السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خطبة جمعة يوم الغد
20/12/1431
بعنوان
( النية مطية )
كتبها / عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحمد لله القائل : ( وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ، أحمده حمد الشاكرين ، وأثني عليه ثناء المخبتين ، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين ، لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وخلفائه الغر الميامين ، وصحابته الطيبين الطاهرين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
أيها المسلمون : اتقوا الله عز وجل القائل ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
أيها الناس :قال تعالى: ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ، أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ )
وقال سبحانه وتعالى: ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين )
قيل للفضيل بن عياض: يا أبا علي : ما أخلص العمل وأصوبه ؟ فقال : "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل ، حتى يكون خالصًا صوابًا . والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة . ثم قرأ قوله تعالى : {فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}
أيها المسلمون : الإخلاص هو روح عمل المسلم ، وأهم صفاته ، فبدونه يكون جهده وعمله هباءً منثورًا ، فيجب على المسلم أن يكون مخلصًا لله عز وجل لا يريد رياءً ولا سمعة ، ولا ثناء الناس ولا مدحهم وحمدهم ، إنما يعمل الصالحات ويدعو إلى الله يريد وجهه تعالى
أيها المسلمون : الأخلاص لا يكون إلا بنية صالحة ، لأن النية هي المنطلق للأعمال كلها ولا يكون الإخلاص إلا بصلاح النية ، لا يمكن أن يجتمع الإخلاص مع فساد النية ، وصدق العرب إذ يقولون ( النية مطية )
فالنية يا عباد الله : أساس العمل وقاعدته، ورأس الأمر وعموده، وأصله الذي عليه بُنِيَ؛ لأنها روح العمل، وقائده، وسائقه، والعمل تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها ، وبها يحصل التوفيق ، وبعدمها يحصل الخذلان ، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى : ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )
وجاء في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..."
وهذا يدل على أهمية ومكانة النية ، وأن الدعاة إلى الله والعلماء والمنفقين والصائمين والقائمين والحجاج والمعتمرين وغيرهم من المسلمين بحاجة إلى إصلاح النية ، فإذا صلحت أُعطي العبد الأجر الكبير والثواب العظيم ، ولو لم يعمل بما نواه ، إنما نوى نية صادقة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا مرض العبد أو سافر كُتِب له مثلُ ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا " والحديث في البخاري ، وعند أبي داوود وصححه الألباني ، قال صلى الله عليه وسلم : " ما من امرئٍ تكون له صلاة بليل فيغلبه عليها نوم إلا كُتبَ له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة " وعند أبي داوود والنسائي بسند قواه بن حجر في الفتح قال صلى الله عليه وسلم: " من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلى وحضر لا ينقص ذلك من أجره شيئًا "
وعند الإمام مسلم ، قال صلى الله عليه وسلم : " من سأل الله الشهادة بصدقٍ بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه "
وهذا يدل على فضل الله سبحانه وتعالى وإحسانه إلى عباده ؛ كما وورد في البخاري في غزوة تبوك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد تركتم بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا أنفقتم من نفقة ، ولا قطعتم من وادٍ إلا وهم معكم فيه "، قالوا: يا رسول الله كيف يكونون معنا وهم بالمدينة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : "حَبَسهُمُ العذر" وهنا يتبين دور العذر الشرعي في كتابة الأجر
فيا أيها المسلمون : بالنية الصالحة يضاعف الله الأعمال اليسيرة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل جاء إليه مقنع بالحديد ، فحينما قال يا رسول الله : أقاتل أو أسلم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " أسلم ثم قاتل " ، فأسلم ثم قاتل فَقُتِلَ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عمل قليلاً وأجر كثيرًا" والحديث في الصحيحين
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل في الإسلام ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه الإسلام وهو في مسيره ، فدخل خف بعيره في جحر يربوع ، فوقصه بعيره فمات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عمل قليلاً وأجر كثيرًا " وبالنية الصالحة يبارك الله في الأعمال المباحة فيثاب عليها العبد ، ففي الصحيحين من حديث بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة " ، وقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : " إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعلُ في فيِّ امرأتك " والحديث في البخاري ومسلم
وعند الترمذي وصححه الألباني : قال صلى الله عليه وسلم : " إنما الدنيا لأربعة نفرٍ: عبد رزقه الله مالاً وعلمًا فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقًّا فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء ، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا فهو يخبط في ماله بغير علم ، لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقًّا فهو بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا ، فهو يقول : لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته ، فوزرهما سواء "
وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه : " إن الله عز وجل كتب الحسنات والسيئات ثم بيّن ذلك فمن همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة..."
أيها المسلمون : إن النية الصالحة ، يدور عليها صلاح العمل وفساده ، وعظم الأجر وقليله ، وإكرام الخالق ومقته ، وما والله أسوأ من حظ من خسر الدنيا والآخرة ، فلا هو ظفر بالدنيا ولا ظفر بالآخرة ، فاعتنوا أيها المسلمون بنياتكم ، فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة ، ونفعني وإياكم بما فيهما من العلوم الظاهرة والمستكنه ، وتاب علي وعليكم وعلى سائر المسلمين صاحب الفضل والمنة ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
أيها المسلمون : لقد تعطرت مسامعكم بما ورد في الكتاب والسنة أهمية النية في حياة المسلم العملية والتعبدية ، هذه النية التي لا تكلف المسلم شيئا أكثر من انصرافه عن المخلوق إلى الخالق ، فالمخلق ياعباد الله لا يملك لنفسه فضلا عن غيره نفعا ولاضرا ، فاجعل نيتك خالصة صافية لله سبحانه وتعالى ، صلوا وسلموا
المفضلات