[align=justify]تبين لي سفاه الرأي منّي

لعمر أبيك حين كسرت قوسي

الكسعي

لا اشك في أن المتنبي حين قال : "حتى يراق على جوانبه الدمُ" كان يعي ما يقول تماماً ، لأن هناك بالتأكيد في هذه الحياة "ناس تخاف ما تختشيش" ، أناس يرهبهم منظر الدم ولا يرغّبهم منظر الورود ، تخيفهم التكشيرة ، ولا تكسب ودهم الإبتسامة ، يرون الشتيمة قوة والكلمة الطيبة صدقة تتقي بها جورهم ، يحترمون اليد التي تحمل العصا ، ولا يعيرون لليد التي تود مصافحتهم بالاً .

كلما تنفست الصعداء وشعرت ببصيص أمل يلوح في الأفق حتى ولو كان ضرباً من سراب ، أغاظهم هذا الفعل ، وأبوا إلا أن يقتلوا فرحتك تلك في مهدها ، وأن يعيدوك القهقرى ، وأن يشعروك بأن كل ما كان يثار حولك وأنك أمانة في رقبتهم ماهو إلا زوبعة في فنجان ، وأنك لا زلت تقبع في المربع الأول ، لم تمتد إليك يد "لاعب" حتى يسمح بنقلك من ذاك المربع ، وأنت – من فضل الله – لا ترد يد لامس !

سكينهم غير الحاد موضوع على رقبتك منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي ، فلاهو الذي قطع منك الوتين ولا هو الذي سمح لك بالتنفس بأريحية ولا هو الذي أراحك وأراح المنتظرين للدور بعدك من منظر تلك السكين المقرفة ، فلعلهم حدّوا شفرتهم وأراحوا ذبيحتهم ، ولكنها قلة الرحمة ، واضمحلال الشفقة ، وغيمة سوداء من حسد أبت إلا أن تلبد سماء قلوبهم وتحجب شمس الحق عنها .

تتوالى كتبهم السرية من أجل التضييق عليك ، متناسين أن كل ما يصيبك موجود في "كتاب" قبل أن يخلق الله الخلق ، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وأن الأجر على قدر الصبر ، والبلاء على قدر الإيمان ، وأن "بطاقتهم الحمراء" لن تتسبب في طردك من رحمة الله ، كما أن "الخضراء" منها لن تضمن لك مكاناً في الجنة ... فعلامَ الأسى ؟!

لا يهتمون لعظم تضحياتك ، وعظيم أعطياتك ، فلا روحك أيها الشهيد دليل ولاء ، ولا أسرك أيها الأسير جميل عطاء ، ولا حبك ودفاعك عن هذا البلد يساوي شيئا أمام ما يعنونه هم من خدمات جليلة ، فتلك الخدمات التي يريدون تتجلى واضحة في "وسطٍ" يجيد الاهتزاز ويدمر كل قوانين الجاذبية ، "وتمثيل" في مسلسلات تهدم ولا تبني ، تشوه ولا تجمّل ، "وحنجرة" تجيد الغناء ولا تجيد الصدع بالحقّ ، ولا تستغرب ! ، فخدماتك "المتّزرة" لا تشفع لك ، في حين أن خدماتهم "العارية" هي خير شفيع ، ويبدو أن الفرزدق كان يقصدك حين قال :

ليس الشفيع الذي يأتيك متّزراً

مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا[/align]