صبحكم الله بالخير
هل أصبحت منصات النفط العائمة قنابل موقوتة؟ كارثة خليج المكسيك لا تزال تظهر أن استنزاف المواد الخام من البحار محفوف بالمخاطر. لكن الخبراء يقولون رغم ذلك إن هناك تقنية جديدة لضمان استخراج النفط من قيعان المحيطات بأمان.
منصات النفط العائمة على سطح البحر ما هي إلا جزر اصطناعية مهمتها الحفر واستخراج النفط والغاز الطبيعي من أعماق البحار. تطفو هذه المنصات على سطح البحر، بعد أن تثبت في قاعه عبر حوامل، وتنزل منها أنابيب حفارة منقبة عن النفط أو الغاز. إلا أن مخاطر الأعاصير والأمواج العاتية على سطح البحر قد تؤدي إلى عواقب كارثية كتلك الناجمة عن انفجار المنصة النفطية "ديبووتر هورايزون" التي كانت تحتوي على أكثر من ستة ملايين لتر من البترول الخام وغرقت في 20 نيسان/إبريل 2010 في خليج المكسيك. هذه الكارثة دفعت بالعلماء إلى إعادة النظر في استخدام المنصات العائمة والبحث عن بدائل. وها هي عقول المهندسين تتبنى مشروعاً جديدا اسمه "أيساب" يوصَف بأنه يحد من مخاطر استخراج النفط من البحر عبر استخدام تقنيات في القاع بعيداً عن الأعاصير والأمواج الخطرة على سطح البحر.
استبدال منصات النفط العائمة بروبوتات تعمل في قاع البحر
تتحرك رافعة أوزان ثقيلة على متن سفينة قابعة على سطح المحيط الأطلسي على بعد بضع مئات من الكيلومترات قبالة الساحل البرازيلي. إنها سفينة تابعة لمشروع "إيساب". والرافعة تحمل هيكلاً قفصيَّاً وزنه بالأطنان وتتوسطه مضخة. وعبر فتحة في متن السفينة تُنزِل الرافعة الهيكلَ القفصيَّ في رحلة غوص أسفل سطح الماء على عمق 3000 متر. يصل الهيكل القفصي إلى قاع البحر حيث تنتظره آلات ذكية، والتي ما هي سوى روبوتات غواصة تمد أذرعها الطويلة وتسحب بمخالبها الهيكل بما فيه المضخة، وتثبتهما على حفرة في قاع المحيط لنقل النفط والغاز.
إن هذا المشهد الذي لا يكاد يُرى إلا في أفلام الخيال العلمي، ما هو إلا نتيجة جهود مجموعة صغيرة من الشركات المتخصصة والمجموعات البحثية التي يطلق على مشروعها اسم "إيساب"؛ وهو اختصار لما ترجمته " النظم المتكاملة لاستخراج النفط والغاز من قيعان البحار"، ويُعنى بتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي تحت الماء. إنه مشهد لمصنع نفطي قابع في قاع البحر، منظر لمنصة استخراج النفط، لا يعمل فيها البشر وإنما روبوتات يتم إصدار الأوامر إليها عن بعد من غرفة تحكم في مكان ما على اليابسة. ويتواصل البشر عبر كوابل من الألياف البصرية الطويلة للغاية مع هذه الروبوتات المتحركة في قعر المحيط.
تركيب آلي عبر مشابك
"تكمن ميزة مصانع استخراج النفط هذه في أن المرء يتخلص من العمل على سطح البحر". كما يقول ميشائيل فيديكه المتخصص في الجيولوجيا البحرية في مركز الجيولوجيا بهانوفر والخبير في المواد الخام. فعلى سطح البحر تؤثر القوة الهائلة للأمواج والعواصف: مع العلم أنه في عام 2005 وحده ، تحطمت عشرات منصات النفط العائمة في خليج المكسيك بسبب الأعاصير، "فضلاً عن أن تركيب المنصات العائمة في مناطق أخرى، مثل المناطق المغطاة بالجليد، يكون صعباً جداً ضمن فترات زمنية طويلة".
أما في قعر البحر فتقوم تقنية استخراج النفط الجديدة بتركيب نفسها بنفسها بشكل ذاتي. فعلى عمق آلاف الأمتار لا يستطيع الإنسان أن يتدخل إلا عن طريق التحكم عن بعد. ولذلك فإن أجزاء المعدات ككل، والمزودة بمشابك يساوي سمكها سمك الأذرع البشرية، تتشابك ببعضها البعض، تماماً كما تلتحم مركبة فضاء بمحطتها الفضائية الأم.
قلب التقنية الجديدة هو مضخة متعددة المراحل
المضخة المتعددة المراحل هي ذاتها التي تتوسط الهيكل القفصي حيث تثبت به جيداً قبل إرسالها عبر الماء، كما يذكر أكسيل ياشكه الخبير بالتقنيات الهندسية تحت الماء والذي شارك في تطوير هذا النوع من المضخات لدى شركة بورنيمان لصناعة المضخات. ويقول ياشكه بأنه يتم غمر المضخة بهيكلها القفصي الحامل كقطعة واحدة لتصل بسلام إلى قاع المحيط. والتحدي الأكبر هو تثبيتهما الآلي بالمعدات الموجودة مسبقاً في قاع المحيط، حيث "تتحرك مشابك المضخة في وقت واحد تقريباً لتتصل بهذه المعدات، وتتداخل الوصلات كل في مكانها الصحيح ".
إن هذه المضخة ذاتية العمل: وتوجد عينة منها في قاعة أحد المصانع بالقرب من مدينة هانوفر الألمانية. إنها أسطوانة صلبة صفراء يبلغ ارتفاعها خمسة أمتار. وعليها تنفيذ مهمة خاصة جدا، ألا وهي: نقل مزيج من الغاز الطبيعي والنفط ومياه البحر وجليد غاز الميثان الصلب، كلها معاً كما ينبغي عليها العمل ليل نهار لمدة 24 ساعة يوميا دون توقف. لقد استلزم تطوير هذا النوع من المضخات ذات المراحل المتعددة عشر سنوات تقريبا، كما يذكر الخبير أكسيل ياشكه.
التقنية الجديدة تمكن من استغلال احتياطيات نفط أكثر عمقاً
ولكن ماذا لو تعطلت المضخة أو أية معدات أخرى؟ المهندس سـفين هوغ، من شركة "إمباك"، مسؤول عن أتمتة الأنظمة والمعدات الآلية العاملة تحت الماء يبدو مرتاحا وواثقا جدا "يمكننا توفير قطع غيار جاهزة تحت الماء، وإذا لزم الأمر نستطيع بعد ذلك تبديل الأجزاء التالفة من المعدات باستخدام روبوتاتنا الغوّاصة".
باستخدام تقنيات ال" إيساب " أو تقنيات " النظم المتكاملة لإنتاج النفط والغاز من قيعان البحار" تستطيع الصناعة النفطية في المستقبل استخراج النفط من أعماق أكبر، كان الاستخراج فيها حتى الآن غير ممكن لأنها مكلفة للغاية. ولكن تظل هناك حقيقة قائمة وهي أن مخزونات النفط محدودة. "لقد تجاوزنا ذروة سعات احتياطيات النفط بالفعل باستهلاكنا للنفط فيما مضى"، كما يقول فيديكه خبير الموارد الخامة. كما أن احتياطيات النفط الحالية التي لم يتم الوصول إليها بعد تقع أساسا في حواف القارات، وهذا يعني في المناطق الواقعة ما بين السواحل وأعماق البحار، كما هو عليه الحال في المحيط الأطلسي قبالة السواحل البرازيلية، حيث تم العثور في الآونة الأخيرة على كميات كبيرة من النفط والغاز.
أين يقع استنزاف المواد الخام البيئية من المسؤولية تجاه البيئة؟
ولكن، هل كان من الممكن تفادي كارثة خليج المكسيك النفطية من خلال التقنيات المتطورة تحت الماء أو ما يعرف بال" إيساب"؟ يقول الخبير ميشائيل فيديكه بوضوح: كلا. "إن ما حدث في منطقة البحر الكاريبي، كان تحَطُم منصة حفر وتنقيب عائمة على سطح البحر". وكما يقول فإن مهمتها كانت حفر حفرة في قاع البحر وإدخال أنبوب فيها وتثبيته بالإسمنت ووضع صمامات أمان ومن ثم ردم الحفرة من جديد. وتقنيات ال" إيساب" هي بديل عن منصات الاستخراج العائمة التي تقوم في وقت لاحق بفتح هذه الحفرة من جديد واستخراج النفط والغاز منها.
إن الخبير فيديكه لا يتفق مع الانتقادات، الموجهة ضد استنزاف المواد الخام من قيعان البحار والمحيطات، التي أساسها القلق على البيئة. وهو يرى أن عمليات استخراج النفط والغاز والتنقيب عنهما في البحار والمحيطات مماثلة لتلك التي تجري على اليابسة. ويتابع: إن من أراد الاستفادة من المواد الخام المتوفرة في الطبيعة فليفعل، والتحدي الحقيقي يقتصر على أن تكون هذه الاستفادة مسؤولة ولها ما يبررها بحيث لا تضر بالبيئة كي لا تتحول في النهاية إلى استنزاف للطبيعة.
المفضلات