/
الوجبة الأخيرة في هذا الدوري الثقافي الممتع ..
أسأله جل في علاه يقبل العمل مع قلته والجهد مع ضآلته والسعي مع شوائبه.
/
من سفح " جبل المعرفة " – بعالم فانتازي التضاريس - أكتب لكم معاناتي في تسوّر شخانيبه وماصادفني لكي أصل إلى هذا المكان الذي أكتب لكم منه . .
أصعب ما في المنظر الذي أشاهده من سفحه أنني لا أرى عدا ذوي العقول الصغيرة ترتع وتلعب في سهوله وقفاره فيقترضون الجهل نقدا ليقضوه نسيئه ، محنّطه عقولهم بكفن الضياع .
بكل موضع صعود في هذا الجبل أجد شيخاً طاعناً بالسنّ ، يمنح همّتي حياة جديدة . . نصيحة يحفرها داخل نفسي ، فكانت أولى مغامراتي واجهت شيخاً دنوت منه أريد أن القي عليه السلام ولكن فاجئني بالتفاتته لي وشعر حاجبيه متهدّل على عينيه رافعا عصاه مشيرا لي بموضع صعود ، اقتربت منه على وجل فمنظره يذكرني بكبار سن أفلام الفانتازيا ولديهم قدرات خارقه ، يخال لي أن برقا أو هالة من الضوء سوف تصيبني من عكّازه ، يبدو انه شعر بقلقي ولم يٌعره اهتماما بل قال لي :
إن لم تجد من يحبك فإنك إنسان تعيس .. وإن تحب من لا يحبّك فإنك إنسان أتعس !
فلم أنبس ببنت شَفَة . . فيكفيني هذا منه
" فرقاه غنيمة ". ارتفعت متسلقا قليلا وتوقفت على صخرة ملساء فجلست ألتقط أنفاسي ، قطع أنفاسي صوت أجشّ بجانبي يقول :
يا بنيّ : المتكبر كالواقف على جبل يرى الناس صغاراً .. ويرونه صغيرا ! ، فنظرتُ إليه وهيئته ليست بعيده عن من قبله . .ثم أشار لي بعكّازه بأن اسلك جرفا مائلا ، فسلكته .انتهى بي في طريق مسدود ، فجلست أترقب يسارا ويمينا أنتظر ظهور لي شيخا ولم أشاهده .. فارتحت قليلا ، وقطع استراحتي صوتا يقول لي :
قد يرى الناس الجرح الذي في رأسك لكنهم لا يشعرون بـالألم الذي تعانيه !!
رفعت نظري لجهة الصوت ، فكان شيخا آخر يقف على صخورٍ مرتفعه ويشير لي بأن أتسلق تلك الصخور إليه ، وتسلقت أول صخرة فتوقفت وقلت له : مستحيل !! قال لي : جرّب ، فجربت وصعدت قليل ثم قلت : لا أقدر !! قال : حاول ، فحاول مرارا وتكرارا وصعدت قليلا ، ثم قلت : لا أعرف كيف أصل إليك؟! ، قال : تعلم ، فمن التجربة وكثرة المحاولات اهتديت إلى طريقي إليه بمشقة ، فوقفت منه مسافة بعيده بعض الشيء عن عكّازه . فأدار لي جانبه وهو ينظر للأسفل وأشار بعكّازه أن أقف بجانبه ، فنظرت إلى ما ينظر إليه فرأيت بشرا يمرحون ويلعبون في السهول ، فقلت : من هؤلاء ؟ قال : هم صغار العقول ، اقترضوا الجهل نقداً ليقضوه نسيئه . . أرأيت ذاك الجبل المقابل لنا ، قلت : نعم ، قال : هذا جبل " الجهل " ، يرسل سفرائه لهم ، ويزيد جهل الجاهلين جهلا .
قلت : وكيف لنا أن نهديهم ؟ هنا قال لي أجلس وناولني قلما وقطعة جلد ، وطلب منّي الكتابة :
إن عقل الإنسان بدون علم كـ الوردة بدون ماء فـ بدونه قد تموت تلك العقول قبل أن تجد من ينقذها !! تسلّح بالأمل وضع شعارك " إن غدا لناظره قريب " وأعمل لهذا الغد بتغذية عقلك وتنمية مداركك ، قد تصل إلى الغد وقد تفنى دونه ولكن رسالتك هذه أحرص أن تصل إلى الغد وتبقى ما بقي عسيب .
ثم دنى منّي فتدنّى منه عكازه ليلامس قدمي ، فوكزني طالبا منّي النهوض ، فبثّ في نفسي الطمأنينة وقال لي ، أنت سفير جبلنا هذا اليوم ، فأمض إلى من بالسهول ، ولعلّ يهدي بك الله واحدا منهم خيرا لك من حمر النّعم.
قلت : أخاف أن يطردوني ، قال : طرد الرسول صلى الله عليه وسلم فبنى دوله.
قلت: قد يسجنوني ، قال : سجن ابن حنبل فصار إمام السنة.
قلت : أخاف أن لا تتغير حالهم ؟ ، قال : من المحال دوام الحال.
قلت: أعطني شيئا أشدد به أزري !! ، فقال: أفضل العبادة انتظار الفرج ، والأيام دول والليالي حبالي والغيب مستور والغد لناظره قريب.
/
/
أطلت عليكم ، قلت في نفسي آتيكم بنثر حنيذ قبل أن يسدل هذا الدوري الثقافي ستاره.
أسأله جل في علاه أن تشرئب أعناقكم لصعود جبل المعرفة وتبتعد عن سرادق المعصية ويجنب عقولكم سراديب الفتن ما ظهر منها ومابطن
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
.
المفضلات