سبقني القدر
كانت تجلس بين الحضور وتستمع إلى صوت جديد على مسامعها ..نبرات رقيقة تغلغلت وبسرعة إلى نبضات قلبها .. الحديث كان عن الأم وفضلها الكبير… ولم يكن جديدا عليها هذا الموضوع ولكن الأسلوب كان مميزا والمتحدثة كانت بارعة في إيصال الكلمات إلى الألباب لتجعل الدموع تنهمر من الأعين بكل سهولة والضمير يصحو بدون مقدمات....
أخذت الجالسة تصغي بكل جوارحها وتبكي من كل قلبها فذكرى الأيام الخالية مع والدتها كانت بالفعل مخزة ..مشوار طويل من العقوق والعصيان والتمرد أتعبت فيه أرق إنسانة أعطت الكثير والكثير بدون مقابل..في هذه الساعة ..مرت على ذاكرتها مواقف كثيرة في الجحود والنكران .. فكم تأففت .. وكم جادلت.. وكم عصت..و شعرت بنزف الندم يغلي في شرايين ضميرها وأحست بالأسف الشديد من كل قلبها على تلك الأيام التي عذبت فيها الأم وجحدت في ثناياها الحنان والحب وكل المشاعر الصادقة وصممت في أعماقها بأن تبدأ من جديد وتصبح إنسانة أخرى تتفانى في إرضاء أمها وتكرس كل الثواني والدقائق والساعات لإسعادها وتعويضها عن كل الألم الذي سببته لها علها ذلك تنال الرضى والسماح وتفتح أمامها بابا واسعا للثواب والأجر كانت قد أغلقته في ذلك الماضي البائس..وبكل حماس وفرحة وأمل اتجهت إلى منزلها تتمنى بأن تطير كالبرق لتحضن أمها وتطلب منها العفو والسماح .. وأخذت تتخيل في الطريق ملامحها الطيبة الحنونة المتسامحة وتتصور فرحتها الغامرة بعودتها إليها وأسفها على كل ما بدر منها .. وبعد وقت قصير وصلت إلى المنزل ودخلت تركض بسرعة فائقة تبحث عن أغلى حب وأطيب قلب ..ولكنها وجدت أناسا كثيرون وضجة غير معتادة وبكاء ونحيب وتساءلت بخوف ...ماذا حصل ؟ أخبروني ؟ وفجأة رأت أختها الصغرىتجري نحوها لتحضنها بشدة وهي تبكي وتقول .....ماتت أمنا يا أختاه .. رحلت أمنا يا أختاه .. بلا عودة ..بلا عودة .. وبرجفة حزينة ودمعة متحجرة وكلمات على الفاه متصلبة ركضت بدون وعيها إلى غرفة أمها لتعانقها وترتمي على صدرها ..لتبكي وتبكي وتبكي ندما وحرقة وألما .. وداعا يا أغلى حب .. سامحيني .. عرفت فضلك متأخرا .. سامحيني فلم أكن أعلم بأن القدر سيسبق ساعة صحوتي .....سامحيني ..يا أغلى حب .....:
__________________
المفضلات