خطبة جمعة يوم الغد
25/1/1432
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
المرجع
خطبة للشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
الخطبة الأولى
أما بعد:أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعملوا أن من أعظم ما شرعه الله في الإسلام إفشاء السلام، الذي هو تحية أهل الإسلام ، وتحية الملائكة ، وتحية أهل الجنة ، وتحية المؤمنين يوم يلقون ربهم ، وقد أمر الله بالسلام عند دخول المسلمين بعضهم على بعض في بيوتهم ، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) [النور:27]، وقال تعالى: ( فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة )[النور:61]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام )) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وقال عليه الصلاة والسلام : ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم )) رواه مسلم.
وأمر عليه الصلاة والسلام بالسلام عند اللقاء فقال : ((إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه ، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه )) رواه أبو داود.
وكما أن السلام يشرع عند القدوم وبداية الجلوس ، فإنه يشرع عند القيام والمفارقة للمجلس ، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : (( إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، فإذا أراد أن يقوم فليسلم ، فليست الأولى بأحق من الآخرة ))، رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
والسنة أن يُسلّم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والقليل على الكثير ، والصغير على الكبير ، وكيفية السلام أن يقول المبتدئ: السلام عليكم رحمة الله وبركاته ، ويقول المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وهذه أكمل صيغة ، وإذا اقتصر المبتدئ على قول السلام عليكم ، فرد عليه بقوله: وعليكم السلام ، فهذا يجزئ والأحسن أن يزيد في الرد، قال تعالى: ( وإذا حُيّتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) ، قال ابن كثير – رحمه الله – أي إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم ، أو ردوا عليه بمثل ما سلم ، فالزيادة مندوبة ، والمماثلة مفروضة : أي أن الابتداء بالسلام مستحب ، ورده واجب ، ويكون بلفظ السلام لا بلفظ آخر.
فما يعتاده الناس من استبدال لفظ السلام : بقولهم : صباح الخير ، أو : صباح النور ، أو غير ذلك من الألفاظ هذا ليس بسلام ، وكذلك لا بد أن يتلفظ بالسلام ولا يكتفي بالإشارة باليد أو الرأس ، فقد جاء النهي عن ذلك في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال: (( ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع ، وتسليم النصارى الإشارة بالكف )) رواه الترمذي وله شواهد.
لكن إذا كان المُسَلّم عليه لا يسمع لبعده أو لضعف في سمعه أو نحو ذلك فلا بأس بالإشارة لتنبيهه مع التلفظ بالسلام.
والسلام من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، فالمسلم الذي ليس بمشهور بفسق ولا بدعة يُسلِّم ويُسلَّم عليه.
وأما الفاسق والمبتدع فلا ينبغي أن يسلم عليهما ، ولا يرد عليهما السلام حتى يتوبا ، فقد هجر النبي الثلاثة الذين خلفوا إلى أن تاب الله عليهم.
وأما الكفار فتحرم بداءتهم بالسلام ، فإن بدأونا قلنا: وعليكم ، لما في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله قال: (( لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام ، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه )).
وفي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله : ((إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم)).
ثم اعلموا – رحمكم الله – أن هناك أحوالا لا يشرع فيها السلام ، منها:
إذا كان الإنسان على حاجته من بول أو غائط ، فإنه لا يسلم عليه ، ولا هو يرد السلام ، ومنها حال خطبة الجمعة ، فإذا شرع الخطيب بالخطبة فلا يسلم أحد على أحد ، لأن الجميع مأمورون بالإنصات ، وإذا سلم عليك أحد أثناء الخطبة فلا ترد عليه ,
ومنها حال الاشتغال بتلاوة القرآن، فالتالي للقرآن لا يسلم عليه ، ومما يجدر التنبيه عليه ما اعتاده بعض الناس من السلام مع المصافحة بعد صلاة الفريضة أو صلاة النافلة ، فهذا السلام غير مشروع ، وإذا داوم عليه الناس صار بدعة . أما لو فعله المسلم لسبب عارض من غير مداومة ، كما لو سلم على من لم يره منذ فترة ، أو سلم عليه ليكلمه في حاجة فلا بأس بذلك.
والمصافحة عند اللقاء سنة مرغب فيها ، ففي سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجة عن البراء قال: قال رسول الله : ((ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غُفِر لهما قبل أن يتفرقا)).
وأما المعانقة والتقبيل فإنما يشرعان في حق القادم من سفر، أما غير القادم من سفر فلا ينبغي فعلهما معه. ويحرم الانحناء عند السلام لما في سنن الترمذي عن النبي أنه سئل عن الرجل يلقى أخاه ينحني له ؟ قال : لا ، ولأن الانحناء نوع ركوع ، والركوع والسجود لا يجوز فعلهما إلا لله – عز وجل –
عباد الله: ومن بلغه سلام من غائب وجب الرد عليه، فإن كان بواسطة شخص فإنه يقول في الرد. وعليه السلام، وإن كان بواسطة كتاب أو رسالة جوال أو نحو ذلك فإن قرأه يقول: وعليكم السلام، فيرد عليه بأحسن من تحيته أو مثلها.
فاتقوا الله – عباد الله – وأفشوا السلام بينكم لما فيه من المصالح والخيرات وإحياء السنة وإزالة الجفوة، فإنه من طيب الكلام ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. . .
الخطبة الثانية
أما بعد: أيها الناس: فاتقوا الله تعالى، وتمسكوا بمحاسن الأعمال ومكارم الأخلاق، واعلموا أن
مما ينبغي التنبيه عليه هو التفريق بين القيام للسلام و القيام للتقدير والتعظيم ، فالقيام لأجل السلام على القادم من سفر أو الداخل على قوم جالسين في مكان لا بأس به.
وأما القيام من أجل احترام الشخص لا من أجل السلام عليه ، كما يقام للعظماء حتى يجلسوا، وكما يأمر بعض المدرسين الطلاب أن يقوموا له إذا دخل الفصل ، أو إذا جاء زائر للفصل قاموا له ؛ فهذا لا يجوز، قال شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله -: لم تكن عادة السلف على عهد النبي وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه عليه السلام كما يفعله كثير من الناس ، بل قد قال أنس بن مالك : لم يكن شخص أحب إليهم من النبي ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له من كراهته لذلك.
وربما قاموا لقادم من مغيبه تلقيا له كما روي عن النبي أنه قام لعكرمة. وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ: ((قوموا إلى سيدكم..)) ، ولهذا فرقوا بين أن يقال : قمت إليه ، وقمت له ، ولقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي لما صلى بأصحابه قاعدا في مرضه وصلوا قياما فأمرهم بالقعود وقال: (لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضهم بعضا ) ، وقد نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد لئلا يتشبه بالأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود.
ألا وصلوا وسلموا
المفضلات