بدا زيد كعادته يوميا بايقاد ناره التي يسهر ويسمر معها كل ليلة . مترقبا ان يزوره صديق يشاطره الحديث. فبعد بلوغه الستين سنة وحصوله على تقاعد من وظيفته المرموقة. وجد فراغا كبيرا في حياته . فقد اشغلته الوظيفة ومهامها وكثرة ارتباطاته عن التواصل مع مجتمعه . فهو محط الانظار اينما حل وارتحل . لذا فضل العزلة حتى يستطيع الاستمرار باداء وظيفته بعيدا عن تلك العلاقات الاجتماعية التي كان يخشى ان تؤثر سلبا على وضعه الحساس في مركزه.
مع توقد النار يخيم على المكان هدوء . لم يعتد عليه حين كان في زحمة اعماله. بل لم يكن يعتقد ان الهدوء احيانا اكثر ازعاجا من الضجيج .
عيناه لازالت ترقب اعواد الحطب . واذنه ترقب لسماع صوت قادم او رنة هاتف . وذاكرته تجول في صخب ايامه السابقة . وكيف انه كان يجدول اوقاته لشهر قادم واكثر. واحيانا لايجد الوقت للرد على مكالمة او ارسال رسالة لصديق.
تمتد يديه بلا شعور الى دلته ليضعها على النار . ويعود الى سكونه المعتاد . يقلب ارقام اصدقائه . مترددا بطلب احدهم وتبادل السلام والسؤال .
وها هو اول القادمين عليه اخوه سالم . عم اخوه اكبر منه سنا وهو اقرب الناس اليه مجالسة وصحبة.
زيد : حياك الله يا سالم .
سالم : الله يحييك
زيد : ياسالم وينك اليوم كله؟
سالم : كنت مدعوا لدى صديق لي
زيد : يا سالم . لقد احسست بملل في حياتي
فراغ كبير وكل من حولي منشغل بحياته
اين ذكريات الامس الجميل؟
واين اجتماع وتجمعات الاهل والاقارب؟
ياسالم اكاد ان اجزم بانني اعيش بمفردي هنا
سالم : يازيد لقد تناقشنا كثيرا عن هذا الموضوع. ولم ارغب يوما ان جرح لك احساسا .
زيد : سالم لم اكن زاهدا باهلي واقاربي . لكن ظروف الحياة اجبرتني على ذلك؟
سالم : يازيد هناك امور كثيرة نعملها لانرى نتاجها وردة فعلها الا بعد سنين طويلة. والناس يعاملونك بالمثل فحين لاتحضر لهم زواجا ولا عزاء ولا تقف مع صاحب الحاجة منهم . ولاتواسي المسكين فيهم . حتما سوف يحاولون نسيانك او تهمشيك
زيد: لم اكن اتخيل ان احتاج للاجتماع بهم بل واشتاق لذلك ايما اشتياق؟
سالم : لقد خذلك الاقربون وانت بحاجتهم مثلما يعتقدون انك خذلتهم وهم بحاجة اليك.
يازيد يداك اوكتا وفوك نفخ
يعود السكون للمكان ويلتحف المكان صمت لايقطعه الا صوت فناجيل القهوة بيد زيد ليسكب له فنجالا من القهوة .
ومع فنجال اخر
المفضلات