بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله القائل
( كُل نفس ذائقة الموت )
والصلاة والسلام على خير الأنام الذي جاء عنه في البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنهم قول مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( وجبت ) ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال ( وجبت ) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما وجبت قال ( هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض )
شهدنا يوم السبت 25/8/1431هـ جنازة الأخ والصديق الغالي / سالم حمود الجدوعي رحمة الله رحمة واسعة وكانت المقبرة تمتلئ بالمحبين لهذا الصديق الوفي والواصل للجميع وما رأيت أعين بكت مثل هذا اليوم فقد كان الصغير والكبير ممن يعرف أبو محمد يبكي والدموع تسابق الزفرات وكل ذلك محبة لشخص ملئ القلوب حبا وودا له .
لم يأتي هذا الحب من فراغ بل كان رحمه الله يمتلك صفات تختلف عن الآخرين وأولها ( الدين ) ولا نزكي على الله أحد ( هكذا نحسبه والله تعالى حسيبه ) فقد كان أبو محمد دينا ومحبا للخير ويصدح بكلمة الحق في كل مكان وكان رحمه الله تعالى أثناء الحديث في أمور الدين له اطلاع واسع ويتكلم بالدليل والحجة . وقد يميز النقاش معه ثقافته واطلاعه رحمه الله .
ومن ثم يأتي الخلق الجميل ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ) فقد كان رحمه الله تعالى ذو خلق وأدب يزين به حديثه وسؤاله . وكانت الابتسامة لا تفارق وجهه البشوش ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة ) فالذي يعرف أبو محمد رحمه الله يعرف الابتسامة الصادقة والخارجة من القلب للقلب هكذا عهدناه مبتسما محبا للجميع رحمه الله.
وإذا تكلمنا عن النخوة والفزعة فحدث ولا حرج عن صفات يمتلكها رحمه الله تعالى فقد كان رحمه الله تعالى لا يبخل بما يستطيع عمله لمن يعرف ولمن لا يعرف .
صفة الكرم ربما ليست غريبة على كل مسلم ولأهل حائل ميزة عن الكثير بالكرم . والذي يعرف الأخ سالم يجد الكرم متمثل في شخصة في كل شيء في ماله ونفسه وجميع ما يملك فقد كان رحمه الله تعالى كريما وكأن الكرم يتمثل به وليست صفتا له.
الصبر من صفات المؤمنين ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) والذي تعرض له الأخ سالم رحمه الله من محن في جسده جعلته مضرب للمثل في الصبر فقد كان رحمه الله تعالى يعاني ضعف القلب والذي عرفته أن قلبه كان يشتغل منه 25% فقط من بعد الجلطه التي أصابته ولم يعلم به أحد .. وحسبي أن السبب كان هو عدم إزعاج محبيه وخاصة والدته وأولاده . وقد زرته قبل نقله للرياض فقد كان كما عرفته مثني لله عز وجل بما هو أهل له وحامد له وشاكر وقد كان بشوشا رغم مايعتصره من ألم في داخلة وأثناء مكالمته لي الأخيرة وهو في الرياض كان صابرا محتسبا وحامدا لله عز وجل .
وعزائنا هو قول المصطفى صلى الله عليه وسلم " إن العبد إذا سبقت له من الله منـزلة لم يبلغها بعمله ، ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ، ثم صبّره على ذلك ، حتى يبلغه المنـزلة التي سبقت له من الله تعالى " صحيح أبي داود للألباني .. والقائل " يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب ، لو أن جلودهم كانت قرِّضت بالمقاريض " صحيح الترمذي للألباني .. والقائل " أبشر فإن الله عز وجل يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة " السلسلة الصحيحة للألباني .. والقائل " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط " حسنه الألباني في صحيح الترمذي
خفة الدم : كان أبو محمد وطريقة مزحه وتعليقه ومقالبه له ميزه وليست لأحد إلا له رحمه الله تعالى . فقد كان كثير المزاح مع أصحابه وكان صاحب مواقف طريفة وتعليقات وله أسلوب في المزاح تجد الكثير من الحاضرين يتلهفون للمزاح معه . وله ذكريات كثيرة كان رحمه الله تعالى دائما يذكرها لنا عند اجتماعنا ومواقف جميله .
وعندما نخرج رحلات للبر كان رحمه الله تعالى ( راعي معنا ) وله الأثر في إيجاد جو المتعة وله رأي سديد في الاختيار وكان رحمه الله تعالى دليلا للأماكن الجميلة والممتعة وكان رحمه الله تعالى يحفظ الكثير من القصص يزين بها المجلس عند حديثه .
الحديث يطول عن أخ أحببناه في الله وتجد جميع الصفات الجميلة فيه ولكن ما يعزينا أنه ذهب إلى رب غفور رحيم أرحم به من والديه وقد شهدنا له بالخير والصلاح هكذا نحسبه والله تعالى حسيبه وقد شهد له الكثير بما يعرفونه من دين وخلق .
آخر أيام أبو محمد رحمه الله في المستشفى : يقول أخوه فهد المرافق له كان أبو محمد رحمه الله تعالى حريص جدا على الصلاة في وقتها ورغم الألم ورغم الأجهزة إلا أنه يرفض التيمم ويذهب للوضوء بنفسه .
ومن المواقف التي ذكرها لي فهد : أنه كان في الغرفة في المستشفى أكثر من شخص مع سالم رحمه الله تعالى وكان فهد جزاه الله خيرا يرقي بعضهم وكان هناك شخص لم يرقه فهد لعذر وهذا قبل دخول سالم لغرفة العمليات بوقت قليل وقد سأل سالم أخوه فهد عن هذا الشخص وقال له فهد أنه لم يرقه بعد , وعندما أفاق سالم رحمه الله تعالى من البنج بعد العملية أول كلماته سؤال لفهد ( هل رقيت ذلك الشخص ) فقال له فهد ( لا ) فقال سالم رحمه الله تعالى الآن ترقي هذا الرجل وقام فهد فرقاه . حريص جدا لنفع الغير رحمه الله تعالى .
ومن المواقف التي ذكرها لي فهد : كان بجانب سالم في المستشفى أحد المرضى وقد كتب الطبيب له خروج وكان بينه وبين سالم حاجر ( ستاره ) وقد سمع الممرضة تنصح هذا المريض بأن يشتري جهاز ليتابع حالته بعد خروجه بنفسه فذكر ذلك المريض أن هذا الجهاز غالي الثمن وأنه لا يستطيع ذلك , فقال سالم رحمه الله تعالى لفهد ( خذ من المحفظة ( الصفط ) دراهم وأعطهم ذلك الرجل ليشتري هذا الجهاز بعد خروجه ) رحمك الله يا أبا محمد .
رسالتي إلى من أحب سالم : اليوم سالم رحل عنا بأحلى ذكر له وحزنا على فراقه وغداً أنا أو أنت راحل عن هذه الفانية إلى الباقية فلنعمل لمثل هذا اليوم ونكثر في هذه الدنيا ذكر الله عز وجل والعمل للآخرة .
ورسالتي إلى أخوة الفقيد وأبناءه وأهله : لقد كان سالم مضرب مثل في كل شي وقد شهد له القاصي والداني على ما يعلمونه عنه من حب للخير والصلاح . فسيروا على خطاه وعليكم بالصبر والاحتساب وأكثروا الدعاء له خاصة في الشهر الكريم وعند الإفطار وفي السحر وأخص منها وأنت ساجد .
ورسالتي إلى والدته : أحسن الله عزاءك ورحم الله ميتك وألهمك الصبر والسلوان وحسن الاحتساب وألبسك لباس التقوى والعافية . فقد كنت خير أم وخير مربية وخير معلمة له . فعليك بالدعاء له فدعاء الوالدين للود مستجاب إن شاء الله تعالى .
اللهم اغفر له وارحمه واغسله بالماء والثلج والبرد
ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقا الثوب الأبيض من الدنس
اللهم أبدله دار خير من داره واجعل قبره روضه من رياض الجنة
اللهم وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان وحسن الاحتساب
اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله
اللهم اجعل ما أقبل عليه خيرا مما أدبر عنه
اللهم آمين
إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا عز وجل
وإنا على فراقك يا أبا محمد لمحزونون
وما عند الله خيرا وأبقى
نحسبه من أهل الخير والصلاح والله تعالى حسيبه
وحسبنا أنه ذهب إلى من هو أرحم من الوالد لولده
اللهم اجمعنا معه في مقعد صدق عند مليك مقتدر
ولا تحرمنا وأياه لذة النظر إلى وجهك الكريم
اللهم آمين
( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )
كتبه أخوكم ومحبكم في الله
طاب الخاطر
27/8/1431هـ
في أمان الله
رد مع اقتباس
المفضلات