مساء الخير
ساهمت الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم ومنها انتشار شبكة الإنترنت في تسهيل عملية الحصول على المعلومات ونسخها وتوزيعها بشكل مجاني، إذ أصبح الضغط على فأرة الكمبيوتر كافيا لنسخ المعلومات وتسجيلها. كما أن شراء قرص مدمج فارغ وبثمن رخيص يكفي للحصول على نسخة من القرص المدمج الأصلي، دون أن يلمس المرء فرقا كبيرا في الجودة بين الأصلي والمنسوخ. ويتم هذا الأمر في بعض الأحيان دون مراعاة حقوق التأليف والنشر وهو ما يلحق أضررا كبيرة بالمالكين الأصليين لهذه الأعمال سواء كانوا كتابا أو موسيقيين أو ممثلين.
ولردع القائمين بهذه المخالفات ظهرت قوانين صارمة تعاقب القائمين بالقرصنة الأدبية. وكمثال على ذلك الحكم الذي أصدرته محكمة سويدية عام 2009 بسجن صاحب موقع قرصنة على الإنترنت لمدة سنة وغرامة مالية تقدر بالملايين، نتيجة خرقه لحقوق التأليف والنشر.
صعوبة مراقبة الانترنت بشكل دقيق
لكن هل يعني ذلك أن توقيع مثل هذه العقوبات كفيل بضمان حقوق أصحاب الأعمال الأدبية ومن خطر القرصنة بشكل كلي خاصة إذا كانت هذه الأعمال قد سبق نشرها على شبكة الإنترنت؟ الخبير في شؤون حقوق التأليف والنشر ماتياس شبيلكامب وصاحب موقع إيرجتس على الإنترنت يجيب على هذا السؤال بالنفي. "في رأي فإن التمكن من المراقبة الدقيقة للإنترنت ومتابعة نسخ المعلومات يبقى مجرد وهم". لكن الخبير الألماني يعتبر أن ما يمكن فعله في هذا الإطار هو بحث الطريقة التي تمكن أصحاب هذه الحقوق، سواء كانوا مؤلفين أو موسيقيين أو منتجين، من الاستفادة من استعمال الآخرين لأعمالهم دون حق.
مشروع شركة البحث الأمريكية العملاقة غوغل القاضي بنسخ عدد كبير من الكتب وطرحها على الإنترنت بدون مقابل، وسع هو الأخر من دائرة النقاش حول مسألة حماية حقوق التأليف. ويعتبر المستشار القانوني في مؤسسة اتحاد دور النشر في ألمانيا كريستيان شبرانغ أن مشروع غوغل المتمثل في إيجاد مكتبة إلكترونية مجانية يشكل خطرا على حقوق أصحاب هذه المؤلفات، ويكمن هذا الخطر ـ حسب رأيه ـ في أن غوغل عندما تقوم بنسخ ملايين من هذه الكتب وتطرحها على الإنترنيت، فإن ذلك سيعني احتكارها لسوق الكتب الرقمية الذي مازال في طريق التطور. ويعني ذلك أيضا "سيطرة شركة تجارية خاصة على مجال هو ملك للجميع".
مبلغ محدد مقابل الاستفادة اللامحدودة
وبخلاف ذلك يرى العديد من مؤيدي استعمال الانترنت دون قيود، أن فتح الباب على مصراعيه أمام الراغبين في الاستفادة من المعلومات الرقمية هو مبدأ ديمقراطي، ويدعم الإنتاج الثقافي. إلا أن النقد الذي يوجه لأصحاب هذا الرأي هو كيف يمكن للمبدعين سواء كانوا مؤلفين أو موسيقيين تمويل أعمالهم وتأمين عيشهم إذا وضعوا إبداعاتهم تحت تصرف الجميع دون مقابل، خاصة وأن العديد من الفنانين لا يتوفرون على الإمكانيات التي تتوفر عليه شركات تجارية أخرى مثل شركة Appel الأمريكية والتي وإن لم تحقق أرباحا كبيرة في بعيها للموسيقى، إلا أنها تجني أرباحا طائلة من خلال بيعها للأجهزة الضرورية لتحميل هذه الموسيقى.
وكحل وسط يحمي المؤلفين الأصلين ولو جزئيا من ضياع حقوقهم، اقترح حزب الخضر حلا توافقيا أطلق عليه اسم "الاستعمال اللامحدود للأعمال الثقافية والمقصود بذلك هو أن يدفع كل مستخدم للإنترنيت مبلغا محددا شبيها بالرسوم التي تدفع للاستفادة من برامج التلفزيون والراديو. ولم يحدد أصحاب هذا المشروع قيمة هذه الرسوم إلا أنهم أكدوا أنها لن تصل قيمتها إلى تلك التي تدفع كرسوم مقابل خدمة استقبال البث التلفزيوني والإذاعي.
لجنة دولية لدراسة الأمر
ولإيجاد حماية قانونية فعالة تحد من الاستعمال غير المشروع لمؤلفات الآخرين وإبداعاتهم، تتشاور منذ سنوات وبشكل سري لجنة تسمى "الإتحاد ضد القرصنة" وتظم ممثلي على أعلى مستوى من كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان. وتسعى هذه اللجنة لمحاربة التجارة بالبضائع المزورة وتقنين عملية نسخ الإنتاج الأدبي، التي تزايدت بشكل كبير في الآونة الأخيرة. ومن المتوقع أن تعلن النتائج التي توصلت إليها هذه اللجنة في الأشهر المقبلة. وعن مدى قدرة التوصيات التي ستخرج بها هذه اللجنة على توفير حماية كافية لحقوق التأليف والنشر يبقى التكهن بذلك أمرا سابقا لأوانه.
المفضلات