حفنة 'التأزيميين'.. والعراق
نعرف تماماً كيف عانا العراقيون من جور وظلم نظامهم العراقي البائد قبل سبع سنوات تقريباً، ونعرف حجم المآسي التي طالت ملايين الاشر والعوائل العراقية من قتل وتعذيب وتشريد وتجويع وإهانة وتدمير لكل ما يمت بإنسانية الإنسان هناك، وهم يعرفون تماماً كم عانينا نحن أيضاً في الكويت من جور وظلم هذا النظام الديكتاتوري الذي غدر ببلادنا غازياً ليعيث فساداً باسم 'لم الشمل'، وليقتل أبنائنا ويرتهن ويأسر شبابنا، وليدمر البيئة البحرية والبرية والجوية والحرث والنسل ساخطاً حاقداً. نعرف جميعاً ذلك، ولكن ما يشفع لنا أن كل لحظات الألم والضيق التي مرّت على الشعبين العراقي والكويتي قد سجلها رب العزة والجلالة، ولن تمر يوم الحساب دون موقف واضح في محكمة العدل الإلهي.
أما اليوم، وبعد إعدام فرعون العصر صدام التكريتي وحفنة المجرمين المقربين له، وهروب حلفاءه وأنصاره من فلول البعث المندحر، لا أجد أي عذر لاستمرار الوضع الفاتر في العلاقة بين الشعبين إلى يومنا هذا، بل من المهم اليوم أن نرى جهوداً حقيقياً من قبل الجميع من شأنها أن تقرب القلوب لبعضها البعض قبل أي شيء آخر. فالمصلحة كل المصلحة في التعايش بيننا مهما كانت دائرة السخط النفسي الذي سببه لنا ظالم مشترك بيننا، ووالمنفعة كل المنفعة في تفعيل المشتركات واهمال المختلفات التي كان سببها الأول والأخير النظام السابق وقد انتفى السبب اليوم ولا عذر لأحد.
نعم.. هناك حفنة من 'التأزيميين' في العراق لا تريد للعلاقة بين الشعبين العراقي والكويتي أن تعيش حالة من الهدوء تؤدي إلى أمن واستقرار وراحة وطمئنينتهما، وذلك لأسباب تاريخية تتعلق بادعاءات الأنظمة الديكتاتورية البائدة التي توالت على الحكم هناك، وكرست مفهوم التبعية ثقافة في عقولهم المريضة، ولكن تلك الحفنة هي قلّة تمثل بقايا الحقبة السابقة التي عفى عليها الدهر وشرب، ولا تمثل رأي الأغلبية الساحقة اليوم من القوى التي تحالفت في تحريك عجلة النظام السياسي هناك، ولا يمكن لصوت تلك الحفنة 'التأزيمية' إلا أن يكون نشازاً قد يدغدغ عواطف البعض من عامة الناس، ولكن لا يمكن أن يكون له صداً واسعا بين السواد الأكبر من العراقيين المحبين للكويت ولعودة التواصل الأخوي بين الشعبين الجارين.
ونعم.. هناك حفنة من 'التأزيميين' في الكويت من الذين لا يضعون أي اعتبار للمصلحة الاستراتيجية العليا التي تتطلب إعادة مياه التواصل بين الشعبين الكويتي والعراقي إلى مجاريها من جديد، بل همّهم اليوم البحث عن زلّة لمسئول هنا، وأخرى لمسئول هناك ليتخذوها ذريعة واهية من أجل عرقلة جهود ترميم البناء في العلاقة بين الشعبين الذي هدّمه نظام صدام التكريتي، وباتت الأسباب التي تدفع تلك الحفنة 'التأزيمية' اليوم شبه واضحة، خاصة وأن بعضهم يضع للفوارق الطائفية أولوية في تعاطيه مع الملف العراقي، وتخشى ما تخشاه تلك الحفنة 'التأزيمية' هو أن تأتي أغلبية حاكمة في النظام السياسي العراقي لا تتوافق وذوقهم العقدي أو لباسهم الفكري الضيق. ولكن نقول بوجود نظام سياسي في بلدنا مدرك لأهمية فتح باب التواصل بين الشعبين العراقي والكويتي على مصراعيه، ويضع أهمية قصوى لذلك، تصبح صرخات تلك الحفنة 'التأزيمية' وكأنها زوبعة في فنجان سرعان ما تتلاشى أمام إرادة الشعبين في تغليب مصالحهم تجاه بعضهما البعض.
لذا ونحن نمر في الذكرى العشرين من الغزو العراقي الغاشم وبعد مرور سبع سنوات على انتهاء الحقبة السوداء في تاريخ العراق، نشكر كل من ساهم في الحكومتين العراقية والكويتية معاً في الوقوف أمام تلك الفئة اللامسئولة، سواء عبر الرد المباشر على هؤلاء، أم عبر إرسال رسائل اطمئنان تفيد أن أمن واستقرار وسيادة الكويت هو خط أحمر لا يمكن أن تفكر العراق في تجاوزه، والعكس أيضاً. هذه اللغة المريحة التي نعول عليها، والتي سمعناها من أعلى هرم النظام في بلادنا حين أكد سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ضرورة عدم المساس في أواصر العلاقة الإيجابية بين الكويت وجيرانها، وحين بادله الخطاب الحكيم نفسه الرئيس العراقي جلال الطالباني، حين أكد حرصه على ألا يسيء أحد - كان من كان - من العراقيين للعلاقة بين الكويت والعراق. فلا عودة للتعايش الإيجابي بين الجارين دون تلك الروحية العبقة بين النظامين السياسيين العراقي والكويتي اليوم، أما حفنة 'التأزيميين' من الطرفين، فنقول لهم: 'وأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ'.
د. سامي ناصر خليفة
المفضلات