صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 16

الموضوع: سلسلة أحوال القلوب [ متجدد]

  1. #1
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78

    وردة سلسلة أحوال القلوب [ متجدد]



    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    لما كان صلاح الانسان يرتكز على صلاح القلب و إن صلحت تلك المضغة صلح البدن وصلحت الروح ..
    ولما للقلوب من أحوال متغيرة ومتبدلة
    ولما لها من اضطرابات و خلجات
    ومع كل دقة قلب هناك قصة
    ووراء كل نبضة هناك رواية
    قد لا نعيها .. لكنها تحكي عنا ..

    أحوال القلوب .. واصلاح القلوب .. وسلسلة متجددة ..


    سلامة الصدر طريقك إلى الجنة
    الحمد لله ب العالمين والصلاة والسلام على والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين..وبعد فقد حرص الإسلام حرصًا شديدًا على تأليف قلوب أبناء الأمة بحيث تشيع المحبة وترفرف رايات الألفة والمودة، وتزول العداوات والشحناء والبغضاء والغل والحسد والتقاطع .
    ولهذا امتن الله على المؤمنين بهذه النعمة العظيمة فقال:
    (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)[آل عمران:103].
    بل امتن على نبيه صلَى الله عليه وسلم بأن أوجد له طائفة من المؤمنين تألفت قلوبهم: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)[الأنفال:62، 63].
    وحتى تشيع الألفة والمودة لابد من سلامة الصدور، ونقصد بسلامة الصدور طهارتها من الغل والحقد والبغي والحسد. والحديث عن هذه القضية وهذا الخلق حديث مهم وتذكير لابد منه في وقت انشغل أكثر الناس بالظواهر واستهانوا بأمر البواطن والقلوب مع أن الله تعالى لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأجساد، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، ولأن الله تعالى قد علَّق النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء:88، 89].
    والقلب السليم هو القلب السالم من الشرك والغل والحقد والحسد وغيرها من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة.
    ثم إن رسول الله صَلى الله عليه وسلم يقول: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام"[البخاري].

    فضل سلامة الصدر ومنزلتها عند الله تعالى: صاحب القلب السليم أنت من صفوة الله المختارة
    فقد سألوا رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، فقال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان". قالوا: صدوق اللسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: "التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".
    ثم نقول : إن سلامة الصدر سببٌ من أعظم أسباب قبول الأعمال الصالحة ،قال صلى الله عليه وسلم: "تعرض الأعمال كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرءً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا". فانظر كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الحقد والحسد والغل؟!!

    سلامة الصدر طريق إلى الجنة : فأول زمرة تدخل الجنة: "...لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد.."[البخاري].
    وقصة عبد الله بن عمرو مع ذلك الرجل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" معروفة فقد عاشره عبد الله ثلاث ليال فلم يجده كثير التطوع بالصلاة أو الصيام فسأله عن حاله فقال الرجل: "ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشًا ولا أحسُد أحدًا على خير أعطاه الله إياه". فأعلنها ابن عمرو صريحة مدوية :هذه التي بلغت بك...
    وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة فقال: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ)[لأعراف:43]. (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)[الحجر:47].
    الله يمدحهم: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر:9، 10].

    فهيا إخواني وأخواتي نطهر قلوبنا من الحقد والغل والحسد حتى نسعد بصحبة الأبرار الصالحين، ونفوز بالقرب من رب العالمين، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن عبادٍ ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء، على مجالسهم وقربهم من الله، فلما سئل عنهم أخبر أنهم أُناس لم تصل بينهم أرحام متقاربة.. لكنهم تحابوا في الله، وتصافوا.. فهلا سلمت صدورنا للمسلمين وصفت؟

    أثرها على الفرد والمجتمع

    يفوز صاحب الصدر السليم بكل الفضائل التي سبق الحديث عنها والنتيجة المباشرة هي:
    · راحة البال والبعد عن الهموم والغموم.
    · اتقاء العداوات. أما بالنسبة للمجتمع فإنه يكون مجتمعًا متماسكًا متراصًا متكاتفًا ترفرف عليه رايات المحبة والإخاء ويصدق عليهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمى".[صحيح مسلم].
    أنا أريد أن تتأمل معي هاتين الآيتين لتعرف قيمة سلامة الصدر بالنسبة للمجتمع: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[آل عمران:120]، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا)[الأنفال:46].

    فأعداء الأمة لن ينالوا منها مايريدون طالما ظل أبناؤها متحابين متماسكين سليمي الصدور غير متنازعين.

    أمثلة من حياة الصالحين

    هذا سيد ولد آدم أجمعين عليه صلوات رب العالمين، يذهب إلى الطائف عارضًا نفسه على وجهائها وأهلها، فلم يجبه منهم أحد، فانطق مهمومًا، وإذا هو بسحابة قد أظلته فيها جبريل، ومعه ملك الجبال فناداه ملك الجبال: "إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين [جبلا مكة] فقال صاحب الصدر السليم صَلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا". فأي صبر وسلامة صدر هذا !!!.
    ثم تأمل حاله صَلى الله عليه وسلم حين ضربه قومه فأدموه (أسالوا دمه) فمسح الدم وهو يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". واستحضر معي حالة المشركين معه صلى الله عليه وسلم في مكة وقد آذوه وسعوا في قتله حتى خرج من بين أظهرهم وكان الأمر كما أخبر الله عز وجل : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30)
    فلما مكن الله له ودخل مكة فاتحا ما انتقم ولا آذى بل قال لقومه:
    لا تثريب عليكم اليوم".
    والأمثلة من حياته صَلى الله عليه وسلم كثيرة، ننصح بقراءة سيرته.
    نبي الله يوسف عليه السلام:
    وقصته مع إخوته أنموذج رائع لسلامة الصدر فبعد أن ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبيه ودخوله السجن إلى غير ذلك مما هو معروف مكن الله له وجعله على خزائن مصر فلما ترددوا عليه وعرفوه قالوا: (تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ).
    فما كان منه إلا أن قَال: ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).ما حمل غلا. ثم لما جاء أبوه مع اخوته: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف:100)
    فلم يقل أخرجني من الجب كي لا يُخجلهم (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)، ولم يقل رفع عنكم الجوع والحاجة حفظًا للأدب معهم. (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فأضاف ما جرى إلى السبب ولم يضفه إلى المباشر (إخوته).

    ثم تأمل معي موقف الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - مع مسطح بن أثاثة إذ كان الصديق ينفق على مسطح فلما كانت حادثة الإفك كان مسطح ممن خاضوا فيها فأقسم الصديق ألا ينفق على مسطح فأنزل الله قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:22) فما كان من الصديق إلا أن أعاد النفقة على مسطح.

    وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه في أوج انتصاراته وهو قائد الجيش يأتيه خبر عزل الفاروق له فما تكلم بما يدل على سخطه ولاترك ساحات القتال بل ظل مجاهدا كجندي من جند المسلمين بعد أن كان قائدهم. ثم استمع إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول : "إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة". أما أبو دجانة رضي الله عنه فقد دُخل عليه وهو مريض فرأوا وجهه يتهلل (منور) فكلموه في ذلك فقال: "ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي سليمًا للمسلمين".

    أماعُلبة بن زيد

    فإنه لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة ولم يجد ما ينفقه بكى وقال: "اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به، اللهم إني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض، ثم أصبح مع الناس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أين المتصدق بعرضه البارحة؟" فقام عُلبة رَضي الله عنه، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم : "أبشر فوالذي نفسُ محمد بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبلة".

    وانظر إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يُضرب ويُعذَّب على يد المعتصم، وحين أخذوه لمعالجته بعد وفاة المعتصم وأحسَّ بألمٍ في جسده قال: "اللهم اغفر للمعتصم". سبحان الله!! يستغفر لمن كان سببًا في ألمه. إنه منطق عظيم لا تعرفه إلا الصدور التي حملت قلوبًا كبيرة عنوانها سلامة الصدر وهل أتاك نبأ الشيخ ابن باز - رحمه الله - مع ذلك الرجل من الخرج؟ فقد تولى الشيخ القضاء في مدينة الخرج وجاءه رجل في قضية فسب الرجل الإمام ابن باز رحمه الله،وشاع الخبر في المدينة وخرج الشيخ إلى الحج ،وبينما كان الشيخ في الحج مرض الرجل ومات، فلما قُدِّم الرجل ليُصلَّى عليه، أبى الإمام الصلاة عليه بسبب سبه للشيخ ابن باز، وصلَّى غيره، فلما رجع الشيخ وأُخبر الخبر عاتب الإمام جدًّا على فعله، ولم يرض ما صنع، ثم إنه سأل عن قبر الرجل فأتاه وصلَّى عليه ودعا له. فأين نحن من هؤلاء؟!!.
    الأسباب المعينة على سلامة الصدر

    1- الدعاء فإنه من أعظم الأساب لتحقيق المقصود ، وكان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم وأسألك قلبًا سليمًا)،
    فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه. كما أثنى الله على المؤمنين لدعائهموَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا).

    2- حُسن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل: قال عمر: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً. وقال الشافعي: من أراد أن يقضي له الله بخير فليحسن ظنه بالناس.
    ولما دخل عليه أحد إخوانه يعوده قال: قوّى الله ضعفك ،فقال الشفعي رحمه الله: لو قوى ضعفي لقتلني،قال الزائر :والله ما أردت إلا الخير،فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.

    3- التماس الأعذار وإقالة العثرات والتغاضي عن الزلات
    - التمس لأخيك سبعين عذرًا. - يقول ابن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا فإن لم تجد فقل :لعل له عذرًا لا أعرفه. - يا أخي من المعصوم من الخطأ والزلات؟ قال بعضهم:الفتوة التجاوز عن زلات الإخوان. - تذكَّر سوابق إحسانه فإنه مما يعين على التماس العذر وسلامة الصدر واعلم أن الرجل من عُدَّت سقطاته.
    - استحضر أن المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يلتمس العثرات.

    4- ادفع بالتي أحسن.. ليس هذا من العجز، بل من القوة والكياسة قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34)

    5- البعد عن الغيبة والنميمة وتجنب كثرة المزاح.

    6- معاملة النمام بما يستحقه فهو[فاسق - هماز مشاء بنميم - بريد الشيطان].
    7- الهدية والمواساة بالمال فإنها من دواعي المحبة.

    8- الإيمان بالقدر ، فإن العبد إذا آمن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بما هو فيه ولم يجد في قلبه حسدا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه.

    9- أخيرا تذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يشكر ربه على النعم التي أنعم بها حتى على غيره من الخلق حين يصبح وحين يمسي. رزقنا الله وإياكم صدورا سليمة لا تحمل غلا ولا حسدا ولا حقدا.



    التعديل الأخير تم بواسطة شام ; 31-05-2010 الساعة 21:14
    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  2. #2
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78




    المراقبة شعار المتقين

    إن الله اللطيف الخبير وسع كل شيء علما،لا يخفى عليه شيء في السماوات ولا في الأرض ‘وإذا علم العبد هذه المعاني وجب عليه ان يراقب ربه في كل حركاته وسكناته.والمراقبة هي دوام علم العبد وتيقنه باطِّلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، وهي ثمرة علم العبد بأن الله رقيب عليه، ناظرٌ إليه، سامع لقوله، وهو سبحانه مطلع على عمله كل وقت وكل طرفة عين.
    قال الله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)[الحديد:4]، وقال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)[البقرة:235]، وقال: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً)[الأحزاب:52].
    وفي حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". ولله در الإمام أحمد رحمه الله وهو يقول:
    إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل.. ... ..خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيبُ
    ولا تحسبنَّ الله يغفــل سـاعـةً.. ... ..ولا أن ما تخفي عليه يغيبُ

    **والمراقبة تعبُّدٌ لله بأسمائه الحسنى:***
    اعلم أيها القارئ الكريم - وفقنا الله وإياك - أن المراقبة هي التعبد لله بأسمائه: "الرقيب، الحفيظ، السميع، العليم، الخبير، البصير، الشهيد، والمحصي"؛ فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة.
    **الرقيب:***
    الله سبحانه هو الرقيب، يعلم أحوال عباده، ويعد أنفاسهم، حفيظ لا يغفل، وحاضر لا يغيب، قال تعالى في قول عيسى لربه: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[المائدة:117].
    وقد سُئل بعضهم: بم يُستعان على غض البصر؟ فقال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور.
    وقال ابن المبارك لرجل: راقب الله تعالى. فسأله عن تفسير ذلك؟ فقال: كُن أبدًا كأنك ترى الله.
    فهو سبحانه:
    رقيب على كل الوجــود مهيمنٌ .. ... على الفلك الدوار نجمًا وكوكبًا
    رقيب على كل النفوس وإنْ تَلُذْ.. ... بصمـت ولـم تجهـر بسـرٍ تغيبًا
    رقيب تعالى مـالك الملك مبصرٌ.. ... به كل شيءٌ ظاهرًا أو محجبًا

    **الحفيظ:***
    قال تعالى: (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)[سـبأ:21]، فمن علم ذلك حفظ قلبه وجوارحه من معاصيه.
    **العليم:***
    فمن علم أنه سبحانه عالم بكل شيء حتى بخطرات الضمائر، ووساوس الخواطر، راقب ربه واستحيا منه، وكف عن معاصيه، قال تعالى: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)[الملك:13].
    **الشهيد:***
    قال تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[يونس:61].
    وهكذا بقية أسمائه الحسنى التي ذكرناها، فإن التعبد لله بمقتضاها يورث القلب مراقبة الرب عز وجل.
    قال عامر بن قيس: ما نظرتُ إلى شيءٍ إلا رأيتُ الله تعالى أقرب إليه مني.
    وقد مرَّ ابن عمر رضي الله عنهما براعٍ فطلب منه شاةً يشتريها فقال: ليس هاهنا ربها. قال ابن عمر: تقول له: أكلها الذئب. قال: فرفع رأسه إلى السماء وقال: فأين الله؟ فقال ابن عمر: أنا والله أحق أن أقول: أين الله؟ واشترى الراعي والغنم، فأعتقه وأعطاه الغنم.
    فحريٌ بالعبد أن يراقب ربه، فهو لا يغيب عن نظره سبحانه طرفة عين: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)[المجادلة:7]؟
    قال حُميد الطويل لسليمان بن عليّ: عظني. فقال: لئن كنت إذا عصيت الله خاليًا ظننت أنه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم، ولئن كنت تظن أنه لا يراك فلقد كفرت.
    وقال ابن الجوزي رحمه الله: الحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد. لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه. فأمر بقصد نيته، ورفع اليدين إليه، والسؤال له. فقلوب الجهال تستشعر البعد؛ ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفُّوا الأكف عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفوا عن الانبساط.
    نسأل الله أن يرزقنا خشيته ومراقبته في السر والعلن إنه ولي ذلك والقادر عليه.



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  3. #3
    ][ خطــوة أقــداري ][

    المراقبة العامة
    الصورة الرمزية هند القاضي


    تاريخ التسجيل
    03 2006
    الدولة
    المشاركات
    9,799
    المشاركات
    9,799





    جزاكِ الله خيراً




    سُررتُ في العمرِ مرّةْ وكنت أنت المَسرَّهْ

  4. #4
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78





    الإخلاص..نجاة الأبد

    خلق الله الخلق لعبادته ، وأمرهم بطاعته ، وجعل سبحانه للأعمال ركنين لا يقبل عملا إلا بهما : أن يكون العمل خالصاً لله ، وصواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    قال تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ).

    قال الفضيل بن عياض ــ رحمه الله ــ في تفسير قوله تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزير الغفور )

    هو أخلصه وأصوبه ، قالوا : يا أبا علي ، ما أخلصه وأصوبه ؟ فقال : إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يًقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً .. ثم قرأ قوله تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ).

    الإخلاص ــ أيها الأحبة ــ هو مسك القلب ، وماء حياته ، ومدار الفلاح كله عليه .

    إن الذي يعمل بغير إخلاص ولا اقتداء كمسافر يملأ جرابه رملاً ينقله ولا ينفعه ــ كما قال ابن القيم ــ رحمه الله .

    ولهذا سيأتي أقوام يوم القيامة بأعمال كالجبال لكنها لا تنفعهم لأنها فقدت أهم شروط قبولها .. الإخلاص : (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً )



    فما هو الإخلاص إذاً ؟

    لقد تعددت تعريفات العلماء للإخلاص لكنها تدور حول معنى واحد وهو ترك الرياء ، بمعنى أن يكون قصد العبد من أعماله رضا الله .. رضا الله فقط ، يقول الإمام الغزالي رحمه الله :

    (كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ، ويميل إليه القلب ، قَلَّ أم كثر ، إذا تطرق إلى العمل تكدر به صفوه ، وزال به إخلاصه ...)

    قال سهل بن عبد الله التستري : نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا : أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى ، لا يمازجه شيء ، لا نفس ، ولا هوى ، ولا دنيا .



    عزة الإخلاص وصعوبة تحصيله :

    مما لا شك فيه أن تخليص الأعمال من شوائب حظوظ النفس من الرياء ، والتسميع ، وحب المدح والثناء .. وغيرها من الآفات والشهوات أمر شاق على النفوس ، ولهذا قيل : أشد شيء على النفس الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب .

    وقيل : تخليص الأعمال على العمّال أشد عليهم من جميع الأعمال .

    وقالوا : إخلاص ساعة نجاة الأبد ولكن الإخلاص عزيز .

    قال الغزالي ــ رحمه الله ــ : ( ... فلذلك قيل : من سلم له من عمره لحظة خالصة لوجه الله نجا ، وذلك لعزة الإخلاص وعُسْر تنقية القلب عن هذه الشوائب ، بل الخالص هو الذي لا باعث له إلا طلب القرب من الله تعالى )



    الأسباب المعينة على تحقيق الإخلاص :
    إن أعظم أسباب تحقيق الإخلاص هو تعظيم الرب سبحانه وتعالى ويقين العبد باطلاع الرب عز وجل عليه ، وعلمه سبحانه بمكنونات الصدور : ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ).

    ومنها : نسيان رؤية الخلق ، بمعنى ألا يقيم للناس وزناً عند تعامله مع ربه سبحانه وتعالى ، فيحرص على رضا ربه دون نظر إلى مدح الناس أو ذمهم .

    ومنها : إخفاء العمل ، فكلما كان العمل بين العبد وبين ربه كان ذلك أقرب إلى الإخلاص ، ولهذا وجدنا كثيراً من السلف يخفون أعمالهم عن الخلق مخافة الرياء . حتى أن أحدهم ليدخل في فراشه ، ثم يخادع زوجته ، فإذا علم أنها قد نامت قام فصلى .

    وما أحلى قول نبينا ــ صلى الله عليه وسلم ــ في السبعة الذي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه "

    ومنها : الإكثار من دعاء الله أن يرزق العبد الإخلاص ، وأن يعيده من الرياء ، ومن أجمع الأدعية في ذلك : "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلمه ، وأستغفرك لما لا أعلمه ". وكان عمر يسأل ربه الإخلاص فيقول : اللهم اجعل عملنا كله صالحاً ، واجعله لوجهك خالصاً ، ولا تجعل لأحد من خلقك فيه شيئاً .



    من فضائل الإخلاص :
    للإخلاص فضائل عظيمة وآثار جليلة ، منها :

    1- تعظيم العمل ، وتكثير الثواب :

    فقد يكون العمل في ذاته يسيراً أو صغيراً لكن يعظم أجره بالنية الصالحة، قال الله عز وجل : ( والله يضاعف لمن يشاء )

    قال ابن كثير : أي بحسب إخلاصه في عمله .

    ويقول ابن المبارك ــ رحمه الله ــ رُبَّ عمل صغير تعظمه النية ، ورب عمل كبير تصغره النية .

    2- حفظ القلب من الخيانة والحقد :
    قال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ : " ... ثلاث لا يُغَلُّ عليهن قلب امرئٍ مؤمن(أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق) : إخلاص العمل لله ، والمناصحة لأئمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعاءهم يحيط من ورائهم " ...

    3- حفظ الأمة وتحقيق النصر :
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها ، بدعوتهم ، وصلاتهم ، وإخلاصهم " .

    4- حفظ العبد من الآفات المهلكة :
    قال الله عز وجل : (... كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين )

    5- النجاة من الشدائد :
    ففي حديث الثلاثة الذين انسد عليهم الغار أنهم توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم التي فعلوها ابتغاء وجه الله ، ففرَّج الله عنهم.

    6- الحفظ من تسلط الشيطان :
    قال الله سبحانه وتعالى حاكياً عن إبليس : ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين )

    7- رفعة الدرجات :
    قال صلى الله عليه وسلم : " إنك لن تُخلَّف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة " .

    8- الفوز بالجنة :
    قال صلى الله عليه وسلم : " من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة " .



    أخيراً اعلم أيها الأخ الحبيب أن تحقيق الإخلاص عزيز ، لذا فإنه يحتاج إلى مجاهدة قبل العمل وأثناءه ، وبعده،حتى يكون عمل العبد لله.فالمخلصون _كما ذكر ابن القيم-:"أعمالُهم كلُّها لله، وأقوالُهم لله، وعطاؤهم لله، ومنعُهم لله، وحبُّهم لله، وبُغضُهم لله؛ فمعاملتُهم ظاهراً وباطناً لوجهِ الله وحدَه لا يريدون بذلك من الناسِ جزاءً ولا شكوراً، ولا ابتغاءَ الجاهِ عندَهم، ولا طلبَ المحمدةِ والمنزلة في قلوبِهم، ولا هرباً من ذمِّهم. بل قد عَدُّوا الناسَ بمنزلةِ أصحابِ القبورِ؛ لا يملكون لهم ضرّاً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نُشوراً. فالعملُ لأجلِ الناسِ وابتغاء الجاهِ والمنزلة عندهم ورجائهم للضرِّ والنفعِ منهم لا يكون من عارِفٍ بهم البتة؛ بل من جاهلٍ بشأنِهم وجاهلٍ بربِّه؛ فمن عرفَ الناسَ أنزلَهم مَنازلَهم، ومن عَرفَ اللهَ أخلصَ له أعمالَه وأقوالَه وعطاءَه ومنعَه وحُبَّه وبُغضَه". نسأل الله الكريم بمنه أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ، والفعل والترك ، وأن يجنبنا الرياء والعجب . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  5. #5
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78




    الخوف شعار العارفين

    إن من أعظم المهمات التي بعث لأجلها النبي صلى الله عليه وسلم تزكية النفوس وتطهيرها، كما قال الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)[الجمعة:2].
    وقد جعل الله تعالى فلاح العبد منوطًا بتزكية نفسه، فقال سبحانه وتعالى بعد أحد عشر قسمًا متواليًا: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشمس:9، 10].
    ومما لا شك فيه أن من أهم الوسائل لتزكية النفوس هو تربيتها على الخوف من الله عز وجل. قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
    "ومن منازل (إياك نعبد وإياك نستعين) منزلة الخوف، وهي من أجلِّ منازل الطريق، وأنفعها للقلب، وهي فرض على كل أحد".
    وقال أيضًا رحمه الله:
    "القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فُقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر".
    وإذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها؛ إذ الخوف سوط الله الذي يقوِّم به الشاردين عن بابه ويصدهم به عن نار الجحيم والعذاب الأليم.
    قال الفضيل رحمه الله: من خاف الله دله الخوف على كل خير.
    واعلم أن الخوف إذا فارق القلب خَرِب، وتجرأ صاحبه على المعاصي.
    وكيف لا يخاف العبد في هذه الدار وهو يعلم أنه مقبل على أهوال عظام:
    فهو لا يدري بماذا يختم له.. قال سهل: خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة، وعند كل حركة، وهم الذين وصفهم الله تعالى إذ قال: (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ...)[المؤمنون:60].
    ولما احتضر سفيان الثوري - رحمه الله - بكى بكاءً شديدًا. فقيل له: عليك بالرجاء؛ فإن عفو الله أعظم من ذنوبك. فقال: أو على ذنوبي أبكي؟! لو علمت أني أموت على التوحيد لم أبال بأن ألقى الله بأمثال الجبال من الخطايا.
    ثم هو مقبل على القبر وسؤال الملكين، ولا يدري أيثبت أم لا؟.. جلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير قبر فبكى ثم قال: "أي إخواني لمثل هذا فأعدوا".
    ثم إذا أعمل فكرة في أهوال الحشر، والميزان، والصراط، وانصراف الناس إما إلى جنة وإما إلى نار لاستولى الخوف على قلبه فحجزه عن الكثير من المحرمات. فكل من خاف شيئًا فر منه، لكن من خاف الله فر إليه: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)[الذاريات:50]
    درجات الخوف:
    ذكر بعضهم أن للخوف درجات:
    الدرجة الأولى: خوف العقوبة:
    وهو الخوف الذي يصح به الإيمان، وهو خوف العامة، وهذا الخوف يتولد من تصديق الوعيد، وذكر الجناية، ومراقبة العاقبة، وترحل هذا الخوف من القلب علامة ترحل الإيمان منه.. قال الله تعالى: (وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران:175].
    الدرجة الثانية: خوف المكر:
    فكم من مغبوط بحاله انعكس عليه الحال، ورجع من حسن المعاملة إلى قبيح الأعمال، فأصبح يقلب كفيه ويضرب باليمين على الشمال، فبُدِّل بالأُنس وحشة، وبالحضور غيبة، وبالإقبال إعراضًا، وبالتقريب إبعادًا.
    وأعلى الدرجات: خوف العبد الحجاب عن الرب:وهذا خوف العارفين.
    وكلما كان العبد أعلم بالله وأعرف بصفاته سبحانه كلما كان خوفه أشد.. قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر:28]. ولهذا وجدنا سيد الخلق محمدًا صلى الله عليه وسلم أخوف الناس، فقد قيل له: يا رسول الله شِبْتَ! قال: "شيبتني هود وأخواتها". وهو صلى الله عليه وسلم الذي قال عن نفسه: "إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية".
    وقد ذكر بعض العلماء أن الخوف له قصور، وإفراط، واعتدال، فالمحمود منه هو الاعتدال والوسط، وذلك الذي يحمل صاحبه على فعل الواجبات وترك المحرمات، فإن زاد بحيث صار باعثًا للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات والكف عن دقائق المكروهات، والتبسط في فضول المباحات؛ كان أفضل وأحسن.
    وأما القاصر فذلك الذي يجري مجرى رقة النساء، يخطر بالبال عن وجود سبب من الأسباب كسماع آية أو موعظة أو غير ذلك، فتفيض الدموع ويوجل القلب، ثم إذا زال السبب عاد لما كان عليه من الغفلة، فهذا خوف قاصر قليل الجدوى.
    وأما الإفراط في الخوف بحيث يخرج صاحبه إلى اليأس والقنوط أو يورث مرضًا أو همًا بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المحبوبة لله، فإن ذلك مذموم غير محمود.
    رزقنا الله خشيته ومخافته في السر والعلن، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلم.



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  6. #6
    مراقب المضايف الاسلامية الصورة الرمزية ابو ضاري


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    الجبي
    العمر
    45
    المشاركات
    15,733
    المشاركات
    15,733
    Blog Entries
    1


    جاسوس القلوب

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد.
    فلقد تساهل كثير من الناس هدانا الله وإياهم في هذا الزمان بسماع الغناء والتلذذ به والمجاهرة بسماعه رغم تحريمه في الكتاب والسنة ، ورغم ما يشتمل عليه من كلام ساقط ماجن بذيء لا يليق بمسلم عاقل أبداً أن يستمع لمثله فضلاً عن أن يتلذذ به أو يجاهر بسماعه ، والإصابة بمرض الغناء هي بحق أعظم بكثير من الإصابة بسائر الأمراض الأخرى الخبيثة من مسكرات أو مخدرات لأن كل ذلك يزول إذا فطمت النفس عن الغناء ، إن صاحب الغناء وصاحب العشق في سكر دائم وهذا السكر الدائم هو أشنع ما يصاب به الإنسان في هذه الحياة ، ولقد حرم الله الغناء في مكة المكرمة قبل الهجرة وقبل أن تفرض كثير من الفرائض وقبل أن تحرم سائر المحرمات كالخمر وغيره وذلك لخطورته على الأخلاق والسلوك ، وذلك لكي يشب القلب ويبنى على الطهارة والفضيلة من البداية.

    أضرار الغناء
    إن للغناء أضرار ومفاسد كثيرة: فهو يفسد العقل وينقص الحياء ويهدم المروءة ، وهو سبب ذهاب الغيرة ونور الإيمان من القلوب ويقرب من يستمعه من الشيطان ويبعده عن الرحمن ، والغناء هو الذي أفسد الأمة وأثار الشهوات في نفوس الناس وهو الطريق الموصل إلى الزنا واللواط ، وهو الذي ألهى الأمة عن القرآن وعن الذكر وعن الطاعة وأنبت النفاق في قلوب مستمعيه وحرك البنات الغافلات والبنين الغافلين إلى التفكير الخاطىء وإلى التفكير في الفاحشة والرذيلة وأصبح الواحد منهم في ليله ونهاره غارقاً في بحر الأوهام والأماني الكاذبة والأفكار السيئة.
    قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: الغناء هو جاسوس القلوب وسارق المروءة ، وسُوس العقل ، يتغلغل في مكامن القلوب ، ويدب إلى محل التخييل فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة ، فبينما ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة القران ، فإذا سمع الغناء ومال إليه نقص عقله ، وقل حياؤه ، وذهب مروءته ، وفارقه بهاؤه ، وتخلى عنه وقاره وفرح به شيطانه وشكا إلى الله إيمانه ، وثقل عليه قرآنه...
    وقال رحمه الله في أهل الغناء:

    تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة *** لكـــنـه إطـراق ســـاه لاهي
    وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا *** والله مـــا رقصوا لأجـل الله










  7. #7
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    جزاك الله الخير أخي ابوضاري
    اضافة قيمة بارك الله بك
    حفظك الله ورعاك



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  8. #8
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    الرضا جنة العارفين
    قدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة، وكان قد كُفَّ بصره، فجاءه الناس يهرعون إليه، كل واحد يسأله أن يدعو له، فيدعو لهذا ولهذا، وكان مجاب الدعوة. قال عبد الله بن السائب: فأتيته وأنا غلام، فتعرفت عليه فعرفني وقال: أنت قارئ أهل مكة؟ قلت: نعم.. فقلت له: يا عم، أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك، فردَّ الله عليك بصرك. فتبسم وقال: يا بُني قضاء الله سبحانه عندي أحسن من بصري.
    إنه الرضا الذي وطَّنوا أنفسهم عليه، بحيث صارت أقدار الله عز وجل أحبَّ إليهم من هوى أنفسهم، بل صاروا لا يهوون غيرها، حتى قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما لي هوىً في شيء سوى ما قضى الله عز وجل.
    ومما يدل على علوِّ قدر الرضا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله الرضا بالقضاء، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسال ربه إلا أعلى المقامات.
    إن الرضا هو الوقوف الصادق مع مراد الله، من غير تردد في ذلك ولا معارضة، وهذا مطلوب القوم السابقين، يقف العبد حيثما وقفه ربه لا يطلب تقدمًا ولا تأخرًا، وهذا يكون فيما يقفه فيه من مراده سبحانه الكوني الذي لا يتعلق بأمر ولا نهي، وأما إذا وقفه في مراد ديني فكماله بطلب التقدم فيه دائمًا.
    وكان السلف رضي الله عنهم يتواصون بالرضا وتربية النفس عليه، لعلمهم بعلو منزلته، فهذا عمر الفاروق رضي الله عنه يكتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فيقول: "أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر".
    وكان من وصايا لقمان عليه السلام لولده: "أوصيك بخصال تقربك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت".
    إن من وطَّن نفسه على الرضا عاش في الدنيا حياة طيبة، ولم تعرف الهموم والأكدار إلى قلبه سبيلاً، كيف وقد رضي الله عنه ورضي هو عن الله؟ إن الله عز وجل يقول : (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة..)
    وقد فسرها بعض السلف بأنها حياة الرضا والقناعة.
    ولهذا لما قال عمر بن الخطاب لزوجته عاتكة رضي الله عنهما: "والله لأسوأنك - وكان قد غضب عليها - فقالت: أتستطيع أن تصرفني عن الإسلام بعد إذ هداني الله له؟ قال: لا. قالت: فأيُّ شيء تسؤني به إذًا؟" تريد أنها راضية بمواضع القدر لا يسؤها منه شيء إلا صَرْفُها عن الإسلام ولا سبيل له إليه.
    صحة الرضا عن الله بثلاثة شروط:
    الأول:
    استواء النعمة والبلية عند العبد؛ لأنه يشاهد حُسنَ اختيار الله له. ومن هذا الباب ما حدث مع بعض السلف حين ابتلوا بالشدائد فصبروا لها، وظهر منهم الرضا.
    فهذا عمر بن عبد العزيز يموت ولده عبد الملك فيدخل عليه سليمان بن الغاز معزيًّا، فيقول له عمر: "وأنا أعوذ بالله أن يكون لي محبةٌ في شيء من الأمور يخالف محبة الله، فإن ذلك لا يصلح لي في بلائه عندي وإحسانه إليَّ".
    وعن إبراهيم النخعي: أن أم الأسود قُعدت من رجليها، فجزعت ابنة لها، فقالت: لا تجزعي، اللهم إن كان خيرًا فَزِدْ.
    الثاني:
    سقوط الخصومة عن الخلق إلا فيما كان حقًّا لله ورسوله، فالمخاصمة لحظ النفس تطفئ نور الرضا وتُذهب بهجته، وتُبدِّل بالمرارة حلاوته، وتُكدِّر صَفْوه.
    الثالث: الخلاص من الإلحاح في مسألة الخلق، قال الله تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً)
    [البقرة:273].
    وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يتقبل لي بواحدة وأتقبل له بالجنة قال: قلت: أنا قال: لا تسأل الناس شيئاً". فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد: ناولنيه حتى ينزل فيتناوله
    .[رواه أحمد].
    الرضا ذروة سنام الإيمان:

    قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ذروة سنام الإيمان أربع خلال: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب عز وجل.
    وقال ابن القيم رحمه الله: الرضا من أعمال القلوب، نظير الجهاد من أعمال الجوارح، فإن كل واحد منهما ذروة سنام الإيمان.
    منعه عطاء:
    قال سفيان الثوري رحمه الله: مَنْعُه عطاء. وذلك أنه لم يمنع عن بُخل ولا عدم، وإنما نظر في خير عبده المؤمن، فمنعه اختيارًا وحُسْنَ نظر.
    فإن الله عز وجل لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرًا له، ساءه القضاء أو سره. فقضاؤه لعبده المؤمن المنع عطاء، وإن كان صورة المنع، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية. ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذَّ به في العاجل، ولو رزق من المعرفة حظًا وافرًا لعدَّ جميع ما قضاه الله عز وجل وقدر نعمة وعطاء وعافية، وهذه كانت حال السلف. ولن يجد العبد حلاوة الإيمان إلا بهذا:
    "ذَاقَ طَعْمَ الإْيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِالله رَبّا وَ باْلإِسْلاَمِ دِيناً وبِمُحَمّدٍ رَسُولاً".
    فاللهم رضِّنا بقضائك وبارك لنا في قدرك، حتى لا نحب تعجيل شيء أخَّرته، ولا تأخير شيء عجلته.



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  9. #9
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    التوكل على الله

    بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على أله و صحبه و من والاه ، أما بعد:

    فالتوكل على الله و تفويض الأمر إليه سبحانه ، و تعلق القلوب به جل و علا من أعظم الأسباب التي يتحقق بها المطلوب و يندفع بها المكروه ، و تقضى الحاجات ، و كلما تمكنت معاني التوكل من القلوب تحقق المقصود أتم تحقيق ، و هذا هو حال جميع الأنبياء و المرسلين ، ففي قصة نبي الله إبراهيم – عليه السلام – لما قذف في النار روى أنه أتاه جبريل ، يقول : ألك حاجة ؟ قال : "أما لك فلا و أما إلى الله فحسبي الله و نعم الوكيل " فكانت النار برداً و سلاماً عليه ، و من المعلوم أن جبريل كان بمقدوره أن يطفئ النار بطرف جناحه ، و لكن ما تعلق قلب إبراهيم – عليه السلام – بمخلوق في جلب النفع و دفع الضر . و نفس الكلمة رددها الصحابة الكرام يوم حمراء الأسد – صبيحة يوم أحد – يقول تعالى: ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ ) " سورة آل عمران : 173 – 174 " . و لما توجه نبي الله موسى – عليه السلام – تلقاء مدين ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) " سورة القصص : 23 – 24 " أوقع حاجته بالله فما شقي ولا خاب ، و تذكر كتب التفسير أنه كان ضاوياً ، خاوي البطن ، لم يذق طعاماً منذ ثلاث ليال ، و حاجة الإنسان لا تقتصر على الطعام فحسب ، فلما أظهر فقره لله ، و لجأ إليه سبحانه بالدعاء ، و علق قلبه به جل في علاه ما تخلفت الإجابة ، يقول تعالى: ( فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ ) " سورة القصص : 25 " و كان هذا الزواج المبارك من ابنة شعيب ، و نفس الأمر يتكرر من نبي الله موسى ، فالتوكل سمة بارزة في حياة الأنبياء – عليهم السلام – لما سار نبي الله موسى و من آمن معه حذو البحر ، أتبعهم فرعون و جنوده بغياً و عدواً ، فكان البحر أمامهم و فرعون خلفهم ، أي إنها هلكة محققة ، و لذلك قالت بنو إسرائيل: إنا لمدركون ، قال نبى الله موسى : (كلا إن معي ربى سيهدين) قال العلماء : ما كاد يفرغ منها إلا و أُمر أن أضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ، فكان في ذلك نجاة موسى و من آمن معه ، و هلكة فرعون و جنوده ، و لذلك قيل : فوض الأمر إلينا نحن أولى بك منك ، إنها كلمة الواثق المطمئن بوعد الله ، الذي يعلم كفاية الله لخلقه: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ) " سورة الزمر : 36 "

    التوكل والتواكل:

    قد تنخرق الأسباب للمتوكلين على الله ، فالنار صارت برداً و سلاماً على إبراهيم ، و البحر الذي هو مكمن الخوف صار سبب نجاة موسى و من آمن معه ، ولكن لا يصح ترك الأخذ بالأسباب بزعم التوكل كما لا ينبغي التعويل على الحول و الطول أو الركون إلى الأسباب ، فخالق الأسباب قادر على تعطليها، و شبيه بما حدث من نبى الله موسى ما كان من رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الهجرة ، عندما قال أبو بكر – رضي الله عنه - : لو نظر أحد المشركين تحت قدميه لرآنا ، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم :" ما بالك باثنين الله ثالثهما ، لا تحزن إن الله معنا "، و هذا الذي عناه سبحانه بقوله: ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) " سورة التوبة : 40 ".

    والأخذ بالأسباب هو هدى سيد المتوكلين على الله – صلوات الله و سلامه عليه - في يوم الهجرة و غيره ، إذ عدم الأخذ بالأسباب قدح في التشريع، و الاعتقاد في الأسباب قدح في التوحيد ، و قد فسر العلماء التوكل فقالوا : ليكن عملك هنا و نظرك في السماء ، و في الحديث عن أنس بن مالك – رضى الله عنه – قال : قال رجل : يا رسول الله أعقلها و أتوكل ، أو أطلقها و أتوكل ؟ قال : "اعقلها و توكل " رواه الترمذي و حسنه الألباني ، وأما عدم السعي فليس من التوكل في شيء، و إنما هو اتكال أو تواكل حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و التوكل على الله يحرص عليه الكبار و الصغار و الرجال و النساء ، يحكى أن رجلاً دخل مسجد النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة فرأى غلاماً يطيل الصلاة ، فلما فرغ قال له : ابن من أنت؟ فقال الغلام : أنا يتيم الأبوين ، قال له الرجل : أما تتخذني أباً لك ، قال الغلام : و هل إن جعت تطعمني ؟ قال له : نعم ، قال : و هل إن عريت تكسوني؟ قال له : نعم ، قال : و هل إن مرضت تشفيني؟ قال: هذا ليس إلي ، قال : و هل إن مت تحييني ، قال : هذا ليس إلى أحد من الخلق ، قال : فخلني للذي خلقني فهو يهدين و الذي هو يطعمني و يسقين، و إذا مرضت فهو يشفين ،و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ، قال الرجل : آمنت بالله، من توكل على الله كفاه . و في قصة الرجل الذي كان يعبد صنماً في البحر ، و التي نقلها ابن الجوزي عن عبد الواحد بن زيد دلالة على أن التوكل نعمة من الله يمتن بها على من يشاء من خلقه حتى و إن كان حديث العهد بالتدين ، فهذا الرجل لما جمعوا له مالاً و دفعوه إليه ، قال : سبحان الله دللتموني على طريق لم تسلكوه ، إني كنت أعبد صنماً في البحر فلم يضيعني فكيف بعد ما عرفته ، و كأنه لما أسلم وجهه لله طرح المخلوقين من حساباته ، فغنيهم فقير ، و كلهم ضعيف و كيف يتوكل ميت على ميت : (فتوكل على الحي الذي لا يموت و سبح بحمده). و في الحديث :" لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً و تروح بطاناً " رواه أحمد و الترمذي و قال: حسن صحيح . و كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم :" اللهم أسلمت وجهي إليك و فوضت أمري إليك و ألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ". رواه البخاري و مسلم و كان يقول : "اللهم لك أسلمت و بك آمنت و عليك توكلت و إليك أنبت و بك خاصمت ، اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني ، أنت الحي الذي لا يموت و الجن و الإنس يموتون ". رواه مسلم ، و كان لا يتطير من شئ صلوات الله و سلامه عليه ، و أخذ بيد رجل مجذوم فأدخلها معه في القصعة ثم قال : "كُلْ ثقةً بالله و توكلا عليه " رواه أبو داود و ابن ماجة .

    التوكل على الله نصف الدين:

    ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله عز و جل مع أخذهم بالأسباب الشرعية ، فالتوكل كما قال ابن القيم: نصف الدين و النصف الثانى الإنابة ، فإن الدين استعانة و عبادة ، فالتوكل هو الاستعانة و الإنابة هي العبادة ، و قال أيضاً : التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق و ظلمهم و عدوانهم ، و قال سعيد بن جبير : التوكل على الله جماع الإيمان ، و عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون و يقولون : نحن المتوكلون ، فإن قدموا مكة سألوا الناس ، فأنزل الله تعالى: ) وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ( " سورة البقرة : 197 " وروي أن نبي الله موسى – عليه السلام – كان يقول : اللهم لك الحمد و إليك المشتكى و أنت المستعان ، و بك المستغاث و عليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك . عباد الله إن الله هو الوكيل ، الذي يتوكل عليه ، و تفوض الأمور إليه ليأتي بالخير و يدفع الشر .

    من أسماء الرسول :المتوكل

    و من أسماء رسول الله صلى الله عليه و سلم " المتوكل " كما في الحديث: " و سميتك المتوكل " .و إنما قيل له ذلك لقناعته باليسير و الصبر على ما كان يكره ، و صدق اعتماد قلبه على الله عز و جل في استجلاب المصالح و دفع المضار من أمور الدنيا و الأخرة و كلة الأمور كلها إليه، و تحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه ، و لكم في نبيكم أسوة حسنة و قدوة طيبة ، فلابد من الثقة بما عند الله و اليأس عما في أيدي الناس ، و أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك ، و إلا فمن الذي سأل الله عز وجل فلم يعطه ، و دعاه فلم يجبه و توكل عليه فلم يكفه ، أووثق به فلم ينجه؟ إن العبد لا يؤتى إلا من قبل نفسه ، و بسبب سوء ظنه ، و في الحديث: " أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء " و الجزاء من جنس العمل ، فأحسنوا الظن بربكم و توكلوا عليه تفلحوا ، فإن الله يحب المتوكلين .

    و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين





    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  10. #10
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    الزهد طريق إلى المحبةبسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه ، أما بعد :

    فالزهد هو عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه ، و هو ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة و أن يخلو قلبك مما خلت منه يداك ، و يعين العبد على ذلك علمه أن الدنيا ظل زائل ، و خيال زائر فهي كما قال تعالى: ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً ) " سورة الحديد : 20 " و سماها الله " متاع الغرور " و نهى عن الاغترار بها ، و أخبرنا عن سوء عاقبة المغترين ، و حذرنا مثل مصارعهم و ذم من رضي بها و اطمأن إليها ، و لعلمه أن وراءها داراً أعظم منها قدراً و أجل خطراً ، و هي دار البقاء ، يضاف إلى ذلك معرفته و إيمانه الحق بأن زهده في الدنيا لا يمنعه شيئاً كتب له منها ، و أن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها ، فمتى تيقن ذلك ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة ، فأما ما ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة:87) .



    حقيقة الزهد:

    و ليس المقصود بالزهد في الدنيا رفضها فقد كان سليمان و داود – عليهما السلام – من أزهد أهل زمانهما ، و لهما من المال و الملك و النساء ما لهما ، و كان نبينا صلى الله عليه و سلم من أزهد البشر على الإطلاق ، و له تسع نسوة ، و كان على بن أبي طالب و عبد الرحمن بن عوف و الزبير و عثمان – رضي الله عنهم - من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال ، و غيرهم كثير ، و قد سئل الإمام أحمد : أيكون الإنسان ذا مال و هو زاهد ، قال : نعم ، إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه ، و قال الحسن : ليس الزهد بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال ، و لكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك ، و أن تكون حالك في المصيبة ، و حالك إذا لم تصب بها سواء ، و أن يكون مادحك و ذامك في الحق سواء .هذه هي حقيقة الزهد، وعلى هذا فقد يكون العبد أغنى الناس لكنه من أزهدهم ؛ لأنه لم يتعلق قلبه بالدنيا،وقد يكون آخر أفقر الناس وليس له في الزهد نصيب ؛لأن قلبه يتقطع على الدنيا.



    من أقسام الزهد:

    و الزهد في الحرام فرض عين ، أما الزهد في الشبهات ، فإن قويت الشبهة التحق بالواجب ، وإن ضعفت كان مستحباً ، و هناك زهد في فضول الكلام و النظر و السؤال و اللقاء و غيره ، وزهد في الناس ، و زهد في النفس حيث تهون عليه نفسه في الله ، و الزهد الجامع لذلك كله ، هو الزهد فيما سوى ما عند الله ، و في كل ما يشغلك عن الله ، و أفضل الزهد إخفاء الزهد، وأصعبه الزهد في الحظوظ .



    من فضائل الزهد:

    لقد مدح الله تعالى الزهد في الدنيا و ذم الرغبة فيها في غير موضع فقال تعالى: ( و فرحوا بالحياة الدنيا و ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) " سورة الرعد : 26 " وقال عز وجل: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس:24)

    و قال: ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور ) " سورة الحديد : 23 " . و قال تعالى حاكياً عن مؤمن آل فرعون أنه قال: ( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع و إن الآخرة هي دار القرار ) " سورة غافر : 39 ". و عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ؛ فإنها تزهد في الدنيا و تذكر الآخرة " . و عن سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل فقال : يا رسول الله دلني على عمل ، إذا أنا عملته ، أحبني الله ، و أحبني الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "ازهد في الدنيا يحبك الله ، و ازهد فيما في أيدي الناس يحبوك ". و عن سهل بن سعد – رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء " .



    الأنبياء أزهد الناس:

    الأنبياء و المرسلون هم قدوة البشر في الزهد في الدنيا و الرغبة في الآخرة : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) و من طالع حياة سيد الأولين و الآخرين علم كيف كان صلى الله عليه و سلم يرقع ثوبه ، و يخصف نعله ، و يحلب شاته ، و ما شبع من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض ، و كان لربما ظل اليوم يتلوى لا يجد من الدقل ( رديء التمر ) ما يملأ بطنه ، و في غزوة الأحزاب ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع ، و يمر على أهله الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد في بيتهم النار ، طعامهم الأسودان : التمر و الماء ، و كان يقول : " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار و المهاجرة ". و عن عائشة – رضي الله عنها قالت : " إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي ينام عليه أدماً حشوه ليف " ، و أخرجت رضي الله عنها كساءً ملبداً و إزاراً غليظاً فقالت : " قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذين ".



    الصالحون على درب الأنبياء ساروا:

    و لما كان صلى الله عليه و سلم هو الأسوة و القدوة ، فقد سار على دربه الأفاضل ، فعن على – رضي الله عنه أنه قال : طوبى للزاهدين في الدنيا و الراغبين في الآخرة أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطاً ، و ترابها فراشاً ، و ماءها طيباً ، و الكتاب شعاراً ، و الدعاء دثاراً ، و رفضوا الدنيا رفضاً . و كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه ، أما بعد : فإني أوصيك بتقوى الله ، و الزهد في الدنيا ، و الرغبة فيما عند الله ، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده ، و أحبك الناس لتركك لهم دنياهم، و السلام.

    و عن عروة بن الزبير أن أم المؤمنين عائشة جاءها يوماً من عند معاوية ثمانون ألفاً ، فما أمسى عندها درهم ، قالت لها جاريتها : فهلا اشتريت لنا منه لحماً بدرهم ؟ قالت : لو ذكرتني لفعلت .

    و قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : الدنيا دار من لا دار له ، و مال من لا مال له ، و لها يجمع من لا علم له . و لما قدم عمر – رضي الله عنه – الشام تلقاه الجنود و عليه إزار و خفان و عمامة ، و هو آخذ برأس راحلته يخوض الماء ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، يلقاك الجنود و بطارقة الشام و أنت على حالتك هذه ، فقال : " إنا قوم أعزنا الله بالإسلام ، فلن نلتمس العز بغيره ".

    و دخل رجل على أبي ذر – رضي الله عنه – فجعل يقلب بصره في بيته ، فقال يا أبا ذر : ما أرى في بيتك متاعاً ، ولا أثاثاً ، فقال : إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا و قال : إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه .

    وكان عمرو بن العاص – رضي الله عنه- يخطب بمصر و يقول : ما أبعد هديكم من هدي نبيكم صلى الله عليه و سلم ، أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا و أما أنتم فأرغب الناس فيها . و قال على – رضي الله عنه – تزوجت فاطمة ومالي و لها فراش إلا جلد كبش ، كنا ننام عليه بالليل ، و نعلف عليه الناضح ( البعير ) بالنهار ومالي خادم غيرها ، و لقد كانت تعجن ، و إن قصتها لتضرب حرف الجفنة من الجهد الذي بها . و لما حضرت الوفاة معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا و طول البقاء فيها لكرى الأنهار ، ولا لغرس الأشجار ، و لكن لظمأ الهواجر ، و مكابدة الساعات ، و مزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر . و قد ذكر الإمام أحمد أن أفضل التابعين علماً سعيد بن المسيب ، أما أفضلهم على جهة العموم و الجملة فأويس القرني ، و كان أويس يقول : توسدوا الموت إذا نمتم و اجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم ، و قال مالك بن دينار : يعمد أحدهم فيتزوج ديباجة الحي ( فاتنة الحي ) ، فتقول : أريد مرطاً ( أكسية من صوف ) فتمرط دينه ( أى تذهب به ) . و كان كثير من السلف يعرض لهم بالمال الحلال ، فيقولون : لا نأخذه ، نخاف أن يفسد علينا ديننا ، و كان حماد بن سلمة إذا فتح حانوته و كسب حبتين قام ، و كان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت ، و خلف أربعمائة دينار ، و قال : إنما تركتها لأصون بها عرضي وديني . و قال سفيان الثورى : الزهد في الدنيا قصر الأمل ، ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباءة . و قال الشافعي في ذم الدنيا و التمسك بها:


    و ما هى إلا جيفة مستحيلة
    عليها كلاب همهن اجتذابها

    فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها
    وان تجتذبها نازعتك كلابها


    وكان أبو سليمان الداراني يقول : كل ما شغلك عن الله ، من أهل ومال وولد فهو مشؤوم .



    طويت الدنيا عمن هم أفضل منا:

    ويكفي أن في الزهد التأسي برسول الله صلي اله عليه وسلم وصحابته الكرام ، كما أن فيه تمام التوكل على الله ، وهو يغرس في القلب القناعة،إنه راحة في الدنيا وسعادة في الآخرة . و الزاهد يحبه الله ويحبه الناس فإن امتلكت فاشكر، وأخرج الدنيا من قلبك ، وان افتقرت فاصبر فقد طويت عمن هم أفضل منك ، فقد كان نبيك صلي الله عليه وسلم نيام على الحصير حتى يؤثر في جنبه ، ومات وفي رف أم المؤمنين عائشة حفنة من الشعير تأكل منها ، وكنت إذا دخلت بيوت رسول الله صلي الله عليه وسلم نلت السقف ، وخطب عمر بن الخطاب وهو خليفة المؤمنين وعليه إزار به اثنتا عشرة رقعة .

    لقد طويت الدنيا عنهم ولم يكن ذلك لهوانهم على الله ، بل لهوان الدنيا عليه سبحانه .، فهي لا تزن عنده جناح بعوضه ، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها . فلا تأس ولا تجزع على ما فاتك منها ، ولا تفرح بما أتاك؛ فالمؤمن لا يجزع من ذلها ولا يتنافس في عزها له شأن و للناس شان ، وكن عبداً لله في عسرك و يسرك و منشطك ومكرهك ، وسواء أقبلت عليك الدنيا أو أدبرت فإقبالها إحجام ، وإدبارها إقدام ، والأصل أن تلقاك بكل ما تكره فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء.





    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. روضـــة الكنــــوز [ متجدد ]
    بواسطة شام في المنتدى المنتدى الاسلامي
    مشاركات: 150
    آخر مشاركة: 14-03-2010, 12:37
  2. دعوة لتفقد أحوال اعضاء مضايف شمر
    بواسطة عبدالله 100 في المنتدى المضيف العام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 29-05-2009, 03:07
  3. التحليل المنطقي ضربٌ من الكذب في أحوال
    بواسطة أبو ليان في المنتدى قضية ورأي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 28-10-2008, 19:23
  4. مواسم هجرة القلوب إلــى القلوب
    بواسطة شام في المنتدى المضيف العام
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 29-09-2007, 21:38

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته