خطبة جمعة بعنوان
التحذير من اللعان والسب
عبدالله بن فهد الواكد
امام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة للشيخ عبدالرزاق العباد بتصرف مني
الخطبة الأولى
أيها الأحبة في الله : إن دين الإسلام دين الرحمة في أهدافه وغاياته وفي أعماله ومعاملاته ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة قال الله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلاَّ رحمةً للعالمين﴾ وأمة الإسلام أمة متراحمة قال تعالى ﴿وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة﴾
عباد الله إن رحمة الإسلام علامة مُشرقة لأهله وسمة بارزة لمتبعيه فمن خرج عن دائرة هذه الرحمة فإنما هو يمثل نفسه ولا يمثل الإسلام فنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام نبي الرحمة يقول عن نفسه صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثتُ رحمة ولم أبعث لعّانا" واللعان يا عباد الله هو المشتغل باللعنة والتي تجري على لسانه هذه الكلمة في كل وقت وحين بل إن بعض الناس والعياذ بالله يلعن صاحبه من باب المديح والتمجيد وصاحبه الملعون يتبسم غبطة بهذه الحلة التي ألقيت عليه و هذا ليس من شأن أهل الإسلام ولا مما تدعو إليه رحمة الإسلام يقول صلى الله عليه وسلم عن عموم أهل الإيمان أهل الفضيلة والكمال: "ليس المؤمن بالطّعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" وعندما يكون الإنسان بهذه الصفة طعانا لعانا لا يكون أهلا لأن يكون يوم القيامة شهيدا لأهل الإيمان ولا شفيعا لهم عند الله جل وعلا قال صلى الله عليه وسلم: "لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة".
عباد الله أتدرون أن اللعن دعاء بالطرد والإبعاد من رحمة الله والإسلامُ لم يدع لذلك إنما الإسلام كله رحمة و تراحُم وتواصُل ودعاء بالسلامة والرّحمة والبركة ويكفيك أن شعار المسلمين في تلاقيهم السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته ، ومن الناس والعياذ بالله من يجري على لسانه اللعنُ أكثر مما يجري على لسانه السلام والرحمة والبركة. اللعنُ أيها المسلمون شأنُه خطير وأضرارُه جسيمة وعواقبه على صاحبه وخيمة في الدنيا والآخرة وأشدُ اللعن وأَسوَؤُه وأقبحه وأشنعه وأفضعه وأنكاه وأشده جرما لعن ربّ العالمين والعياذ بالله أو لعن دين الإسلام أو لعن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ومثل هذا اللعن إذا صدر من مسلم كان بذلك مرتدًا عن دين الإسلام خارجا من دائرته ليس من أهل الإسلام بل هو كافر مرتدٌ ملحدٌ زنديق لا يقبل الله تبارك وتعالى منه صرفا ولا عدلا لا يقبل تبارك وتعالى منه فريضة ولا نفلا وأي جرم أفضع وأشنع من هذا ثم يأتي بعد هذا لعنُ المؤمنين ولا سيما خيارَهم ويأتي في مقدمة أهل الإيمان صحابة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وقد خصّهم عليه الصلاة والسلام بالذكر في هذه المسألة فقال في الحديث الصّحيح: "لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدُكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه" ويشتد الأمر فضاعة والجرم كبرا عندما يكون اللعن متجها لسادات الصّحابة وخيارهم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة المشهود لهم بالجنة وأزواج النّبي الكريم عليه الصلاة والسلام وقد عدّ غير واحد من العلماء مثل ذلك كفرا ناقلا من ملة الإسلام واستدلوا على ذلك بالقرآن بقول الله تبارك وتعالى: ﴿ليَغيظَ بهم الكفَّار﴾ عياذا بالله من ذلك ثم يأتي بعد ذلك لعنُ المسلم لأخيه فهذا أمرٌ في غاية الخطورة فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحديث الصحيح: "لعنُ المسلم كقتله" رواه البخاري ومسلم وجاء في الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". وعندما تصدر اللَّعنة من الإنسان على غير مستحِقّ لها فإنها ترجع إلى صاحبها فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال العبد لشيء لعنه الله صعدت اللعنةُ إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تذهب يمينا وشمالا فإن لم تجدْ لها مساغا رجعت إلى الذي لُعِنَ إن كان أهلا لذلك وإلا رجعت على قائلها" عباد الله وأشد ما يكون من اللعن فيما يتعلق بالناس لعن الإنسان لوالديه والعياذ بالله سواء تسبُّبًا أو إبتداء؛ إبتداء بأن يباشرهما باللعنة وتَسبُّبًا بأن يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعن الله من لعن والديه" عباد الله : جاء في السنة الصّحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن بالأوصاف ، كلعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وكلعنه عليه الصلاة والسلام في الخمر عشرة وكلعنه للواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والمتفلجات للحسن وكلعنه للمتشبهين من الرجال بالنساء ومن النساء بالرجال وكلعنه عليه الصلاة والسلام للمحلِّل والمحلَّل له إلى غير ذلك مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من اللَّعن بالأوصاف لا بالتعيين وفي مثل هذا عباد الله فإن الواجب الإلتزام بالسنة كما جاءت فمن رأى شخصا يفعل شيئا من هذه الأفعال لا يحل له أن يلعنه بعينه ولا يلعنه بشخصه أي لا يقول لعن الله فلانا لأنه قد يتوب فنبينا صلى الله عليه وسلم لعن بالخمر عشرة قال صلى الله عليه وسلم :" أتاني جبريل فقال : يا محمد إن الله لعن الخمر ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وشاربها، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وبائعها ، ومبتاعها ، وساقيها ، ومسقيها ". ومع ذلك لما جيء بذلك الرجل الذي تكرَّر شربه للخمر فقال أحد الصحابة لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلعنوه فإنه يحبُّ الله ورسوله" فلنستمسك بشريعة الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول ما سمعتم وأستغفر اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الثانية
عبادَ الله إن أمةَ الإسلام أمة متراحمة ، فأمة الإسلام أهل ود وصلة ورحمة قال الله جلا وعلا عنهم : ﴿وتَواصَوْا بالصبر وتواصوا بالمرحمة﴾ وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "مثل المؤمنين في توادَّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" وأما أهل التلاعن فهم الكفار والعياذ بالله ، أهل النار الذين وصفهم الله بقوله : ﴿كلما دَخَلتْ أمَّةٌ لَعَنَتْ أُختَها﴾ فالتلاعن ليس من صفات أهل الإيمان فشأن المسلم عباد الله تجاه إخوانه رحمتُهم والإحسان إليهم والدعاء لهم بالخير والاستغفار لهم لا لعنهم والطّعن فيهم والوقوع فيهم بالمسبة يقول الله تعالى لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام: ﴿واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات﴾ ويقول الله تعالى في شأن أهل الإيمان : ﴿والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربَّنا إنك رؤوف رحيم﴾ وقد رتب الله جلَّ وعلا أجورا عظيمة وأفضالا عميمة وخيراتٍ كبيرةً لمن يبذل لإخوانه المؤمنين الدعاء والاستغفار وتأملوا رعاكم الله هذا الحديث العظيم عن نبيكم الكريم عليه الصلاة والسلام رواه الطبراني في معجمه بإسناد حسن من حديث عبادة بن الصامت أنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال: "من استغفر للمسلمين والمسلمات كان له بكل واحد منهم حسنة" إذا قلت رعاك الله في دعائك اللهمّ اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات كان لك من الحسنات بهذه الكلمة بعدد الناس من زمن آدم إلى أن يَرِثَ الله الأرض فكم من مليارات الحسنات تنالها بهذا الدعاء الله أكبر ما أعظم فضل الله وما أوسع رحمة الله اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ....
المفضلات