الحمد لله ( الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) واشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له يعلم ما كان وما يكون. وما تُسرِونَ وما تُعلِنُون. واشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُه الصادقَ المأمونَ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يهدُون بالحقِّ وبهِ يعدِلُون. وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ يُبعثُون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ): أما بعد : أيها المسلمون : فإنَّ الأمورَ كلَّها بيدِ اللهِ سبحانه وتعالى مغاليقَها ومفاتيحَها وأسبابَها وإعطائِها ومنعَها ، شكى رجلٌ إلى الحسنِ البصريِّ شدةَ الجدبِ ونقصَ الماءِ فقالَ لهُ : استغفرِ اللهَ، وشكى آخرُ الفقرَ ، فقالَ لهُ : استغفرِ اللهَ. . وقال ثالثٌ: يا أبا سعيدٍ أدعُ اللهَ أن يرزُقَني الولدَ فإني عقيمٌ ، فقالَ له: استغفرِ اللهَ. . وشكى رابعٌ جفافَ بستانِهِ فقالَ له : استغفرِ اللهَ. . فقالَ أحدُ الجالسينَ: أتاكَ رجالٌ يشكونَ أنواعاً ، فأمرتَهم جميعاً بالاستغفارِ، فقالَ الحسنُ رحمه اللهُ إن اللهَ تعالى يقولُ: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) (نوح:12) تلك أيُّها الأحبةُ ، هي الحياةُ الإسلاميةُ التي تُربَطُ باللهِ - سبحانه وتعالى - وتُدرِكُ أَنَّ الأمورَ كلَّها بيدِهِ سبحانه ، خَرجَ عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنه يستسقي، فما زادَ على الاستغفارِ، ثم رجعَ فقالوا: يا أميرَ المؤمنينَ مَا رَأَيْنَاكَ اسْتَسْقَيْتَ فَقَالَ : لَقَدْ طَلَبْتُ الْمَطَرَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّذِى يُسْتَنْزَلُ بِهِ الْمَطَرُ ، ثُمَّ قَرَأَ (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا)و قَرَأَ ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) وفي إحدى الرواياتِ خَرجَ عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنه فصلى بالناسِ ركعتينِ وخالفَ بين طرفي ردائِهِ فجعلَ اليمينَ على اليسارِ واليسارَ على اليمينِ ، ثم بسطَ يديهِ فقالَ : اللهم إنا نستغفرُكَ ونستسقيْكَ فما برَحَ مكانَهُ حتى مُطِروا ) فالخيرُ كُلُّ الخيرِ أيُّها الأحبةُ ، من عندَ اللهِ جلَّ في عُلاه ، وَمَا يُمسكُهُ عن الناسِ ، إلاَّ لذنوبٍ أحدثوها، وفضائعَ وجرائمَ ارتكبُوها ، ولولا شُيوخٌ ركّعٌ ، وأطفالٌ رضعٌ ، وبهائمُ رتعٌ ، ومن يدعو اللهَ - عز وجل - لحُرِمَ الناسُ القطرَ، ولأصيبوا بالسنينَ والجدبَ ولأنزلَ اللهُ - عز وجل - عليهم السَّخطَ والعذابَ ، فكم أزالتْ الذنوبُ والمعاصي من نعمةٍ ، وكم جَلَبتْ من نقمةٍ، وكَمْ أحلَّتْ من مَذلّةٍ وبَليةٍ . ومِن أضرارِها : حرمانُ الأرزاقِ ، وفُشوِّ الفقرِ ، وحرمانِ البركةِ فيما أُعطي العبادُ،وامتناعُ القطرَ من السماءِ ، جاءَ في المسندِ عن النبيِّ e : { إن الرجلَ ليُحرَمَ الرزقَ بالذنبِ يصيبُهُ } فالمعاصي والذنوبُ ، متى تفشَّتْ في المجتمعِ ، تعسَّرتْ عليهِ أمورُهُ ، وانغلقتْ أمامَهُ السُبلُ، وَأبوابَ الخيرِ والمصالحِ، ولاغروَ في ذلك، فاللهُ جل وعلا يقولُ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (لأعراف:96) قل لي بربِّكَ : هل فكرتَ يوماً عندما يصيبُكَ همٌ أو غمٌ ، أوعندما تقعُ في مشكلةٍ ومُعضلةٍ ، أَنَكَ أنت السببُ في ذالك ؟ فاللهُ عز وجل يقول(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30) وهل فكرتَ في أَنَّ المخرجَ ، هُوَ مدُّ الْحِبَالِ إلى اللهِ - عز وجل – دُعَاءً ، وتوسلاً ، واستِعَانةً ، وخفضَ الجبهةِ ، وتمريغَهَا ذُلاً وخُضوعاً ، واستغفَاراً واستكانةً . هل عرفْنا مثلَ هذا النهجِ ، الذي كانَ عليه أسلافُنا في واقعِ حياتِهم ؟.يقولُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي الله عنه ، كما في سُننِ أبي داوود، [ كُنْتُ رَجُلاً إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ e حَدِيثًا نَفَعَنِى اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِى وَإِذَا حَدَّثَنِى أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ لِى صَدَّقْتُهُ قَالَ وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِe يَقُولُ { مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ } ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ * فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135) } وفي مسندِ الإمام أحمد من حديثِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ { إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لِرَبِّهِ بِعِزَّتِكَ وَجَلاَلِكَ لاَ أَبْرَحُ أُغْوِى بَنِى آدَمَ مَا دَامَتِ الأَرْوَاحُ فِيهِمْ. فَقَالَ اللَّهُ فَبِعِزَّتِى وَجَلاَلِى لاَ أَبْرَحُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِى } وفي سُننِ ابنِ ماجةَ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ يَقُولُ قَالَ النَّبِىُّ e{ طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِى صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا } وانظرْ إلى تطبيقِهِ العملي، في البخاري من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنهُ أنَّ الرسولِ e يقول { وَاللَّهِ إِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِى الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً }وفي سُننِ أبي داوود عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم أجمعين قَالَ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ e فِى الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ يقول{رَبِّ اغْفِرْ لِى وَتُبْ عَلَىَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}فهل نستغفرُ في يومِنا وليلتِنا مثلَ هذا العددِ ؟ وَهَلْ استغفارُنا لو استغفرْنا مثلَ هذا العددِ ؟ مثلَ استغفارِ رسولِ اللهِ e ؟ وهلْ حَاجتُنا ونحنُ مُثقلونَ بالذنوبِ والخطايا ؟مثلَ حاجةِ رسولِ اللهِe للاستغفارِ ، وقد غُفِرَ له ما تقدمَ من ذنبِهِ وما تأخرَ ؟ وانظرْ كذلك إلى الأثرِ العظيمِ المهمِ ، من أثرِ الاستغفارِ ، وَهُوَ دفعُ العذابِ ورفعُ المصائبِ ، مُصداقاً لقولِ اللهِ عز وجل (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (لأنفال:33) وفي الحديثِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e { وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ } وَلَيس في الحديثِ دَعوةٌ لِمُقَارفةِ الذَّنبِ والاستغفارِ من بعدُ،كَلاَّ وألفُ كلاَّ ، إِنَّمَا في الحديثِ تصويرٌ لطبيعةِ الإنسانِ ، في غفلتِهِ ووقُوعِهِ في زلتِهِ ، وطبيعةِ ما ينبغي أن يكونَ عليهِ المؤمنُ ، إذا وقعَ في الخطأٍ . أن يبادرَ بالاستغفارِ ؛ فإن لم يفعلْ ذلك ؟ لم يكنْ مُتحققاً بمعنى العبوديةِ ، ولم يُظهرْ مظاهرَ التذللِ والخضوعِ ؟ ولم يبتهلْ لربِّ الأربابِ ! ولم يُعَظِّمْ ربَّهُ - سبحانه وتعالى - ولم يعرفْ حقيقةَ أسماءِ اللهِ الحسنى ، التوابِ الغفارِ الرحيمِ ، إلى غيرِ ذلك من أسمائِهِ العظيمةِ الجليلةِ الْحَسَنةِ ،أّيُّها الأحبةُ في الله، إنَّ كلامَ اللهِ حقٌّ وصدقٌ ، فإذا ما استغفرتَ يا عبدَ اللهِ ، ولم تجدْ نتيجةً ، فاعلمْ أَنَّ الخللَ فيكَ أنتَ لا في غَيرِكَ ، وَأَنَّ استغفارَكَ لم يتجاوزِ اللسانَ ، فابحثْ في حالِكَ ، وفتشْ في نفسِكَ ، لعلّكَ واقعٌ في ذنبٍ عظيمٍ ، حرمَكَ اللهُ بسببِهِ أَثرَ الاستغفارِ .
الخطبة بصوت الشيخ :
[RAM]http://abosami.com/pro/mjd.mp3[/RAM]
إضغط هنا للتحميل
المفضلات