النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: خطبة الجمعة القادمة 14 جماد الأولى 1433هـ بعنوان (( الجار قبل الدار ))

  1. #1

    خطبة الجمعة القادمة 14 جماد الأولى 1433هـ بعنوان (( الجار قبل الدار ))



    الخطبة الأولى
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الْحمدُ للّهِ العزيزِ الغفّار ، الواحد القهّار ، مُصرّفِ الأمور ومقدّر الأقْدار , أوصى بِالإحسان إلى الجار ووفّق من اجتباه ليكونَ من الأخيار ، والصّلاةُ والسّلامُ على أشْرف الأنْبياء وسيّد الأبرار ، وعلى آله وصحبه المبرئينَ من الشّوائبِ والأكْدار .
    أما بعد ، أيها الناس :
    أوصيكم بوصية ربكم لكم تقوى الله عز وجل فهو القائل: ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ))
    عبادَ اللهِ /أخوٌ لكَ لم تلدْه أمُّك، يذبُّ عن عرضك، ويعرف معروفَك، ويكتمُ عيوبك، ويفرح إذا فرحتَ، ويتألم إذا حزنتَ إنه الجار الصالح الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام: ((أربعٌ من السّعادة: المرأةُ الصالحةُ، والمسْكنُ الواسعُ، والجارُ الصّالِح ُ، والمركبُ الْهَنيءُ، وأرْبعٌ مِنَ الشّقاءِ: الْجارُ السّوءُ ، والمرأةُ السّوء، والمركبُ السّوءُ، والمْسْكنُ الضّيقُ )) خرجه الألباني في الصحيحة.
    ولقد كان السلفُ الصالح والكرامُ من الناس لا يؤثرون بالجار الصالح مالاً ولا عَرَضًا من الدنيا، فهذا أبو الْجهم العدوي باع دارَه بمائة ألف درهم، ثم قال: بكم تشترون جوارَ سعيدِ بنِ العاص؟ قالوا: وهل يُشترى جِوارٌ قطُّ ؟ قال: رُدّوا عليّ داري، وخذوا مالكم، لا أدع جوارَ رجلٍ إن قعدتُ سأل عني، وإن رآني رحّب بي، وإن غبتُ حفظني، وإن شهدت قرّبني، وإن سألتُه قضى حاجتي، وإن لم أسأله بدأني، وإن نابتني نائبة فرَّج عني، فبلغ ذلك سعيدَ بن العاص فَبَعَثَ إليه بمائة ألف درهم ، وبالمقابل الجارُ السوء الذي لا يطيقُ إنسانُ احتمالَه ـ أعاذنا الله وإياكم منه ـ وفي هذا يُحكى عن رجلٍ كان مجاورًا لجيران سوء، فَصَبرَ عليهم وصابر، إلا أنهم يزدادون سُوءًا، فباع دارَه بِرُخْصٍٍ وانتقل عنهم، فلامه أقاربُه ومعارفُه لومًا شديدًا فقال:
    يَلومُونِني إذْ بِعْـتُ بِالرُّخْصِ مَنْزِلاً وَلَمْ يَعْرِفُوا جارًا هناك ينغِّصُ
    فَقلتُ لَهُم: كُفّـوا الْكلامَ، فَإِنهـا بِجيرانِها تَغْلُو الدّيارُ وَتَرْخَصُ
    عبادَ اللهِ / لقد كان الجارُ في السابق مؤمناً تقيّاً وأباً مُربّياً، يشعر بمسؤوليةِ جارَه كما يشعرُ بمسؤولية رعيته تماماً.
    لقد كان الجارُ المسلم يُهنئ جيرانَه في أفراحِهم ويواسيهم في أُحزانهم، يفرح لما يفرحون ويحزن لما يحزنون، ويكف أذاه عنهم، لا يحسدُهُم ولا يُؤْذِيهم، قال صلى الله عليه وسلم : ((وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ )) قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : (( جَارٌ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ )) قَالُوا : وَمَا بَوَائِقُهُ ؟
    قَالَ : (( شَرُّهُ.)) متفق عليه من حديثِ أبي هريرةَ .
    عبادَ اللهِ / لعلي أهمسُ في أذن جارِ السوء بقصة إن كان له قلبٌ أو ألقى السّمع وهو شهيد: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانَة يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ((هِيَ فِي النَّارِ))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلانَة يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ((هِيَ فِي الْجَنَّةِ)) صححه الألباني. الله أكبر! صائمةُ النّهار وقائمةُ الليل في النّار، نعم إذا طال أذاها الناس.
    وعن أَبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: جاء رجل إِلَى النَّبِيِّ يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: ((اذْهَبْ فَاصْبِر)) فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا فَقَالَ: ((اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ))، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ. حسنه الألباني رحمه الله.
    وقال صلى الله عليه وسلّمَ في حديثٍ عظيمٍ يَنبغي لنا استشعارَه واسْتِحْضارَه دائماً مع جيرانِنا ، قال صلى الله عليه وسلّم: ((مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَشْهَدُ لَهُ ثَلاثَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الأَدْنَيْنَ بِخَيْرٍ إِلاّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي عَلَى مَا عَلِمُوا وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ)) حسنه الألباني.
    ولهذا أوصى الإسلامُ الجار، فأمر بالإحسان إليه، وأكّد حقّه وحذر من إيذائه وقهْره فقال تعالى (( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ)) وقال صلى الله عليه وسلّم : ))مَا زالَ جِبْريلُ يُوصِيني بِالْجارِ ، حَتّى ظَنَنتُ أنّه سَيُوَرِّثـُهُ ((، متفق عليه
    ولقد كان العربُ في الجاهلية والإسلام يَحْمونَ الذِّمار، ويتفاخرون بِحُسن الجوار، وعلى قدْر الجار يكون ثمنُ الدّار ولذلك قيل في زماننا ( الجارُ قبْل الدّار ) وما أحسنُ ماقِيل :
    اطْلـُبْ لِنَـفْسِكَ جِيراناً تُجاورُهُم لا تصلحُ الدّارُ حتىّ يَصْلُحَ الْجَـارُ
    والجيرانُ ثلاثةٌ - يا عبادَ اللهِ : فجارٌ له ثلاثةُ حقوق، وجارٌ له حقّان، وجارٌ له حقٌّ واحد، فأما الجار الذي له ثلاثةُ حقوق فالجارُ المسلمُ الْقريب، له حقُّ الإسلام وحق القرابة وحقّ الجوار، والجار الذي له حقّان هو الجار المسلم، فله حقُّ الإسلام وحق الجوار، والجار الذي له حقٌ واحد هو الكافر له حق الجوار.
    وإنّ أولى الجيرانِ بالرّعاية والإحْسان من كان أقربُهم بابًا إليه، فعنْ عائشةَ - رضي الله عنها - قالت: يا رسولَ الله، إنّ لي جاريْن، فإلى أيـِّهما أُهـْدي؟ قال: ((إلى أقربِهما لكِ بابًا)).
    ولقد أكدت الشريعةُ الإسلامية على حقوق الجوار ولزومِ القيام بِها في أمورٍ عديدة ومجالاتٍ مختلفة، منها: التّوددُ إلى الجار والإحسان إليه والبرُّ به وإكرامه، ويتمثل ذلك بالإهداء إليه مما يأكله ويشربه، ومما منَّ الله تعالى به عليه من النعم، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ – رضي الله عنه - قَالَ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ فَأَكْثِرِ الْمَرَقَ وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ )) , أَوْ قَالَ : (( اقْسِمْ فِي جِيرَانِكَ)) رواه مسلم. وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((تهادُوا تحابُّوا))
    ومن حُقوق الجار: أنْ يُحسنَ إليه بما استطاع من المال والجاه والنفع، ويستشيرَه في أمر من الأمور، أو يطلبَ مساعدته في قضاء حاجةٍ له، أو يرشده في مسألة يجهلها، وينبغي أنْ يبدأه بالسلام، ويتفقدَ أحواله، ويعودَه إذا مرض، ويعزيه في مصيبته، ويهنئه في أفراحه، ويشاركه في مسراته، ويعفو عن زلاته، ويصفح عن هفواته، ويلاحظ منزله عند غيابه، ويتعاهد أولاده فيما يحتاجون إليه عند سفره. اللّهمّ أرزقنا الإيمانَ وزينْه في قُلوبِنا وكرّه إِليْنا الكفرَ والْفُسوقَ والعِصْيانَ واجعلْنا من الرّاشِدِينَ ياربّ الْعالمِين .
    أقولُ قوْلِي هذا وأسْتـَغْفرُ اللهَ الْعظيمَ الجليلَ لِي ولكْم ولِسائِرِ الْمُسلمينَ مِنْ كُلِّ ذنبِ فاسْتغفرُوهُ وتُوبوا إليه إنّه هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيم .
    الخطبة الثانية
    الحمدُ لله على إحسانِه ، والشكرُله على توفيقه وامتنانه ،وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
    أما بعد : فمن حقوق الجار ياعباد الله على جاره كفّ الأذى عنه،فعن أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ)) رواه البخاري. فيجب على الجار أن لا يتعرض لجاره بأي شيء يسوؤه، فلا يتطاول عليه بيده ولا بلسانهِ، ولا يعيره بشيء أو ينتقص منه، ولا يضايقه في طريقه، أو يلقي النفايات عند بابه، أو يوقف سيارته موقفًا يتأذى منه، أو يزعجه بأبواق سيارته أو بأصوات تتعالى تؤرقه في نومه أو تقلق راحته، ومن صور إيذاء الجار حسده وتمني زوال النعمة عنه، أو السخرية به واحتقاره، أو إشاعة أخباره وأسراره بين الناس، أو الكذب عليه وتنفير الناس منه، أو تتبّع عثراته والفرح بزلاته , وليس حق الجوار كفُّ الأذى فقط، بل أن يتحمل ما يصدر من جاره من إساءة إليه، فيقابلها بالإحسان والعفو والصفح، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ))رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني رحمه الله .
    فلقد كان للنبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة جار يهودي يؤذيه، وكان عليه الصلاة والسلام يصبر ويحتسب، فلما مرض اليهودي زاره، فدخل الرعب في قلب اليهودي ظنا منه أن محمدا عليه الصلاة والسلام جاء لينتقم منه مستغلا مرضه، وإذا به يفاجأ بأن النبي صلى الله عليه وسلّم جاء ليواسيه ويسأل عن حاله ويقدّم له العون إن لزم الأمر، عندئذ طأطأ اليهودي رأسه اعترافا له بالجميل وأعلن الشهادة وأصبح من المسلمين.
    فاتقوا الله عباد الله ، واقدروا الجار حق قدره، واحذروا أذيته، وصلوا وسلمو رحمكم الله على من أمر الله بالصلاة والسلام عليه ....



    الملفات المرفقة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. الدعاء سلاح المؤمن - قنوت النوازل ( خطبة الجمعة القادمة 9 ربيع الثاني 1433هـ
    بواسطة محمدالمهوس في المنتدى خطب جمعة جاهزة . . اطبع واخطب، منبر مضايف شمر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 29-02-2012, 23:43
  2. عاشوراء بين العمل المشروع والعمل الممنوع ( خطبة الجمعة القادمة 7/1/1433هـ
    بواسطة محمدالمهوس في المنتدى خطب جمعة جاهزة . . اطبع واخطب، منبر مضايف شمر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30-11-2011, 23:39
  3. خطبة الجمعة القادمة بعنوان ( انفولونزا الخنازير )
    بواسطة محمدالمهوس في المنتدى المنتدى الاسلامي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07-05-2009, 20:19
  4. خطبة الجمعة القادمة بعنوان ( انفولونزا الخنازير )
    بواسطة محمدالمهوس في المنتدى خطب جمعة مسموعة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-05-2009, 19:30
  5. خطبة الجمعة القادمة ( الخطبة الأولى - السحر والسحرة 26/3/1428هـ )
    بواسطة محمدالمهوس في المنتدى المنتدى الاسلامي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 16-03-2007, 23:10

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته