وهو يشير إلى قاتله : يا ربّ سلْ هذا فيما قتلني ؟! ، حين يقتص للمقتول من القاتل ، حين تصبحون طيوراً تطير في الجنّة وتنعمون بما فيها ، حين تشفعون لآبائكم فينتفعون بشفاعتكم بعد إذن الله ، حين يقول الكافر : ياليتني كنت تراباً ، حين نطأطئ الرأس خجلاً وتطيش منّا الأعذار فلا نجد عذراً لخذلاننا إياكم .
أنتم يا أطفال (الحولة) ستكونون مشاعل النصر القادم بإذن الله ، أنتم من سينير عتمة سوريا ، وأنتم من سيحرق جسد بشّار ، أنتم من سيقض مضجعه بكوابيس ليس لها حصر ، أنتم من سيستنهض أهل سوريا صباح مساء ، أنتم الدافع لأهل سوريا من أجل مزيد عطاء ، أنتم من سيجعل من الجبان شجاعاً ، ومن الرعديد مقداماً ، ومن أصحاب المؤخرة قوّاداً للطلائع ، أنتم من سيجعل قاتلكم يعض أصابع الندم على تلك الفعلة ويقول ياليتني لم أفعل ، ولاتَ حين مندم !
يعمد بعض الناشطين في قضية البدون إلى اقتناص أي فرصة يمكنهم من خلالها تسليط الضوء على قضيتهم وتعرية أي محاولة لطمس الحقائق ، وهذا حقّ مشروع لهم ولصاحب أي قضية في اختيار ما يراه داعماً ومفيدا لقضيته ، ولكن ومن وجهة نظري فإنني أرى الزجّ بقضية البدون في مقابل ما يجري في سوريا حاليّاً ولا سيما بعد أحداث مجزرة الحولة مؤخراً لأمرٌ يسيئ إلى القضية أكثر من خدمتها ، ويفقدها كثيراً من التعاطف ، ويصرف عنها الكثير من المؤيدين والداعمين ، نعم البدون مظلومون ، نعم حقوقهم تنتهك ، نعم هم يعانون ويقاسون منذ أكثر من خمسة عقود ، نعم تسرق أحلامهم ، وتغتال فرحتهم ، لكن ما يحدث في سوريا اليوم شئ مختلف بتاتاً ، شئ لا يوصف ولا يتخيل ، فكفوا عن مزيد إساءة لهذه القضية دون أن تشعروا ، ولا تقولوا : إن نريد إلا الخير ، لأنني سأجيبكم : وكم من مريد للخير لم يبلغه ، وحذار أن تكونوا كما قال الشاعر :
رامَ نفعاً فضرّ من غير قصدٍ
ومن البرِّ ما يكون عقوقا[/align]
المفضلات