المشية
ا
لشيخ حسن حسين ال جواد الحميري \ شيخ عشائرحمير
تتميز الشعوب عن بعضها في جوانب كثيرة منها اسلوب التعامل بين افرادها ونمط تفكيرها ومعالجتهم لاوضاعهم الاجتماعية والثقافية والاقتصاديةوالعادات والاعراف والقوانين التي تسيطر عليها وتنظم حياتها بايجاد الحلول المناسبة التي تتفق وحضارة وتاريخ كل شعب اذ ان هذه العادات لم تاتي عن فراغ وانما جاءت تلبية لحاجة اجتماعية اقتضتها مصلحة الجماعة ومن هذه العادات موضوع بحثنا (المشية)فالمشية هي احدى الوسائل الاجتماعية للوصول الى حل الخلافات التي قد تحصل بين الافراد.. اذ بواسطتها يتم تحقيق الرضا لدى الطرف الاخر(الممشى عليه)الذي وقع اعتداء على حقوقه الشخصية اوالاعتباريه اوالمالية او لغرض الحصول على امر مهم لديه لصالح الطرف الاخر كالتنازل عن حق والطرف الثالث في المشية هم الاشخاص القائمين بها وعادة مايكونون من سراة القوم وعليتهم من سادة ووجهاء وشيوخ ممن لهم نفوذ اجتماعي لغرض استخدامه للتاثير على ارادته وتسوية الموضوع وانهائه ويتم هذا بعيدا عن الجهات الرسمية.. ويبادر بالكلام عادة احد الاشخاص ذوي المكانة الاجتماعية الراقية من السلالة المحمدية الشريفة او احد الشيوخ او احد الوجهاء اذ يمهد لهذا الامر بالكلام الطيب فاذا استجاب الممشى عليه لطلب (الممشي) مجسدا باشخاص (المشية) يكون الامر قد انتهى وتناول الجميع ما قدم لهم قهوة او شاي او غير ذلك فاذا لم يستجب قام الجميع دون ان تمتد ايديهم الى ما قدم اليهم مشرب وماكل دلالة عدم رضاهم لعدم الاستجابة لطلبهم .. والحقيقة ان اشخاص (المشية)يقومون بهذا العمل ليس من باب انصر اخاك ظالما او مظلوما ولكن عند اعتقادهم ان الذي قام بدعوتهم(الممشي)هو على حق وربما قام الاخير بتكرار ذلك عدة مرات لزيادة الضغوط الاجتماعية على الطرف الاخر للحصول على المراد منه وقد تكون هذه العملية بعد اقامة الشكوى لدى الجهات القضائية والاداريةعند حصول جريمة او اعتداء او استلاب حق ويلتجأ اليها في الفصول العشائرية وعند طلب يد فتاة من والدها .. فقد كان هذا النظام ولا زال يسود المجتمعات العشائرية والحضرية لانه يساعد حل المشاكل و تحقيق الوئام الاجتماعي باقل تكلفة وقد كان قديما وحتى ستينيات القرن المنصرم عندطلب يد فتاة وخاصة في المجتمعات العشائرية يهيئ الخاطب الرجال ويتجه بهم صوب دار اهل الفتاة عند العصر او بعد العشاء وكان يبحث في ذات الوقت مقدار المهر معجله ومؤجله وبعد ذلك يحصل الاتفاق او الرفض وقد اصبحت المشية في الاونة الاخيرة فيما يتعلق بالزواج شكلية اذ يكون قد سبقتها في ذلك دبلوماسية النساء التي قد اتفقن على مقدار المهر وما المشية الا اشهارا لهذه الخطوبة والزواج اما في حالة وقوع تعدي بسيط على حق الاخر فربما لايبادر المعتدى عليه الى اقامة الشكوى انفة اواعراضا منه ولربما اثر هذا الامر في نفس المعتدي فيقوم بالاعتذار منه بهذه الطريقة لاستجلاب رضاه وتحقيق المودة وانهاء الخصومة اما في حالة الاعتداءات والتي تقام عنها الدعاوى في المحاكم فيتخذ ذات الاسلوب مع تكثيف لوجود الشخصيات المؤثرة حتى يتم الاتفاق وغالبا ما يصاحب ذلك مبلغ من المال يدفع على سبيل التعويض وهو ما يسمى بالفصل العشائري حيث يحاول جميع الاطراف تحقيق التوازن بين الطرفين ومحاولة راب الصدع بينهما وتحقيق الصلح جهد ما استطاعوا الى ذلك سبيلا والحقيقة ان بين المشية والفصل العشائري عموم وخصوص اذ ان مفهوم المشية اوسع من مفهوم الفصل العشائري الذي يندرج تحت عنوانها كما تستخدم المشية في القضاء على الخلافات العائلية الناشئة عن ترك الزوجة لدار الزوجية .وللمشية اوقات تتم فيها ملائمة لها فلا يصح ان تكون صباحا ولكن يمكن ان تكون ظهرا او عصرا فاذا كان وقتها ظهرا يصاحبها مادبة غداء كان يتحملها الطرف الطالب لها اذ يقوم بارسال الاموال التي تسمى(الفرشة)الى الطرف الذي سوف يحتكم لديه على موضوع النزاع وهذا الشخص يسمى عادة (بالعارفة) بعد اخذ موافقة الطرف الاخر بالاحتكام لديه اذ يحضر الجميع (الممشي والممشى عليه واشخاص المشية)واخرون الى دار العارفة (المضيف) وعادة ما يكون العدد غفيرا وربما كان (العارفة)يتحمل نفقات مادبة المشية شخصيا وهذا الامر مشهود له في مجتمعنا العشائري و قد يحضر اشخاص المشية الى دار الممشى عليه بعد ارسال الفرشةلتقام مادبة الغداء وقد يستلم التعويض بعد اقامة المادبة او يقوم بتحمل كافة تكاليف المشية من مادبة وغيرها ويقوم بالتنازل عن حقوقه مهما بلغت اكراما لاشخاص المشية فالمهم لديه هوالجانب الاعتباري وليس الجانب المادي اما المشيات الليلية فعادة ما تكون في الامور البسيطة التي ليس فيها تعقيد وكما ذكرنا اعلاه في حالة اعادة الزوجة الى دار زوجها ويكون هذا الوقت حوالي الساعة العاشرة ليلا حسب التوقيت الشتوي او الحادي عشر ليلا حسب التوقيت الصيفي حيث تياس من رجوعها الى دارها اذا كانت لها رغبة في ذلك اذ ان الوقت اصبح غير ملائم لقدوم المشية لمناقشة امرها..وفي العهد الملكي كان مجلس عشائري يرتبط برئيس الوحدة الادارية ويتالف من الشيوخ المتنفذين الذين لديهم صلات قوية بالسلطة ويقوم هذا المجلس بالتحكيم بالنزاعات التي تحصل بين العشائر ذاتها او بين العشائر والدولة وانجاز كل ما تحيله عليه الادارة من خصومات الا انه كان خاضعا لارادة رئيس الوحدة الادارية اذ كان الاشتراك في مثل هذا المجلس يدل على المكانة الاجتماعية التي يحظى بها المنتمي اليه وعليه فعدم تحقيقه لرغبة الادارة قد يتعرض للابعاد والاقصاء واحلال اخر محله حتى يصدر قرار المجلس موافقا لرغبة السلطة الادارية والمهم في هذا الامر هو ان هذه المجالس تكون المشية من الوسائل الفعالة في تحقيق اهدافها اذ تستخدم جميع مالديها من وسائل تاثير عن طريق المشية بعد الاتصال بجميع الاطراف فتتعرف على موضوع النزاع وعلى الاشخاص المسببين له وبالتالي ليصدروا قرارهم في تضمين المقصر او رفع توصية بعقابه اونفيه واجلاءه من منظقة سكنه ولازالت الجهات الاداريه تحبذ هذا الاتجاه وتدعمه لحل الخلافات الفردية والجماعية وربما كان راس السلطة الادارية هو احد اشخاص هذه المشية وبهذا الاسلوب الذي لازال سائدا يتم انهاء الكثير من الخلافات والمشاكل وتسود الالفة والمحبة بين الاطراف المتنازعة وتطوى بذلك صفحة غير سارة لتبدا صفحة جديدة صافية في حياة الطرفين قد مدت المشية جسور التواصل والتعاون بينهما..وقد نصت المادة 45 \ثانيا من دستور جمهورية العراق الحالي"تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون وتعزز قيمها الانسانية النبيلة بما يساهم في تطوير المجتمع ,وتمنع الاعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الانسان" والى موضوع اخر والله ولي التوفيق
المفضلات