هديتي لكم أحبتي هذه الخطبة
وهي بعنوان
(( لم يلد ولم يولد ))
فلا تنسوني من الدعاء
فإن بكل دعوة منكم لكم بمثلها
تمثلوا قول القائل :
مادعوة أنفع ياصاحبي....مندعوة الغائبللغائب
ناشدتكالرحمنياقارئاً....أن تسأل الغفران للكاتب
وفقكم الله
دمتم بخير
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، الملك الحقِّ المبين، عالم الغيب والشهادة وهو العزيزُ الحكيم، نحمده سبحانه وتعالى وبه نستعين، ونستهديه جل وعلا ونتوب إليه ونستغفره وهو الغفور الرحيم. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الأحد والفرد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدا، ونشهد أن محمد عبده ورسوله، ومصطفاه وحبيبه، أرسله الله كافة للناس ورحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.....أما بعد:
أيها الناس / أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله جل وعلا، فاتقوا الله حق التقوى، فقد أمرنا رب العزة في قوله((يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ))
عباد الله / سورة قصيرة من كتاب الله تبارك وتعالى تعدل ثلث القرآن ، فيها التوحيد والإخلاص، وفيها العقيدة الصافية النقية ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ )) نعم عباد الله - الله تبارك وتعالى لم يتخذ ولداً، ولم يتخذ صاحبة، ولم يأت سبحانه وتعالى من أحد، ولم تكن له ذرية ولا نسباً كما زعمت اليهود والنصارى، قالوا: المسيح ابن الله، وقالوا: عزير ابن الله ؛ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
فالله تبارك وتعالى لا يحتاج إلى أحد من خلقه، والخلق كلهم محتاج إليه، فهو الغني والخلق كلهم فقراء،وهو الصمد الكامل في صفاته، الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته والذي لا تستقيم الحياة إلا برعايته وكلئه ولطفه سبحانه وتعالى.
فسورة الإخلاص تقرر عقيدة أساسية يجب أن تستقر في سويداء قلب كل مخلوق في هذا الكون، ألا وهي : الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ولا رب غيره وأن الله سبحانه هو الإله الحق ولا إله غيره،وهو الذي يخلص له المؤمن في تعبده وخوفه ورجائه ودعائه وطاعته وتوكله واحتكامه ، وهو فرد صمد لم يلد ولم يولد ((إِنْ كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا )) فعلى ضوء عقيدة التوحيد الفطرية التي قررتها سورة الإخلاص، نستطيع أن نقول بكل ثقة واعتزاز، وأن نؤكد لكل البشرية المتخبطة الحائرة، بأن عيسى عليه السلام عبدٌ لله تبارك وتعالى فهو كآدم عليه السلام، ليس له أب، ولكن لعيسى أمٌّ عليهما السلام. ولهذا ينسبه عز وجل إلى أمه حيث قال تبارك وتعالى)) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ )) نعم عباد الله- لقد حار كثير من النصارى واضطربوا في أمر عيسى عليه السلام ، هل هو الله ؟أو هل هو ابن الله ؟أو هل هو ثالث ثلاثة ؟ ولكنّ الله سبحانه وتعالى لم يلد ولم يولد ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ((مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ )) وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى التوحيد، فإن عيسى عليه السلام أيضاً دعا إلى التوحيدكما قال تعالى ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ )) وإذا كان نصارى اليوم قد نسبوا إلى عيسى عليه السلام القول بإلوهيته أو بنوته لله تبارك وتعالى ، فإن عيسى عليه السلام سوف يكذبهم ويفضحهم على ملأ من الأشهاد يوم القيامة حيث يقول الله عز وجل ((وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )) فالذين يؤلهون عيسى عليه السلام، أوالذين يدَّعون بُنُوّتَه لله تبارك وتعالى حاشاه عزوجل،أويقولون إن الله ثالث ثلاثة،أولئك هم الكفار الضلال الفجار الذين يجب نحن - أمة التوحيد - أن نبرأ منهم، ومن قولهم، والله عز وجل يقول ((لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))
وبعد بيان كفر هؤلاء القوم المنتسبين إلى عيسى عليه السلام زوراً وبهتاناً، وبعد وضوح ضلالهم ، هل يجوز لنا- نحن المسلمين- أن نشاركهم في أعيادهم وفي مناسباتهم الدينية الشركية الكفرية ولقد لعنوا بما بدلوا وحرفوا في دين الله عز وجل ؟
فأعيادهم من دينهم المحرف،وأعيادهم مرتبطة بالكفر الأكبر الذي إذا سمعته الجبال والسموات والأرضـون، كادت أن تتفطر، وتتصـدع((وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا))
فإذا كانت - أيها الأخوة - السماوات والجبال والأرضون يتفاعلن هذا التفاعل الرهيب مع الذين ينسبون لله تعالى ولداً، فكيف بربكم - يا عباد الله من يشارك النصارى أعيادهم و احتفالاتهم ويهنئهم على باطلهم ويشابههم في منكرهم .
فاتقوا الله عباد الله واعتزوا بدينكم ، واعتمدوا على ربكم، وتوكلوا عليه، وسيروا على نهجه، والتزموا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم تفلحوا وتسعدوا....
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وليِّ الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أدَّخِرها ليوم الدين، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الذي أُرْسِلَ رحمةً للعالمين، صلى الله وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً .
أمّا بعد: عباد الله / أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فيا سعادةَ مَن أطاعه، ويا فلاحَ مَن اتَّقَاه.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم - أحكام أهل الذمة : أما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق، وذلك مثل أن يهنئهم بأعيادهم فيقول : عيدك مبارك. أو تَهْنأ بهذا العيد : ( أو العبارات التي نسمعها الآن ). فهذا إن سلم قائله من الكفر (( والعياذ بالله )). فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه .. فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر، فقد تعرض لمقت الله وسخطه أ. هـ
ومن المؤسف حقاً – عباد الله – أنْ نرى من المسلمين من يهدي للكفار بهذه المناسبة (( شجرة الكريسمس)) مزينة بالأنوار،علماً بأن هذه الشجرة هي أيضاً رمز ديني لعقيدتهم الباطلة. كما قال سبحانه وتعالى لمريم ((وَهُزِّي إليكِ بِجِذْعِ النّخْلةِ تُسَاِقطْ عليكِ رُطَباً جَنِياً))
فهم يعتقدون أن مريم ولدت المسيح عليه السلام تحت شجرة،وهكذا يتخذون هذه الشجرة رمزاً دينياً لهم,فإذا ما أصبح الصباح وجد الكبار والصغار الهدايا تحت هذه الشجرة. فيتساءل الطفل: من أين هذه الهدية؟ من جاء بهذه الهدية إلى هنا؟عندئذ يقولون : إن هذه الهدية منحة من الرب يسوع، أرسلها عن طريق ذلك الدجال الذي يسمونه ( بابا نويل ) .. فهل يجوز لنا يا موحدون أن نهديهم تلك الشجرة أو غيرها؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : لا يجوز بيع كل ما يستعينون به على إقامة شعائر دينهم .
فاتقوا الله عباد الله وعظموا شعائر الله في قلوبكم ، وربوا أنفسكم وأبناءكم على تعظيم الله والاعتزاز بدينه .
ثم إنَّ الله جلّ وعلا أمرنا بأمرٍ عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبيّ الكريم.
اللّهمّ صلِّ وسلّم وبارك وأنعِم على سيِّدنا وحبيبنا ونبيِّنا محمّد، وارض اللّهمّ
عن الخلفاء الرّاشدين والأئمّة المهديّين: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن الآل والصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعزّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين...
المفضلات