بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله .. الحمد لله (الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته، وهو الولي الحميد) .. خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى ، فجعله غثاء أحوى .. السماءَ بناها، والأرضَ دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبالَ أرساها.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. الكرم صفة من صفاته، والجود من أعظم سماته، والعطاء من أجلّ هباته،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً ، أما بعد :أيها الناس / اتقوا ربكم واستغفروه (استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً ، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) .عباد الله / نَضَبت الآبار، ويبِست الأشجار، وذبلت الأزهار، وقلت الثمار، ومات الزرع، وجف الضرع ، الأرض قد قَحِطت، والمواشي قد هَزُلت، والقلوب قد يئست ، وبينما الناس كذلك، إذا برحمة الله تنزل، فرَويت الأرض، وجرت الوديان، وامتلأت الآبار، وسالت العيون، وفاضت السدود برحمة الله وفضله ، وواللهِ، لولا اللهُ ما سُقينا ولا تنعّمنا بما أوتينا، فلقد فرح بهذه النعمة الصغار والكبار، والصالحون والمقصرون ترى البهجة والسرور في وجوههم، استبشاراً برحمة ربهم ، بل لم تدع الفرحة فرصة لآخرين، فانطلقوا بسياراتهم ، إلى أماكن اجتماع السيول ونزول الأمطار .وبمناسبة نزول الأمطار ياعبادالله فهذه بعض الوقفات على وجه الاختصار .الوقفة الأولى / إن في نزول الأمطار وتصريفها بين البلاد، عبرةً لأولي الأبصار، وعظةً للعصاة والفجار، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ، لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ، وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا) علينا أن نتذكر بنزول المطر، أن الله تعالى هو وحده القادر على إنزال الغيث ، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى وهو يتحدث عن نزول المطر: "فيرش السحاب على الأرض رشًا، ويرسله قطرات منفصلة، لا تختلط قطرةٌ منها بأخرى، لا يتقدم متأخرها، ولا يتأخر متقدمها، ولا تدرك القطرة صاحبتها فتمتزج بها، بل تنزل كل واحدةٌ في الطريق الذي رُسم لها، لا تعدل عنه حتى تصيب الأرض قطرةً قطرةً، قد عينت كل قطرة منها لجزء من الأرض لا تتعداهُ إلى غيره،فلو إجتمع الخلق كلهم على أن يخلقوا قطرةً واحدةً أو يحصوا عدد القطر في لحظة واحدة لعجزوا عنه"، ثم قال رحمه الله: "فتأمل كيف يسوقه سبحانه رزقًا للعباد والدواب والطير والذر والنمل،يسوقه رزقًا للحيوان الفلاني في الأرض الفلانية بجانب الجبل الفلاني، فيصل إليه على شدة الحاجة والعطش"، فتبارك الله أحسنُ الخالقين وربُّ العالمين. اهـالوقفة الثانية / أن المطر نعمة من نعم الله، تستوجب شكر المنعم سبحانه الذي أنزله الله علينا ، فلولا فضله ورحمته ما سقينا .. فشكره بالثناء عليه باللسان، والقيام بطاعته والإنابة إليه ،فهو سبحانه يحبّ الشاكرين، ويزيد النعم عند شكرها، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) وقال سبحانه: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ، أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) .فاللهم لك الشكر على آلائك التي لا تعد ولا تحصى، اللهم لو شئت لجعلت ماءنا أجاجاً، ولكن برحمتك جعلته عذباً زلالاً، فلك الحمد والشكر لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك .الوقفة الثالثة / إن إنزال المطر ليس بالتأكيد دليلا على رضا الله عن خلقه، فها هي دول الكفر والضلال ينزل عليها المطر يوميًا وعلى مدار العام .فلا يظن الواحدُ منا أن هذا المطرَ دليلُ رضا الله عن العباد، أو هوجزاءٌ مستحق لما قدمناه من أعمال؟نقول هذا: وفينا من لا يزال مصراً على الذنوب والعصيان، أو الظلمِ والعدوان،والتقصيرِ في حق الله، أو ظلمِ عباد الله.ليست القضية بالمكافأة، بل هي رحمة الله الواسعة ، ووالله ثم والله ، لولا رحمةُ الله بنا ، وحلمُه علينا، ما رأينا هذا الخيرَ.قد ينزل المطر بسبب دعوة رجلٍ صالحٍ أو صبي ، أو رحمة بالبهائم ، وقد يكون استدراجًا من الله تعالى لخلقه ، وقد تكون تنبيهًا للمؤمنين المقصّرين لشكره وحمده والرجوع إليه .. نسأل الله أن يرزقنا شكر نعمته ، والإنابة إليه .ويشهد لهذه الحقيقة ويبرهن عليها، ما جاء في سنن ابن ماجه بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لم يَنقُص قومٌ المكيالَ والميزان، إلا أخذوا بالسنين وشدةِ المؤنة وجورِ السلطان ، ولم يَمنعوا زكاةَ أموالهم، إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائمَ ما أُمطِروا))الوقفة الرابعة / من السنن النبوية المأثورة ما جاء في بعض الرخص المتعلقة بنزول المطر، ومن هذه الرخص الجمع بين الصلاتين، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين الصلاتين في المسجد، رفعاً للمشقة عن أمته، ومن الرخص أيضاً، الصلاة في الراحلة أو في البيوت عند الحاجة .ومن السنن النبوية ما علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدعية والأذكار المتعلقة بالمطر . فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم كما يروي البخاري إذا رأى المطر قال: ((اللهم صيِّبا نافعا))،وعندما يتوقف المطر يقول: ((مطِرنا بفضل الله ورحمته))، وإذا نزل المطر وخشي منه الضرَر دعا وقال: ((اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر))، وإذا هبت الريحُ نهانا عن سبّها لأنها مأمورة، وكان يدعو بهذا الدعاء: ((اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به))، وجاء في الأثر بسند صحيح عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: (سبحان الذي يسبح الرعدُ بحمده والملائكةُ من خيفته).ومن سنن المطر(الدعاء) فالدعاء عند نزول المطر من الأدعية المستجابة، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ثنتان ما تردان : الدعاء عند النداء وتحت المطر)) رواه الحاكم وحسنه الألباني. ومن السنن المأثورة عند نزول المطر، أن يحسر الإنسان شيئا من ملابسه حتى يصيبه المطر، تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في صحيح مسلم عن أنس قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ قال: ((لأنه حديث عهد بربه)). فليحرص المسلم على هذه الأذكار والسنن، وكم هو جميل أن يعلّمها أهله وأطفالَه، ويرغبهم في حفظها والعمل بها .عباد الله / بقدر ما دخلت نفوسنا الفرحة الغامرة بنزول المطر، فإنه يسوءنا ما نراه من بعض المشاهد السيئة التي صاحبت نزول الأمطار ،شاهدنا تجمعات المياه المؤذية في بعض الشوارع والأحياء – نعم عباد الله - قد يكون لبعضها ما يبرره،لكن الأمر غير المبرر أن ترى الغش وعدم الأمانة من بعض المقاولين ومنفذي أعمال الطرق ومجاري المياه، وعدم التزامهم بالمواصفات والشروط، فما إن نزل المطر، حتى تجمعت المياه في تلك الطرقات، وجمعت معها الأوحال والأوساخ بل تسببت بغرق الكثيرين من الناس كما هو المشاهد في مدينة جده ، ألا فليعلم منفذو تلك الطرقات بلا أمانة، ومستلموها منهم، أنهم شركاء في الوزر والإثم .. أمام الله أولاً ، ثم أمام ولاة الأمر، وعامة المسلمين المتضررين ، وعلى جانب آخر، وفي بعض المباني، كشفت مياه الأمطار عن غش بعض المقاولين وعدم إحكامهم البناء ، فترى السقف يخر من ماء المطر، أو ترى النوافذ يتسرب منه الماء فتفسد أثاث البيوت .ومن المظاهر السيئة التي تصاحب نزول الأمطار، ما يقوم به بعض المستهترين ممن يسيرون بسرعة جنونية في مياه الأمطار فيؤذون المارة، ويملئون ثيابهم بالأوساخ .. ألا فليتق الله المسلم، وليعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به، وأن يحذر كل الحذر من أذية المسلمين في طرقهم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما عند الطبراني بسند حسن: (من آذى المسلمين في طرقهم، وجبت عليه لعنتهم) نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ، وجعلنا الله وإياكم من عباده الشاكرين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .الخطبة الثانيةالحمد لله الذي جعل بعد الشدة فرجاً ، وبعد الضر والضيق سعة ومخرجاً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . عباد الله / كثيرمن الناس ينظر إلى نعمة الغيث نظر بصر مجرد غفلوا عن أشياء كثيرة، وفاتهم غيث القلوب، وهو النظر إلى تلك النعمة بنظر البصيرة والاعتبار بهذه الآية العظيمة؛ ففي هذا الغيث مواطن للعبر وآيات للتذكر، ومن أبرزها أنه دليل باهر وبيانٌ قاهر على توحيد الله وعظيم أمره وجليل سلطانه، لو اجتمع الإنس والجن والملائكة وأرادوا إنزال قطرة غيث واحدة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وإذا أراد الله أمرًا فإنما يقول له: كن فيكون.ويا سبحان الله ينشئ المولى سبحانه السحاب فتتراكم وتتجمع على أشكال مختلفة، ثم تأتي الرياح بأمره فتسوقها إلى بلد محدد دون بلد آخر، وإلى مكان محدد دون مكان آخر، فينزل المطر بقدر معلوم وفي أوقات معلومة بتقدير العزيز العليم، روي عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره أنه قال: ليس عام أكثر مطرًا من عام، ولكن الله يقسمه كيف يشاء، فيمطر قوم، ويحرم آخرون، وربما كان المطر في البحار والقفار،وهذا معنى قوله سبحانه: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ( ألا فصلوا وسلموا على من أمر الله بالصلاة والسلام عليه فقال (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً)) [الأحزاب:56]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً)) أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه .اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد ...........
المفضلات